قبل أن تقدم على عمليات السمنة.. ماذا تعرف عن "متلازمة الإغراق"؟
تُساعِد بعض عمليات السمنة في خسارة قدرٍ كبيرٍ من الوزن، لكن لن تنعم بخسارة الوزن دون أن تغرم بعض المشقّات، والغُرم هنا هو المعاناة من "متلازمة الإغراق"، وهي حالة تنجم عن تفريغ المعدة لمحتوياتها سريعًا قبل أن تُهضَم كما ينبغي، ما يُسبِّب الغثيان وانتفاخ البطن، أو هبوط سكر الدم في غضون 1 - 3 ساعات بعد الأكل، وذلك في أعقاب معظم عمليات المعدة، فما هي أسباب هذه المتلازمة؟ وكيف يمكن التخلص منها؟
ما هي متلازمة الإغراق؟
إفراغ المعدة لمحتوياتها في الأمعاء الدقيقة بأسرع مما ينبغي أن تفعل في العادة، ما يجعل الأمعاء الدقيقة تتلقّى كمية كبيرة من الطعام غير المهضوم، ومِنْ ثَمَّ يُعانِي المرء الغثيان أو انتفاخ البطن، أو الإسهال، أو غيرها.
تحدث هذه المتلازمة في أعقاب عمليات المعدة، خاصةً جراحات السمنة، وتحديدًا عملية تحويل المسار، وأحيانًا تقع المتلازمة دون سببٍ واضح.
كيف تحدث متلازمة الإغراق؟
عادةً تنتقل الإنزيمات والعصارة الهاضمة للمعدة إلى الأمعاء تدريجيًّا وتحت نفوذ حركية المعدة "العضلات والأعصاب والهرمونات التي تتآزر معًا لتحديد زمن وكمية ما تُفرغه المعدة من محتوياتها، وتختل هذه الحركية مع اختلال أي من عناصرها".
إذا فُقدِت السيطرة على حركية المعدة أو إفراغها للطعام، فهذا يعني انفتاح الصمام البابي في قاع المعدة؛ لإخراج محتويات المعدة قبل أن تنتهي من هضمها.
وعندما تستقبل الأمعاء هذا الطعام غير المهضوم - الذي لا يُناسِب طبيعة عملها - فإنَّها تُحاوِل التأقلم معه بسحب كمية زائدة من السوائل إلى تجويفها، وبإطلاق مزيدٍ من الهرمونات، ما قد يُفضِي إلى أعراض "متلازمة الإغراق" بعد الأكل مباشرةً.
وقد تتأخَّر الأعراض عند بعض الناس، لكن بسبب تغيُّرات مستوى السكر في الدم، فقد تستقبل الأمعاء كمية كبيرة من السكر مع تناول السكريات أو الكربوهيدرات، ومِنْ ثَمَّ تبعث إشارة عاجلة إلى البنكرياس لإطلاق الأنسولين في مجرى الدم، ما يُؤدِّي إلى انحدار مستويات السكر بشدة، والمعاناة من الخفقان والدوخة وربَّما الإغماء.
أسباب متلازمة الإغراق
عادةً تحدث "متلازمة الإغراق" مع العمليات الجراحية، وربَّما تنشأ مع اضطرابات صحية، أو قد لا يُوجَد لها سبب واضح.
أمَّا العمليات المُرتبطة بـ"متلازمة الإغراق"، فتتضمَّن ما يلي:
- جراحات السمنة، مثل عملية تحويل المسار.
- عمليات استئصال جزء من المريء بسبب سرطانٍ أو اضطراب آخر.
- تثنية القاع، وهي العملية الجراحية التي يُخيَّط فيها الجزء العلوي من المعدة حول المريء؛ لعلاج ارتجاع المريء، أو أعراض فتق الحجاب الحاجز.
- استئصال المعدة، سواء كان كليًا أو جزئيًا، وسواء كان لعلاج قرحة المعدة أو سرطان المعدة.
