د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل»: الإقالة الصامتة.. الموت البطيء
تنتشر في منطقتنا العربية، لاعتبارات اجتماعية، ما يسمى بـ"الإقالة الصامتة" Quiet Fired، وهي محاولة لدفع الموظف غير المرغوب به للاستقالة طواعية، عبر حرب خفية، تجنبًا للمواجهات العدائية الحادة.
ويميل البعض في منطقتنا العربية نحو الحفاظ على علاقاته، وتجنب المواجهة، فيجد نفسه أمام خيار "الموت البطيء" للموظف أو بالأحرى "خنقه" حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة إن جاز التعبير.
وربما يكون هذا التعبير المجازي قاسيًا، لكنه لا يقل قسوة عن شعور الموظف المتحير الذي لم يستوعب الإشارات غير المباشرة، التي يحاول مسؤوله إرسالها إليه.
فهو مثلاً قد لا يدرك أن نفيه في إدارة نائية أو مغمورة كان عقوبة له.
ولا يفهم البعض أن تغيير المسمى الوظيفي أو سحب الصلاحيات أو إلغاء مخصصات معينة هي إشارات مبطنة إلى أنه لم يعد مرغوبًا به.
وبعض المسؤولين الذين لا يصارحون العاملين معهم بأنهم لا يرغبون بوجودهم، فإنهم يتدرجون في مراحل "الإقالة الصامتة".
فتجدهم مثلاً لا يدعون المنبوذ إلى الاجتماعات، أو يتراجعون عن إرساله لدورات تدريبية خارجية مهمة، أو يمتنعون عن توجيه الإشادة له ولفريقه! هذه خطوات أولية "لإدارة محركات" المواجهة.
بعدها قد يلجأ المسؤولون إلى المرحلة المتوسطة من المواجهة، عبر "التحرش" به وظيفيًّا من خلال معارضته أو تضخيم زلاته وكأنها خطيئات لا تغتفر! وربما يتدرج أحدهم في سحب جزئي للامتيازات مثل موقف السيارة، أو رفع سقف الانتقادات الحادة، أو الإمعان في الإساءة، بحيث ينسب الفضل في أعمال "المنبوذ" المهمة لثلة مقربين، "لتطفيشه"!
وقد ينتقل المسؤولون إلى المرحلة الأخيرة من المواجهة (الحادة)، عبر تقليص صلاحيات هي في صميم عمل الموظف المطلوب التخلص منه، أو سحب إدارات منه وزيادة العبء الوظيفي عليه من خلال مهام وأهداف جديدة، عادة لا يفضلها الناس ويكون مصيرها الفشل المحتوم بسبب العوائق الداخلية أو الخارجية، مثل نقص الميزانية أو طول الدورة المستندية والخارجية مثل صعوبة التطبيق لغياب القوانين أو اشتعال حمى التنافس الضارية في السوق، الأمر الذي يصعب معه تحقيق أي نتائج ملموسة.
لكن ينبغي ألا يتسرع الموظف في فهم كل ما جاء أعلاه على أنه قرار مبطن بالاستغناء عنه.
فتلك الأمور متوقعة وهي من "مناكفات" العمل التي تحدث باستمرار، لكنها قد تصبح علامة الخطر عندما تستمر هذه المواجهة لفترة طويلة جدًّا، ولا تلوح في الأفق أي بوادر تسوية.
والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا كل هذا العناء وعدم مواجهة الموظف المقصّر بدعوة صريحة بالاستقالة؟ لماذا نتلذذ بتعذيبه؟ أو لماذا نتردد في حسم أمورنا معه؟ الشجاعة المهنية تقتضي المواجهة توفيرًا للجهد والوقت.