د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل»:معاناة الفيل في اجتماعاتنا
أسوأ شيء في العلاقات الإنسانية المسكوت عنه، فالمسكوت عنه هو غريب الأطوار الذي نطلق عليه مجازًا "الفيل".
فهذا الفيل هو كل فرد يزعجنا في غرفة الاجتماعات وفي خارجها ورغم ذلك لا يجرؤ أحدٌ على توجيه سهام النقد تجاهه.
فتجدنا نضجر ونغضب ونتألم لكننا لا نقوى على مواجهة ذلك الفيل الرابض أمامنا.
ويتردد البعض في انتقاد الفيل أو المزعج الذي لا يلتزم بالمعايير المهنية في العمل، ولا بآداب الحوار، لأسباب عديدة منها كبر سنه أو مكانته الاجتماعية أو أنه من علية القوم المقربين للقائد الهُمام.
وربما هبط ذلك الرجل أو تلك الحسناء بالبراشوت إلى منصب لا يستحقه.
وربما تفاقمت تحدياتنا لأننا لم نجرؤ على توجيه أصابع النقد وهذا مكمن الخلل.
اقرأ أيضًا:د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل»: كيف يحمي الإنسان كوكبه؟
فكم من بيئات تعاني وجود أشخاص تتشارك مع الفيل بصفات عديدة منها أن أصواتها مرتفعة، فصوت الفيل يصل إلى نحو ثمانية كيلومترات، منها أيضًا أنه كلما تحرك أو تحدث أحدث جلبة مزعجة.
ويشبه هؤلاء المتعِبون الفيلَ من ناحية استهلاكه لطاقة مَن حوله، فالفيل إذا شرب استطاع خلال 5 دقائق أن يستهلك نحو 200 لتر من الماء، ويقضي 80% من وقته في الأكل والشرب، وفي مقدوره أن يلتهم نحو 150 كيلوجرامًا من الأطعمة.
والمتأمل في هذه الوليمة التي يبتلعها كائن حي واحد يلاحظ أن مجرد جمعها وإعدادها للفيل يوميًّا يستنزف طاقة من حوله.
ويفعلون ذلك ليس لإنتاجيته بل لتفادي مواجهة هذا الكائن الجائع طوال اليوم.
فالموظف (الفيل) قد يبدو وديعًا لكنه في حقيقة الأمر يُنهك مَن حوله في سلوكه وكلماته وطلباته الدائمة.
ومن أفضل طرق التعامل مع الفيل إشعارُه بأننا قد لاحظنا وجوده أو مداخلاته، فلربما كان بحاجة إلى اهتمام أو تقدير.
اقرأ أيضًا:د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل»: تجربة بنك بريطاني.. تخفيض ساعات العمل
كما أن التعامل معه كصديق وليس كعدو ربما يخفف من وطأة تشنجه.
وربما يزيد البعض الطينَ بلةً بالتعامل معه بسوء تفسيرٍ لنياته الكامنة، بدلاً من التركيز على ما قاله أو فعله.
ولا بُد أن نتذكر أن عدم مصارحة هذا الفيل ربما يدفعه للتمرد وربما يُحرِّض غيره من سرب الفيلة للدخول في مواجهات نحن في غنى عنها.
فلا بُدَّ أن يعرف المخطئ منهم حدوده وما إذا كان سلوكه قد بدأ يشل حركة فريق العمل.
ومما يشعل نيران المواجهة، تذكير الفيل بالماضي.
ولذا كان الانشغال بالموضوع قيد النقاش أفضل وأسلم.
ومعضلة الفيل ليست مرتبطة في بيئات العمل، فنجد الفيل بجميع أحجامه وأشكاله، ينتظرنا في مجالس الأقرباء والأصدقاء.
وربما كنا نحن بين حين وآخر ذلك الفيل المزعج، الذي يتردد من حوله في مصارحته بأنه صار مثلاً لا يكف عن الاستئثار بالحديث على حساب من حاولوا جاهدين أن يدلوا بدلوهم في ذلك النقاش العقيم.