ما الذي تتطلبه إعادة تشكيل المهارات في القطاعات والشركات؟
مع بداية انحسار الأزمة الصحية العالمية في عدد من البلدان، فإن التداعيات بدأت بالظهور. ففي تقديرات أولية ٩٤٪ من القوى العاملة حول العالم تعيش في دول قامت بإغلاق تام أو جزئي والشركات والقطاعات في مختلف المجالات تواجه نتائج كارثية وخسائر مع تسريح عدد كبير من العمال، وإمكانية تسريح إضافية لملايين آخرين.
ولكن الأشهر الماضية شهدت على نمو متسارع لثلاث قوى ومسارات أساسية وهي إزالة العولمة، الرقمنة ودمج الشركات. ومع التبدل السريع لسلوكيات الزبائن وتوجههم بشكل كبير نحو الاستهلاك أونلاين فإن الشركات قامت بردة فعل سريعة، وتجاوبت مع التبدل هذا وقامت بتعديلاتها الرقمية. الخطط للانتقال إلى الرقمنة كانت ضمن خطط طويلة الأمد ولكن الوضع الراهن جعل الشركات تسرع المسار هذا وما كان يفترض أن يتم خلال سنوات تم تحقيقه خلال أشهر.
الوضع هذا خلق سيناريو فريدا من نوعه، ملايين بلا وظائف من جهة وحاجة متزايدة وسريعة لمهارات جديدة من جهة أخرى. هناك فرصة لحل المشكلة الأولى من خلال الاعتماد على الثانية وذلك من خلال إعادة تشكيل مهارات العاملين.
غالبية الشركات الكبرى أدركت الحاجة إلى إعادة تشكيل المهارات قبل الجائحة فمنذ عام ٢٠١٩ والتحذيرات حول عدم توافق مهارات اليوم مع متطلبات وظائف الغد تتزايد بالإضافة الى المطالبة بضرورة إعادة تدريب وتمكين الموظفين من خلال وضع نظام تتعاون فيه الحكومات مع المؤسسات من أجل تأهيل اليد العاملة للمرحلة القادمة.
التوصية هذه باتت حاجة ملحة اليوم وخطوة ضرورة من أجل التعافي الاقتصادي. الخبر الجيد هو أن بعض الشركات بدأت بالفعل بإعادة تأهيل العاملين لديها وبنجاح، فالعام الماضي تعهدت كبرى الشركات بإعادة تأهيل العاملين لديها ومساعدتهم على اكتساب مهارات جديدة، فشركة أمازون أعلنت عن مشروع قيمته ٧٠٠ مليون دولار لإعادة تأهيل ١٠٠ ألف عامل لديها، عملاق الاتصالات «أورنج» استثمرت ببليون ونصف البليون يورو للغاية نفسها.
المبادرات هذه في تزايد وهي في الواقع الخطوات المنطقية التي يجب القيام بها. وبطبيعة الحال هكذا مبادرات تتطلب تعاون من مختلف الجهات، الشركات والحكومات والخبراء في هذا المجال وذلك من أجل تحديد أطر وتعريفات واضحة لإعادة تشكيل المهارات.
كوفيد ١٩ كشف أن الشركات لم تكن «تستمع» فعلياً للعاملين لديها عن بعد!
ما الذي تعنيه إعادة تشكيل المهارات؟
خلال السنوات الماضية عدد كبير من المنظمات حول العالم بدأت بالعمل على فهم ما الذي يعنيه مفهوم إعادة تشكيل المهارات في إطار المضمون والشكل والإستثمار المالي.
لناحية المضمون: إعادة تشكيل المهارات ليس فقط التعلم بل التعلم في خدمة النتيجة، والذي هو عملية انتقال ناجحة لوظيفة جديدة أو القدرة على القيام بمهام جديدة بنجاح. إعادة تشكيل المهارات لا يتمحور فقط حول تعلم مهارات تقنية جديدة ولكن تعلم الكفاءات الأساسية كالقدرة على التأقلم، التواصل والتعاون والإبداع.
لناحية الشكل: هناك أشكال يمكن لإعادة تشكيل المهارات أن تتم من خلالها وهي التعليم الرسمي الذي يشمل العودة مجدداً الى الجامعة أو الى مؤسسات تعليمية، أو التعليم غير الرسمي والذي يتضمن تعلم نشاطات محددة أو مهارات معينة من خلال مدربين أو من خلال موظفين أو مدراء ولا تسعى خلف الحصول على شهادات رسمية أو مهارات تتطلب إعترافاً رسمياً أو أكاديمياً بها.
اختيار الشكل الصحيح يعتمد على النتيجة المرجوة وعلى الوضع الخاص بالشركة. فعلى سبيل المثال الوضع الإقتصادي الصعب حالياً، السرعة والقدرة على الوصول الى المعلومات بسهولة والمسار الواضح للتوظيف من الأمور الضرورية لأي شركة وللعاملين لديها، ما يعني أن التعليم غير الرسمي الذي لا يتطلب وقتاً طويلاً سيكون الأكثر فعالية.
ولكن في المقابل في المستقبل وفي عصر الاقتصاد المتعافي، الشركات يمكنها أن تستثمر في التعليم الرسمي من خلال تأهيل الأشخاص من خلال شهادات أكاديمية.