- قطعُ المُبهَم، وهو أحد الأعصاب المُغذِّية للمعدة، والهدف من قطعه تقليل إفرازات حمض المعدة في حالات قرح المعدة.
وقد تُسبِّب بعض الأمراض أو المشكلات الصحية "متلازمة الإغراق"، مثل:
- الإصابة مؤخرًا بمرض السكري من النوع الثاني.
- قرح الاثنى عشر.
- قصور البنكرياس الإفرازي؛ عندما لا يُنتِج البنكرياس إنزيمات كافية لهضم الدهون.
- متلازمة زولينجر إليسون، وهو اضطراب نادر ناجم عن ورم يُفرِز كميات كبيرة من هرمون الجاسترين، ما يُؤدِّي إلى إنتاج كميات كبيرة من حمض المعدة.
اقرأ أيضًا:أفضل نوع عسل لعلاج المعدة.. هل مسموح استخدامه للقولون العصبي؟
أعراض متلازمة الإغراق
قد تظهر أعراض "متلازمة الإغراق" باكرًا أو متأخرًا، فالأعراض الباكرة تجيء مع هبوط الطعام من المعدة سريعًا إلى الأمعاء، وكذلك المتأخرة، لكنَّها تصحب كميات الطعام الكبيرة من الكربوهيدرات أو النشويات.
أعراض متلازمة الإغراق الباكرة
تنشأ في غضون 10 - 30 دقيقة من تناول الطعام، وهو النوع الأكثر شيوعًا؛ إذ يُصِيب 75% من المُصابِين بـ"متلازمة الإغراق"، وتشمل أعراضه:
- انتفاخ البطن.
- التعرُّق.
- الدوخة.
- زيادة مُعدَّل دقَّات القلب.
- الغثيان.
- الإسهال.
- احمرار الوجه.
- الصداع.
أعراض متلازمة الإغراق المتأخرة
تبرز هذه الأعراض بعد 1 - 3 ساعات من الأكل، وهي ناجمة عن هبوط مستويات السكر في الدم بالأساس إثر بلوغ كميات كبيرة من السكر "الكربوهيدرات أو النشويات" إلى الأمعاء، وتشمل هذه الأعراض:
- الدوخة.
- الضعف.
- الشعور بالجوع.
- زيادة مُعدَّل ضربات القلب.
- التعرُّق.
- صعوبة التركيز.
وقد يُعانِي بعض الناس الأعراض الباكرة والمتأخرة لـ"متلازمة الإغراق"، حسب موقع "healthline".
تشخيص متلازمة الإغراق
تتأكَّد شكوك الطبيب حول إصابة المريض بـ"متلازمة الإغراق" إن أجرى سابقًا جراحة للمعدة أو أحد جراحات السمنة، لكن قد تكون الاختبارات ضرورية للتشخيص بدقة، ومن أهم هذه الاختبارات:
1- اختبار تحمُّل الغلوكوز الفموي
يُحدِّد هذا الاختبار نسبة السكر في الدم قبل وبعد شُرب الإنسان محلول الغلوكوز، كما يتضمَّن حجم كريات الدم المكدسة "هيماتوكريت"، فإذا زاد حجمها بعد شُرب محلول الغلوكوز، دلّ ذلك على انتقال كميات كبيرة من السوائل من تيار الدم إلى الأمعاء، وهي السمة الرئيسة لـ"متلازمة الإغراق".
2- اختبار تنفُّس الهيدروجين
يُقاس مستويات الهيدروجين في أنفاس الإنسان بعد شُرب محلول الغلوكوز، فإذا كان الاختبار إيجابيًا، دلّ ذلك على عدم امتصاص الغلوكوز بكفاءة في الأمعاء، كما قد يُشِير ذلك إلى تحمُّل الأمعاء الدقيقة عبئًا هائلاً عليها.
3- التنظير الباطني العلوي
يستخدم الطبيب المنظار لرؤية المريء والمعدة والاثنى عشر من الداخل؛ لاستبعاد المشكلات الصحية الأخرى التي قد تكون وراء الأعراض.
