متلازمة ستوكهولم.. عندما تعشق الضحية جلّادها!
من الطبيعي أن يُحاوِل الإنسان الدفاع عن نفسه ضد من يُؤذيه، أو يحتجزه، أو يُسِيء إليه بطريقةٍ أو بأخرى، وأقل ذلك ألّا يكون متعاطفًا أبدًا مع من يُحاوِل أذيته بشتّى الطرق، لكن أن تعشق الضحية جلّادها، وتتعاطف مع من يُؤذيها أو يعتدي عليها، فهو أمر غير مألوف وغير مُعتاد للنفس البشرية، وهذا ما يُسمَّى بـ "متلازمة ستوكهولم"، فما تلك المتلازمة تحديدًا؟ ولم سُمّيت بذلك الاسم؟
ما هي متلازمة ستوكهولم؟
استجابة نفسية يُشكِّلها الإنسان المُحتجَز من قِبل شخصٍ آخر، إذ يُشكِّل علاقة نفسية مع خاطفه، ويبدأ في التعاطف معه رغم أنّه خطَفه، ولا تُطلَق "متلازمة ستوكهولم" فقط على وضعية "الخاطف والرهينة"، بل تتضمّن أيضًا الأنواع الأخرى من الصدمات التي تُوجَد فيها رابطة عاطفية بين المُعتدِي ومن يتعرَّض للإيذاء.
ويعتبر العديد من الأطباء أنّ مشاعر الضحية الإيجابية تجاه من اعتدى عليها، آلية للتكيُّف، يستخدمونها للبقاء على قيد الحياة خلال التعرُّض لهذه الصدمات أو سوء المعاملة من قِبل المُعتدِي.
لماذا سُمّيت متلازمة ستوكهولم بهذا الاسم؟
أُطِلقت هذه المتلازمة تيمُّنًا بحادثة سطو على بنكٍ عام 1973 في ستوكهولم بالسويد، وخلال المواجهة التي استمرّت 6 أيام مع الشرطة، أصبح العديد من مُوظّفي البنك الأسرى متعاطفين مع لصوص البنك، بل بعد إطلاق سراحهم، رفض بعض موظفي البنك الإدلاء بشهاداتهم ضد لصوص البنك في المحكمة، بل قد جمعوا الأموال للدفاع عنهم "عندما تعشق الضحية جلّادها".
وقد أطلق مختصُّو الطب النفسي على تلك الحادثة "متلازمة ستوكهولم"؛ لوصف ذلك الارتباط العاطفي بين الرهائن ومن احتجزوهم أو عرَّضوهم للأذى.
أسباب متلازمة ستوكهولم
لا أحد يعرف سرّ تعاطف بعض الناس مع من يؤذونهم، فالأمر يبدو لغزًا محيرًا للعلماء وغير العلماء على حدٍ سواء، لكن افترضت إحدى النظريات أنّ هذه المتلازمة وسيلة يتعامل بها الإنسان مع الخطر الذي حلّ به؛ لزيادة فرص بقائه على قيد الحياة، لكن إن كان الأمر كذلك، ففي المثال السابق بعد زوال الخطر، استمرّ الرهائن أو من تعرّضوا للأذى في الدفاع عمّن آذوهم حتى بعد زوال الأذى، فكيف يُفسَّر ذلك؟
نظرية أخرى، حسب موقع "clevelandclinic"، تفترض أنّه بتحول الإنسان إلى رهينة أو بتعرُّضه للأذى، يصير مشحونًا عاطفيًّا، فيُحاوِل التأقلم مع موقفه ويبدأ في إظهار التعاطف مع من أذاه أو احتجزه، كما أنّ العمل مع من يُؤذيك وعدم معارضته، يضمن لك الأمان وعدم التعرُّض للأذى، وعندما لا يتأذى الإنسان من شخصٍ قادر على أذيته في أي لحظة بل بقوة، فيصير ممتنًا له أنّه لم يقتله بل أذاه فقط أيًا كانت درجة ذلك الأذى.
اقرأ أيضًا:عندما ينفطر فؤادك من شدة الحزن.. ما هي متلازمة القلب المكسور؟
عوامل تزيد خطر الإصابة بمتلازمة ستوكهولم
رغم عدم وضوح الصورة، وكيف ينقلب الإنسان من خائفٍ مذعورٍ يسعى للنجاة إلى مُتعاطِف مع جلّاده، فإنّ هناك بعض العوامل التي قد تزيد خطر الإصابة بمتلازمة ستوكهولم، مثل:
- احتجاز الرهائن كما في عمليات السطو والاختطاف.
