التغيير المحوري.. خشبة الخلاص التي مكنت الشركات من تجاوز محنة كوفيد 19
الركود الاقتصادي شبه الفوري الذي سببه الإغلاق التام نتيجة كوفيد ١٩ أثار موجات من الفوضى في جميع الشركات سواء الكبيرة أو الصغيرة. أساس حياتنا اليومية، قيل لنا، بأنه مهدد وكثرت التحذيرات حول نهاية عصر التنقل الطبيعي كما نعرفه، وزوال البيع بالتجزئة وانهيار العولمة. وعليه عدد كبير من المديرين التنفيذيين افترضوا بأن كل شيء سيتبدل. وانطلاقاً من هذه القناعة كانت وصفة الخلاص بالنسبة إليهم هي تبدل كامل وكلي للشركات وإلا كان الإفلاس هو المصير.
ولكن آلية تعامل الشركات مع الأزمة والتحضيرات التي تقوم بها من أجل التعافي تروي قصة مختلفة كلياً، واحدة من الآليات هي التغيير المحوري التي مكنت الشركات من الصمود على المدى القصير بالإضافة إلى خلق المرونة والنمو على المدى البعيد.
ما هو التغيير المحوري؟
التغيير المحوري هو تغيير جوهري في واحد أو أكثر من مكونات نموذج الأعمال والتي هي المنتج، شريحة العملاء الخاصة بالمشروع، قنوات التسويق، نموذج الإيرادات والتسعير، الموارد، الأنشطة، التكاليف، والشركاء وطرق اكتساب العملاء.
التغيير المحوري هو الحالة التي تمر بها المشاريع عندما تتغير وجهتها من إنشاء شيء كان يفترض أن يتم إنشاؤه إلى شيء آخر وذلك من خلال إجراء منظم ومصمم لاختبار فرضية جديدة حول المنتج ونموذج العمل.
من المتعارف عليه في عالم الأعمال قيام الشركات الناشئة باعتماد التغيير المحوري وذلك لأن التغييرات في مراحل مبكرة يكون ضرورياً. وبما أن التغيير المحوري تقوم به الشركات عندما تكتشف بأن منتجها لا يلبي حاجات الأسواق أو لتتأقلم مع فرص جديدة أو معلومات جديدة، فإن إعتماده خلال فترة كورونا وما بعدها منطقي للغاية.
وعليه ما حصل هو أن الشركات بدأت بإعتماد مسارات مختلفة عن تلك التي تعتمدها عادة. ولكن ولنجاح العملية الانتقالية هذه التغييرات المحورية يجب أن تتم خلال فترات زمنية قصيرة وذلك كي تتمكن من الوصول الى الصورة النهائية لأعمالها قبل نفاذ الموارد.
إعادة الهيكلة المالية للشركات في زمن كورونا: الحل البديهي أم الأخير؟
نماذج من الشركات التي اعتمدتها
شركة «سبوتيفي» الرائدة في مجال الموسيقى تملك من الناحية النظرية جميع المقومات التي تجعلها تنجح خلال فترات الإغلاق التام أو الجزئي، فالجميع محجوز في منزله خلال فترة عصيبة وبالتالي اللجوء إلى الموسيقى من أجل قتل الوقت والتخلص من المشاعر السلبية مقاربة يعتمدها الجميع وبشكل كبير.
وبرغم هذا الواقع فإن الشركة عانت ووجدت صعوبة في العثور على تغيير محوري يساعدها على حل مشكلة أساسية وهي أنها، وخلافاً لأبل، تعتمد على المستخدمين الذين يستمعون للإعلانات من أجل الاستفادة من خدماتها بشكل مجاني. قبل الجائحة كانت تقديرات الشركة تشير إلى أن عائدات الإعلانات ستزيد بشكل كبير جداً من خلال قاعدة المستخدمين الساعين خلف الخدمات بشكل مجاني. خلال تلك الفترة كان نموذج العمل هذا يظهر علامات النضوج وبأنه يملك كل المقومات التي ستجعله ناجحاً، ولكن كل ذلك تبدل مع كورونا التي دفعت بالمعلنين إلى تقليص ميزانياتهم.
واحد من التغييرات المحورية التي قامت بها سبوتيفي للتعامل مع المشكلة هذه كانت بعرض محتواها الأصلي على شكل بودكاست. الشركة لاحظت أن الفنانيين والمستخدمين قاموا بتحميل أكثر من ١٥٠٠٠٠ بودكاست خلال شهر واحد فقط، فقررت الإستفادة من هذا الواقع فقامت بتوقيع عقود مع فنانين من أجل تسجيل بودكاست خاص بالشركة. التبديل في الإستراتيجية يعني بأن الشركة قد تبدل مهامها في المستقبل.
التغيير المحوري، بشكل عام، ينجح تماماً للمنصات الإلكترونية ولكن هل يمكن القيام بذلك للشركات التي تعمل بالأطر التقليدية؟
كيف تعاملت الشركات بنماذج تقليدية مع التغيير المحوري؟
إن كان هناك شركات تعتمد النموذج الثابت والتقليدي للأعمال من دون تبديل فهي المطاعم كما أنها واحدة من القطاعات الأكثر تضرراً بسبب الإغلاق. التغييرات التي يمكن للمطاعم القيام بها محدودة، فهي في نهاية المطاف تقدم خدمات واحدة ومسارها واضح.