الاستثمار المالي: لا يمكن الحديث عن استثمار مالي في إعادة تشكيل المهارات من دون أن تكون الحكومات أو مؤسساتها جزء من الخطط الموضوعة. وبطبيعة الحال وعند التنفيذ بشكل صحيح جميع الجهات المعنية ستستفيد من النتائج. ولكننا حالياً نحتاج الى خطط سريعة وتنفيذ أسرع، ولهذا السبب الشركات تقوم بالإستثمار بالتعليم أونلاين. ١٧٪ من الشركات قامت بالإسثتمار في مبادرات إعادة تشكيل المهارات من خلال التدريب والتدريس أونلاين. وهذه النسبة ما تزال منخفضة خصوصاً وأننا نتحدث عن أزمة تحتاج الى مهارات جديدة خلال فترة قصيرة.
ما المدة التي تحتاج إليها الشركات؟
الإجابة المعروفة، التي تعرضت للكثير من الانتقادات، لهذا السؤال هي لعالم النفس كاي إندرس إريكسون الذي قال بأن إعادة تشكيل المهارات تحتاج إلى ١٠ آلاف ساعة من التدريب من أجل اكتساب الخبرة. في المقلب الآخر دان كويل، مؤلف «كود الموهبة» يتحدث عن أهيمة الالتزام الطويل الأمد الواعي خصوصاً وأن البعض يحتاجون إلى تدريب وممارسة أقل لتعلم مهارة جديدة من غيرهم.
الإجابة بطبيعة الحال تختلف بين شخص وآخر ولكن يمكن القول إن الذين يريدون النجاح في تعلم مهارات جديدة ويملكون الاستعداد للالتزام فسيحققون ذلك خلال فترة زمنية أقل من غيرهم. فعلى سبيل المثال «جنرال أسمبلي» تملك دورساً مصممة لمساعدة الذين يريدون اكتساب مهارات جديدة من أجل الحصول على وظائف غي مجال التكنولوجيا، والداتا وغيرها من المجالات المتعلقة بالتكنولوجيا والمعلوماتية.
وبرغم أن الغالبية من المشاركين يملكون شهادات جامعية ولكنهم لا يملكون أدنى فكرة عن المهارات التي يريدون تعلمها. الدروس هذه تتطلب ٤٨٠ ساعة إما أونلاين وإما بالحضور شخصياً إلى الصفوف وهي تدرس على فترة ١٢ أسبوعاً.
والنتيجة هي أنه بين العامين ٢٠١٨ و ٢٠١٩، ٩٠٪ من الذين تخرجوا من البرنامج هذا تمكنوا من الحصول على الوظائف التي يبحثون عنها خلال ٦ أشهر من تخرجهم. ما يعني أن ٤٨٠ ساعة كانت أكثر من كافية لتعلم مهارات جديدة.
شركة لابروتوريا إعتمدت على مبدأ الـ ٦ أشهر لتعليم مهارات جديدة ووفق الشركة ٨٠٪ من الخريجين تمكنوا من زيادة راتبهم ٣ أضعاف بسبب المهارات الجديدة التي قاموا باكتسابها.
قواعد الإنتاجية وفقًا لإيلون ماسك.. على كل القادة والموظفين اتباعها في أسرع وقت
كيف يمكن جعل إعادة تشكيل المهارات واقعاً للجميع؟
تعاون مع جهات تعنى بهذا المجال: في كل بلد هناك مجالس ومؤسسات غير ربحية أو مؤسسات تابعة للدول تسعى إلى مساعدة القطاعات والشركات على تقليص فجوة المهارات. هذه المجموعات تتعاون مع الشركات ومع الحكومات في الوقت عينه وبالتالي تملك ما يكفي من المعلومات التي تعتبر أساسية للمهارات الجديدة المطلوبة وآلية الحصول عليها.
دعم الشركات الصغرى: الشركات الصغرى والمتوسطة الحجم عادة تحتاج إلى دعم مادي أكبر من أجل إعادة تشكيل مهارات الموظفين. دعم القطاع العام ضروري أيضاً، ففي النمسا مثلاً يتم دعم المؤسسات الصغيرة والقطاع العام من خلال صندق تموله الحكومة وتديره وزارة العمل. وهذا التنظيم يعني أنه يتم التعرف على المهارات التي تحتاج اليها الشركات والدولة ويتم وضع الخطط وفق الحاجات هذه.
جعل إعادة تشكيل المهارات في متناول الموظفين: يجب أن يحصل جميع الموظفين على دعم التطوير الوظيفي والذي يتم تمويله من خلال مساهمات فردية أو من خلال استثمارات يقوم بها صاحب العمل أو من خلال استثمارات من رعاة. بعض الدول بدأت بالقيام بذلك، ففي فرنسا هناك «حساب التعلم الخاص» الذي يرتبط بوزارة المالية والذي يوفر لكل شخص سواء كان يعمل أو عاطل عن العمل ٥٠٠ يورو سنوياً أو ٥٠٠٠ يورو مدى الحياة من أجل تعلم مهارة جديدة. المشروع هذا يتم تمويله من قبل المديرين والموظفين والدولة.
سنغافورة من الدول التي تعمل وبجدية في هذا المجال أيضاً وقامت بتأسيس صندوق ممول من الدولة والمؤسسات والذي يسمح لكل شخص تجاوز الخامسة والعشرين من عمره بالحصول على ٣٧٠ دولار سنوياً وإضافتها الى حسابه الخاص بتعلم مهارات جديدة. الحساب هذا يستمر مدى الحياة ويمكن للشخص إدخار المبالغ شرط أن يستخدمها لاحقاً فقط في مجال إعادة تعلم مهارات جديدة.
مقاربات تساعدك كقائد على تحفيز فريق عملك خلال الأزمة الحالية
المصدر: ١