راكان طرابزوني يكتب لـ«الرجل» : تحديات العمل عن بعد
بدأ مبدأ "العمل عن بعد" في الشركات العالمية الكبرى منذ أكثر من خمسين عامًا، وكان في بدايته قائمًا على فكرة التواصل بين مكاتبها في مدن ودول مختلفة حول العالم، وكان التواصل بينها يحدث في شكل اجتماعات دورية حضورية، ومن ثم تطور إلى بعض الاجتماعات أونلاين مع دخول الإنترنت في نهاية التسعينيات الميلادية.
ولكن مع دخول الجائحة في 2020 وإجبار العالم كله بالعمل عن بعد كأساس للتواصل، بدأت الكثير من الشركات وضع نظام متكامل يتيح للموظفين حرية الاختيار للعمل عن بعد بصفة كاملة أو في مكاتب الشركة.
وظهرت كثير من النداءات التي تطالب بجعل العمل عن بعد هو الأساس، والتي جاءت معظمها من الجيل الجديد الذي دخل سوق العمل مؤخرًا. وقد تبنت ذلك الكثير من الشركات التقنية، وذلك لأسباب عدة، منها تقليص تكاليف المكاتب، من إيجار وأثاث وخلافه. ولكن ما لم يكن في الحسبان هو تأثير ذلك سلبًا على الإنتاجية وثقافة الشركة، وعلى التواصل الاجتماعي بين الموظفين، ما جعل الكثير من الشركات تلجأ إلى الحد من هذا الاختيار والعودة للعمل حضوريًّا، ووضع شروط وضوابط مقننة لاختيار العمل عن بعد.
وقد رأينا الكثير من الرؤساء التنفيذيين العالميين الكبار ينادون بنبذ العمل عن بعد والعودة للعمل حضوريًّا، والكثير منهم أعطى تحذيرًا لموظفيهم، إما العودة للعمل حضوريًا وإما الفصل.
ولكن بعض الجهات لا تزال تحتاج إلى هذه المرونة في بيئة العمل إما بسبب وجود كفاءات معينة لا يمكن الاستغناء عنها في مناطق مختلفة من العالم، وإما بسبب أهمية وجود هذه الكفاءات في مدن مختلفة عن المدينة الرئيسة للشركة. وفي هذه الحالات يجب تطوير أنظمة بيئة العمل واستراتيجيات التواصل لضمان استمرارية الإنتاجية وجودة مخرجات العمل.
فإن كانت شركتك تحتاج إلى هذه المرونة، فإليك بعضَ هذه الحلول التي ستساعدك على الحفاظ على بيئة صحية فعالة ومنتجة.
تحديد اجتماعات فريق أسبوعية. على أن تشمل الفريق كله وليس فقط الأشخاص العاملين أونلاين، لأن ذلك سيساعد على التعارف والترابط بينهم، ومن المهم أن تكون كاميرات الجميع مفتوحة. أضف إلى ذلك إقامة الاجتماعات الأسبوعية بين الموظف ومديره المباشر فقط.
اقرأ أيضًا: راكان طرابزوني يكتب لـ«الرجل» : فن التفويض
تحديد اجتماعات حضورية بصفة دورية، مرتين أو ثلاثًا في السنة لجميع أعضاء الفريق.
وضع مؤشرات أداء واضحة وعملية على الجميع. فمن السهل الانزلاق خلف أهداف فضفاضة وخلق أعذار كثيرة قد تسبب التأخر في الالتزام بالأهداف، ولذلك فمن المهم جدًّا وجود مؤشرات أداء واضحة.
التأكد من إعطاء دورات تدريبية للجميع في فنون التواصل الفعال. وذلك أن التواصل الشخصي أسهل بكثير من التواصل الفعال عندما يكون أونلاين فقط، فمن الضروري وجود هذه الدورات التدريبية.
خلق بيئة عمل صحية تدعو للثقة والانفتاح في التواصل، لأن ذلك سيزيل أي تردد أو تخوف ويرفع من إنتاجية الفريق.
وأخيرًا، فالعمل عن بعد موجود وباقٍ ولن يختفي، ولكن سيقنن كثيرًا ويتطور بأنظمة وضوابط قوية، تحافظ على إنتاجية وفاعلية الشركة. لا أعتقد أنه سيصبح النظام الطبيعي بشكله الحالي، فلا يوجد بديل أفضل من التواصل الحضوري بين الموظفين. فالبشر كائنات اجتماعية تعيش في جماعات مترابطة منذ الأزل، والعزلة استثناء وليست الأساس. ولكن المرونة صفة مهمة في البشر والشركات على حد سواء.
"لا أريد أن أسمع المزيد من الهراء عن أهمية العمل عن بعد يوم الجمعة، فقد حاولت التواصل مع الكثير منكم يوم الجمعة ولكن لا حياة لمن تنادي". – راي داليو