4- اختبارات تصويرية
يُستخدَم التنظير التألُّقي "fluoroscopy" في الحصول على مقاطع فيديو مُصوَّرة بالأشعة السينية بعد تناول الإنسان لمحلول، لمعرفة مدى سرعة مرور المحلول عبر الجهاز الهضمي.
5- اختبار تفريغ المعدة
يقيس سرعة تفريغ المعدة للطعام من خلال إضافة كمية ضئيلة من المواد المُشعة إلى وجبتك، ثُمَّ يرصدها الطبيب بنوعٍ خاص من الماسح الضوئي.
علاج متلازمة الإغراق
يُمكِن التغلُّب على "متلازمة الإغراق" بالانخراط في عادات غذائية جديدة تُناسِب الواقع الحالي للجهاز الهضمي، ولا تُلقِي عبئًا ثقيلاً عليه، وقد تُساعِد الأدوية في العلاج، لكنّها ليست مناسبة كي تكون علاجًا طويل الأمد، وفيما يلي تفصيل سبل علاج متلازمة الإغراق:
1- إرشادات غذائية
ينبغي لمن يُعانِي "متلازمة الإغراق" أن يتبع بعض الإرشادات الغذائية لتخفيف الأعراض والوقاية منها، مثل:
- تناول وجبات صغيرة على مدار اليوم، فمثلاً يمكن تناول 6 وجبات صغيرة بدلاً من 3 وجبات كبيرة.
- مضغ الطعام ببطء وعدم الإسراع في البلع دون مضغ جيد.
- تجنُّب السكر البسيط والكربوهيدرات، مثل الحلوى والمعجنات والمشروبات الغازية، وكذلك تقليل تناول منتجات الألبان؛ لمنع التغيُّر المفاجئ في مستويات السكر في الدم.
- يُفضَّل الاعتماد على الكربوهيدرات المُعقّدة، مثل الشوفان والكينوا أو الحبوب الكاملة.
- الإكثار من أكل البروتين والدهون الصحية، مثل الأفوكادو، فالدهون تُبطِئ وتيرة الهضم وتمنع التفريغ السريع لمحتويات المعدة.
- الاستلقاء على الظهر لمدة 30 دقيقة بعد الأكل، فهذا قد يُساعِد في إبطاء تفريغ المعدة للطعام، والحفاظ على ضغط الدم خلال عملية الهضم.
- عدم شُرب أي سوائل في غضون 30 دقيقة قبل أو بعد الأكل؛ لأنَّ السوائل تُعزِّز حركية الجهاز الهضمي، وهو أمر غير مرغوب فيه مع "متلازمة الإغراق".
2- الأدوية
قد تُساعِد بعض الأدوية في تخفيف الأعراض المُصاحبة لـ"متلازمة الإغراق"، مثل:
- أوكتريوتيد أسيتات: يُثبِّط بعض الإنزيمات الهاضمة، ما يُطِيل زمن تفريغ المعدة للطعام، كما يُثبِّط إفراز الأنسولين، ويُؤخَذ بالحقن يوميًا أو شهريًا "الصيغة طويلة المفعول من الدواء".
- أكاربوز: يُنظِّم مستويات السكر في الدم من خلال إبطاء مُعدَّل امتصاص الكربوهيدرات، ما يُسهِم في تخفيف أعراض "متلازمة الإغراق" المتأخرة.
3- الجراحة
نادرًا ما يُلجأ إلى الجراحة لعلاج "متلازمة الإغراق"، لكنّها قد تُجرَى للحالات الشديدة، ولإعادة الأمور إلى نصابها في الجهاز الهضمي قدر المُستطاع، وذلك من خلال:
- إعادة ترميم أو تعديل جزء من المعدة به خلل وظيفي.
- تعديل عملية تحويل المسار إلى عملية أخرى بديلة أقل وطأة، أو محاولة عكسها.