المثال هذا ينطبق على نماذج أعمال عدد كبير من الشركات التي تقدم خدمات أو منتجات. وعليه الغالبية يمكنها الاستفادة من التغييرات المحورية التي قامت بها بعض المطاعم.
المطاعم بدأت بتبديل مفهومها العام لنفسها، والذي بات بأنها مطابخ تملك طرقاً مختلفة لإيصال الطعام إلى الزبائن. من التغييرات المحورية التي اعتمدتها المطاعم كانت عرضا ثابتا لعدد من الوجبات شهرياً أو أسبوعياً، تقليص لائحة الطعام إلى حدها الأدنى، تبديل مهام العاملين ضمن المطعم. تغييرات محورية أخرى اعتمدتها مطاعم أخرى كانت عبارة عن توفير أطباق جاهزة وأخرى يمكن طهيها في المنزل أي إن المطعم يقوم بتحضير الطبق كاملاً وكل ما على الشخص فعله هو القيام بطهي المكونات في المنزل. خدمات التوصيل باتت تتم بشكل أكبر بكميات أكبر وذلك لأن الزبائن باتوا يطلبون أطباقاً لأسبوع أو حتى لشهر. التغييرات المحورية هذه نوعت نماذج العمل الخاصة بالمطاعم وهي بشكل أو بآخر يمكنها أن تؤسس لنموذج قابل للاستمرار على المدى البعيد مع أو من دون وباء.
نموذج آخر نجده في المزارع التي تزود المتاجر بالخضراوات واللحوم وغيرها من المنتجات. مع نفاد المنتجات من المتاجر، المزارع عانت من حلقة مفقودة في عملية التوصيل، كما أنها عانت من تراجع كبير جداً في عمليات البيع للمتاجر والمطاعم.
التغيير المحوري كان ضروريا هنا. وعليه توجهت مباشرة إلى الزبائن. وهذا التحول تطلب الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات والتسويق وأمور لوجستية أخرى كانت المزارع لا علاقة لها بها. ولكن التفكير هنا لم يكن محصوراً بالمدى القصير، فالتأسيس لهكذا نوعية من التجارة سيكون مربحاً على المدى البعيد. المزارعون الصغار وأصحاب المزارع الكبرى لجؤوا إلى مواقع التسويق الإلكترونية. شوبيفي استفادت من عدم اكتراث أمازون لهذه الجزئية من عمليات البيع فقامت هي بدورها بتغيير محوري لتلبي حاجات المزارعين وأصحاب المزارع الذين كانوا قد قاموا بتغييرهم المحوري الخاص بهم، فقدمت خدمات تساعد الباعة على تنظيم النفقات، ودفع الفواتير، وتنظيم عملية خدمات التوصيل.
ما الأسس التي تضمن نجاح التغيير المحوري؟
بطبيعة الحال لا يُمكن القول بأن جميع عمليات التغيير المحوري تؤدي إلى نجاح نماذج الأعمال سواء كانت تقليدية أو غير تقليدية. هناك بعض الشروط التي يجب توفرها من أجل نجاح التغييرات وهي تطال الأهداف والمنتجات في بعض الأحيان.
الشرط الأول الذي يجب توفره هو وجوب توافق التغيير المحوري مع واحد أو أكثر من الأنماط الطويلة الأمد التي خلقها الوباء أو جعلها تبرز من ضمنها العمل عن بعد، شبكات توصيل أقصر، التباعد الاجتماعي بالإضافة إلى استخدامات أفضل للتكنولوجيا. مثلاً في حال استمر التباعد الاجتماعي ككقاعدة يجب اعتمادها على المدى البعيد فإن الشركات يجب أن تتأقلم مع هذا الواقع وتحدث تغييرات محورية تضع القاعدة الأساسية هذه بالحسبان.
الشرط الثاني هو أن يكون التغيير المحوري امتداداً لقدرات الشركة الحالية وعلى أن يخدم ويقوي استراتيجيتها. مثلاً «إير بي أن بي» واجهت معضلة لم تخطر لها من قبل وهي توقف السفر بشكل كلي، فقامت الشركة بالتواصل مع المضيفين لمساعدتهم مالياً من وربطهم بزبائن محتملين كما أنها عدلت بعضها من المقاربات وبالتالي المضيف بات يقدم خدمات جديدة أونلاين منها جولات في المنازل، دروس في الطبخ والتأمل والموسيقى وغيرها مقابل بدل مادي بسيط.
التغيير المحوري هذا بدل مقاربة «أير بي أن بي» التقليدية للأعمال وساعد وسهّل التواصل بين الزبون والمضيف ومن ثم الشركة نفسها في مرحلة التطور لتصبح منصة أشمل وأكبر مما كانت عليه.
الشرط الثالث هو ضرورة توفير التغيير المحوري مسارا قابلا للاستمرار لتحقيق الأرباح، مسارا يحفظ ويعزز قيمة الماركة أو الخدمة عند الزبائن. فالأزمة الإقتصادية الحالية لا تعني نهاية شركات ولكنها قد تعني بداية فشل شركات لم تتمكن من القيام بتغييرات محورية تقربها من الواقع المعاش.
عائلة الحكير التجارية: نحن رواد الترفيه في الشرق الأوسط.. والسياحة بديل للبترول
المصدر: ١