د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل»: تجربة بنك بريطاني.. تخفيض ساعات العمل
بدأت تتوالى نتائج تجربة بريطانية مثيرة للاهتمام، حيث قرر بنك أتوم Atom Bank تخفيض أيام العمل الأسبوعية إلى أربعة أيام بدلاً من النظام العالمي السائد (خمسة أيام) وذلك بعد ظهور نتائج إيجابية منها ارتفاع ملحوظ في الإنتاجية.
فقد أعلن البنك الرقمي الصاعد أن تخفيض ساعات العمل قد أدى إلى رفع معنويات العاملين، وارتفاع معدلات تقديم طلبات التوظيف بنسبة 50 في المائة.
وتمكن المصرف من استقطاب "المزيد من الموهوبين، وسجل ارتفاعًا ملحوظًا في الإنتاجية، من دون أي تخفيض في أجور العاملين".
واللافت لي أن 92 في المائة من موظفي البنك قالوا إنهم أصبحوا أكثر فاعلية في أدائهم.
وقد ارتفع معدل دافعيتهم وحماسهم في العمل بنسبة 13 في المائة، وانخفض معدل الإجازات المرضية بنسبة الثلث، وارتفعت سمعة المصرف لدى الزبائن.
وكحال أي تغيير، لا يبدو أن تطبيق هذا الأمر على أرض الواقع أمر سهل.
فقد اعترفت بكل شجاعة كبيرة شؤون الموارد البشرية "آني ماري ليستر" بأن "تطبيق تلك التجربة لم يكن بالأمر اليسير، فصحيح أننا حققنا نجاحات كبيرة لكن كانت هناك تحديات".
ولعل ثقافة العمل لمدة خمسة أيام كانت راسخة جدًا في المؤسسة ما تطلب جهدًا في تغييرها، بحسب ما نشرت التايمز اللندنية.
ما فعله هذا البنك البريطاني أنه خطط مسبقًا بشكل جيد، ووضع نظامًا لمراقبة تفاصيل الأداء وقياسه، ومن ثم مقارنته بالأداء السابق في ظل ساعات عمل أكثر.
وهم يرجعون الفضل لذلك "لوجود رغبة جادة في تخطي الصعاب" مهما كانت.
وهذه مسألة مهمة في التغيير فعندما لا تكون الإدارة مقتنعة بالتوجهات الجديدة المفروضة من "فوق" أو الجهات العُليا تصبح هي نفسها حجر عثرة في توجهات مجلس الإدارة أو الوزير أو مجلس الوزراء.
وهذه قضية يشاهدها الناس في بيئات العمل حول العالم.
ورأيناها في مشاريع الاندماجات، التي يكتب لبعضها الفشل عندما تضع الإدارة "العصا في الدولاب" في أكثر من مرحلة "لتفركش" التوجهات العليا في الدمج.
اقرأ أيضًا:د. محمد النغيمش يكتب لـ « الرجل »: المحاورة والمناورة
ويعد أتوم مصرفًا رقميًا جديدًا تأسس عام 2013، ولكنه يحاول اللحاق بركب التغيير قبل أن تتجذر ثقافة سائدة يصبح معها التغيير أمرًا صعبًا.
وهذا لا يعني أن أحدًا لن يستطيع اتخاذ قرار التغيير بحجة ترسخ ثقافة المؤسسة أو قدمها، فقد أعلنت دولة الإمارات عن التوجه نحو 4 أيام عمل، وطبقته بكل جدية، اعتبارًا من يناير 2022، في حدث استباقي وجريء تناقلته وسائل الإعلام العالمية.
وبعد ستة شهور من تطبيق قرار الإمارات، اعتزمت مجموعة من الشركات والمنظمات البريطانية وعددها سبعون، دراسة جدوى العمل لأربعة أيام في الأسبوع.
وقد أشرف على التجربة أكاديميون من جامعتي كمبريدج وأوكسفورد بمعاونة مختصين من كلية بوستون الأمريكية.
وكعادة البريطانيين في التأني في القضايا الجوهرية، حيث جاءت هذه التجربة.
أرى أن مسألة طول ساعات العمل هي أمر نفسي في المقام الأول.
فهناك من الأفراد من يستطيع أن ينجز أعمالاً هائلة في وقت قياسي، حتى المتراخون منهم إذا ما منحوا وقتًا قصيرًا فإن منهم من سيبذل قصارى جهده لإنهاء مهامه قبل أن تتراكم.
ولذلك نرى ذروة إنتاجية البعض تكمن في اليوم الأخير قبيل عطلة نهاية الأسبوع، أو عطلة الصيف حتى يزيل المرء عن كاهله عبء العمل واحتمالية لومه على التأخير.
وعندما يشعر المرء أنه سوف ينعم بعطلة نهاية أسبوع مدتها ثلاثة أيام، فربما يبذل ما في وسعه.. لتلك المتعة.
ولا شك أن تخفيض ساعات العمل ربما لا يتوافق مع بعض القطاعات، كالصحية، والطوارئ، والتعليم، والمواني، لكن يمكن عمل نظام نوبات.
وفي جميع الأحوال فإن التجربة خير برهان، لقياس أثر التخفيض على الإنتاجية.
فالحياة، ليست بيئة عمل، فهناك أدوار حياتية ومجتمعية لا تقل أهمية عن "العمل"، وربما تزيد.