- العنف الأُسري.
- الاعتداء الجنسي على الأطفال.
- تعرُّض بعض الرياضيين الشُبّان للأذى من قِبل مُدرّبيهم.
أعراض متلازمة ستوكهولم
تتشابه أعراض متلازمة ستوكهولم مع اضطراب ما بعد الصدمة، التي تتضمّن ما يلي:
- عدم الثقة.
- عدم القدرة على الاستمتاع بالأنشطة التي كانت تُمتِعك سابقًا.
- الكوابيس.
- صعوبة التركيز.
- استرجاع ذكريات الماضي المُتعلِّقة بالحادث أو التعرُّض للأذى.
- سرعة الانفعال.
وإلى جانب ذلك تشمل أعراض متلازمة ستوكهولم أيضًا ما يلي:
- المشاعر الإيجابية تجاه المُختطِف، أو المُؤذي، أو من احتجزك.
- التعاطف مع معتقدات وسلوكيات المُعتدِي.
- المشاعر السلبية تجاه الأصدقاء، أو العائلة، أو السلطات التي تُحاوِل الإنقاذ.
- عدم القدرة على الانخراط في أي سلوك لدفع الأذى، أو العدوان، أو إطلاق السراح في حالة الاحتجاز.
هل يمكن تشخيص متلازمة ستوكهولم؟
لم تعترف الجمعية الأمريكية للطب النفسي "The American Psychiatric Association" بمتلازمة ستوكهولم رسميًا، ولم تُدرِجها كحالةٍ في أحدث دليل تشخيصي لها، ولذلك قد لا يتمكّن الأطباء النفسيُّون من تشخيص المتلازمة في بعض الأحيان.
لكن يُميِّز الأطباء السلوكيات التي تنتج عن المرور بموقفٍ مؤلم أو التعرُّض للأذى، وغالبًا ما تكون أعراض اضطراب مع بعض الصدمة، والتي تتشابه في جزءٍ منها مع أعراض متلازمة ستوكهولم.
علاج متلازمة ستوكهولم
لا تُوجَد علاجات مُحدّدة بعينها لمتلازمة ستوكهولم، فسببُها مجهولٌ ابتداءً، ومع ذلك تنجح علاجات اضطراب ما بعد الصدمة "PSTD" في التغلُّب على أعراض متلازمة ستوكهولم، وغالبًا ما يتضمّن علاج اضطراب ما بعد الصدمة العلاج النفسي والأدوية، كما يتضح فيما يلي:
1. العلاج النفسي
يستغرق العلاج النفسي 6 - 12 أسبوعًا لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة، وتشمل أنواع العلاج النفسي المُستخدمة لذلك الغرض ما يلي:
- العلاج المعرفي السلوكي، الذي يهدف إلى تغيير معتقدات وسلوك المُصاب، نحو معتقدات وسلوكيات أكثر إيجابية؛ لحل المشكلة التي يُعانِيها الإنسان.
- العلاج بالتعرُّض، إذ يُعرِّض المُعالِج الإنسان لما يخشاه، أو ما يقلق منه، أو يجتنبه بصورةٍ تدريجية إلى أن يزول خوفه أو قلقه أو الأعراض التي يُعانِيها مع قُرب ذلك الشيء منه.
- إعادة الهيكلة المعرفية، الذي يُساعِد في التعرُّف على الأفكار غير الصحيحة التي يُعانِيها المُصاب، ومحاولة إعادة صياغة تلك الأفكار إلى صورةٍ أكثر واقعية.
2. الأدوية
قد تُوصَف بعض الأدوية لبعض أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، مثل مضادات الاكتئاب؛ للتغلُّب على القلق والاكتئاب، أو الأدوية التي تُساعِد على النوم حال المعاناة من الكوابيس.
هل يمكن الوقاية من متلازمة ستوكهولم؟
لا تُوجَد طريقة معروفة للوقاية من متلازمة ستوكهولم، وذلك لا يعني أنّ كل إنسانٍ مُعرّض لها، لكنّها قد تحدث بالمصادفة، فليست من الأمور التي يُمكِن إحكام السيطرة عليها إذا وقعت، فضلاً عن تفادي وقوعها.