د.محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل» القائد بين «التأثير» و«السلطة»
يخلط البعض بين مفهومين شائعين عند الحديث عن القيادة وهما: "التأثير" و"السلطة". فالتأثير influence هو المقدرة على التأثير في الآخرين من دون زجرهم ولا نهرهم، أي بعيدًا عن صرامة مبدأ الثواب والعقاب. فالقائد المؤثر هو من يستطيع التأثير في الآخرين بعوامل أخرى مثل فهم شخصية من حوله كحاجاتهم ورغباتهم، فتجده يبني علاقات جيدة أو يدخل على الآخرين من مداخل تؤثر فيهم. فهناك من يؤثر فيه الجانب العاطفي، وهناك من يلين عند التلويح بالفوائد المادية المرتقبة، ومنهم من يتأثر بالكلمة الطيبة وينفر من اللغة الأمرية أو الوعظية.
وقد تأملت كثيرًا من الدراسات في تخصصي "القيادة" leadership فوجدت أن كلمة "التأثير" هي أكثر الكلمات التي تُردَّد في تعريفات القيادة، وجاءت في كثير من السياقات التي تناولت المقدرة على إحداث تغيير يشار إليه بالبنان. ولذلك نجد أن القائد الذي يتحلى بالذكاء الاجتماعي فرصته في فهم نفسه وفهم ما يريده الآخرون أكبر من غيره من القادة الصداميين، الذين يعتقدون أن المصارحة، والبعد عن الكياسة، والنقد اللاذع، هي أمور في صالح العمل. وينسى هؤلاء أن القائد إنما يتعامل مع بشر تحركهم الكلمة الطيبة والأسلوب الحسن في التعامل والعكس صحيح.
وعلى الجانب الآخر هناك مفهوم "السلطة" authority، وهي عادة ما تستمد من المنصب القيادي. فكثير من القادة ليس لديهم مقدرة ذاتية على التأثير في من حولهم، لكن وهج السلطة يكسيهم حلة الوقار "المؤقت" وخشية الناس منهم. فالسلطة أو المنصب حينما ينالها أحدهم فإنه باستطاعته أن يمنح من حوله العطايا والمزايا بشتى أنواعها. وكلما علا مستوى السلطة زاد لفيف الناس من حول أصحابها. غير أن السلطة أمر مكتسب (عبر المنصب) ولا يضمن بالضرورة التأثير في وجدان الآخرين أو الأتباع. فكم من مرؤوس كان مضطرًا لطاعة رئيسه بسبب سلطته. وقد رأينا جميعًا كيف كان البعض لا يحترم زميلاً ولا يقدره لكن ما إن أصبحت مقاليد السلطة بيده حتى جاءه خاضعًا ومطيعًا.
ولذا فإن قوة القائد تكمن في تحليه بالمقدرة على التأثير في من حوله، قبل أن ينال منصبًا رفيعًا. وإذا ما حظي بسلطة فإن تأثيره -لا شك- سيتضاعف. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل يمكن اكتساب المقدرة على التأثير؟ الإجابة بكل تأكيد نعم. ولذلك تضع كثير من الجامعات المرموقة برامج مكثفة لتخريج القادة في المجتمع عبر صقل المهارات الشخصية بشتى أنواعها، مثل مهارات الذكاء العاطفي، وفن الإقناع والتواصل، ومهارات الحوار، وحسن إدارة الخلافات والأداء، واحتواء الآخرين بصورة فعالة. فبعض المسؤولين يعتقد أن القيادة تأتي "بلَيِّ الذراع" أو "بتكسير الخشوم" (الأنوف) كما نقول باللهجة الخليجية.
ربما ينصاع الناس لنا بحكم سلطتنا لكن التأثير سيظل غائبًا إن افتقدنا عوامله. ومن هنا تأتي أهمية عقد الجهات الحكومية والخاصة وغير الربحية لبرامج تدريب القادة. وهي برامج نعدها بوصفنا متخصصين بناء على المشكلات التي تعترض الجهات. فما تحتاج مؤسسة إليه قد لا تحتاج إليه أخرى. وهذا يجرنا إلى مسألة المرونة في إدارة الناس. فالقائد المؤثر هو الذي يعرف متى يكون حازمًا، ومتى يكون لينًا، فالأمر ليس مرتبطًا بالسلطة، وهنا مكمن التأثير وفلسفته. ولذلك قيل في الأمثال: لا تكن صلبًا فتُكسر ولا لينًا فتُعصر.