قيادة الشركة خلال الأزمات: نصائح لتجنب فخ "إغراء الإدارة"
الأزمات يمكنها أن تحدث في أي وقت، وبأي شكل كان، فقد تأتي على شكل أزمة مالية، أو كارثة طبيعية أو اضطرابات عالمية تنعكس على عالم الاقتصاد والأعمال، ولعل أقرب الأمثلة واسعة النطاق هنا تمثلت على هيئة أزمة صحية مثل "جائحة كورونا"، ولكن السؤال المطروح وسط كل هذه الأحداث المتغيرة بشكل دائم هو: ما الذي يرتقي لمستوى الأزمة في عالم الأعمال؟
وللإجابة يجب أن نوضح أن الأزمات في عالم الأعمال هي حدث مفاجئ وغير متوقع، يهدد بتعطيل عمليات المؤسسة أو يهدد سمعتها أو مواردها المالية أو وجودها، وهنا يأتي الدور الحيوي للمدير.
ولعل تشبيه مدير الشركة بـ"قبطان السفينة" الذي يقودها إلى بر الأمان يبدو دقيقًا للغاية خلال الأزمات، فالمدير مهمته القيادة والإدارة بفاعلية، ولكن الأزمات المتتالية علمتنا أن الغالبية الساحقة من المديرين، غالباً ما تغرق في "الادارة" متجاهلة "القيادة"، ومن ثم فإن تركيزهم كاملاً ينصب على الاستجابة لكل متغير يفرض نفسه، والسير مع التيار وفق مبدأ تحمل الضربات المتتالية بأقل الخسائر الممكنة، بينما تعمل القيادة على إبعاد المؤسسة قدر المستطاع عن عين العاصفة.
الفارق بين الإدارة والقيادة خلال الأزمات
يُعد التعامل مع الاحتياجات الضرورية والعاجلة للفترة الراهنة خلال الأزمة "إدارة"، والمدير هنا يقوم باتخاذ قرارات فورية عاجلة، ويخصص الموارد، ويتعامل مع كل جديد، في إيقاع سريع يفرض القرارات الحاسمة.
المدير يقوم أيضاً بإدارة الأزمات، وهو التعامل مع الحدث نفسه، وتحديد المشكلة، وتطوير الاستجابة، وتنفيذ الخطة، وهي عملية تفاعلية تتبدل وفق المتغيرات.
وفي المقابل تتمحور "القيادة" حول قيادة الآخرين باتجاه يضمن تحقيق أفضل نتيجة، من خلال توقع ما سيحدث لاحقاً والاستعداد لمواجهته، وهذا يعني النظر أبعد من الحاضر، وتوقع العقبات القادمة.
فالقيادة خلال الأزمات هي عملية استباقية، تتمحور حول كيفية استعداد فريقك أو مؤسستك للأزمة، وهي استكشاف للسيناريوهات المحتملة، وتطوير لخطط الاتصال والاستجابة، ما يعني أن الادارة جزء من القيادة، مع حاجة إضافية إلى التفكير الاستراتيجي وحسم القرارات بسرعة، للحد من التأثير السلبي للأزمة.
إن طريقة استجابتك كقائد، تحدد كيفية استجابة الشركة كلها، فإن كنت هادئاً ومتماسكاً، فنسبة استجابة كل العاملين لديك بالطريقة نفسها مرتفعة جداً، ولكن في حال شعرت بالذعر، وقمت باتخاذ قرارات عشوائية مبنية على المشاعر، فأقل ما يمكنك توقعه هو ردات فعل مماثلة من العاملين في شركتك.
ما الذي يحول دون قيامك بالقيادة؟
الدراسات والتجارب التي أجريت، والمقالات التي نشرت حول طريقة تعامل المؤسسات في القطاع الخاص مع المواقف عالية المخاطر، حيث الضغوطات مرتفعة جداً، بينت أنه هناك إفراط في الادارة مقابل الحد الأدنى من القيادة، فما الذي يمنع هؤلاء القادة، الذين يملكون سجلاً حافلاً بالنجاحات في قيادة المؤسسات التي يديرونها، من القيادة بفاعلية خلال الأزمات؟
ربما لبعض الأسباب التالية:
- العقل البشري والمنظور الضيق:
العقل البشري مبرمج على تضييق مجال تركيزه بمواجهة المخاطر، ردة الفعل هذه مزروعة فينا، وهي جزء من آلية البقاء المصممة لحماية الذات، فهي خارج سيطرتنا، بما يجعل رؤيتنا مقيدة فقط بالمشهد الحالي، أي الحاضر.
وعلى القائد التنبه لهذا الفخ، والتراجع خطوة إلى الخلف، وإرغام نفسه على رؤية الصورة كاملة، بحيث يكون الأمر أشبه بالانتقال إلى منطقة مرتفعة لرؤية المشهد كاملاً، عوضًا عن النظر إلى ما هو أمامك مباشرة.
أسلوب القيادة هذا يعرف بـ"القيادة الشاملة Meta Leadership"، وهو إطار عمل استراتيجي يستخدم للتوجيه خلال الأزمات والمواقف المعقدة، إذ يركز على النظرة الشاملة التي يتبناها القائد.
فالقيادة هنا تتم على 3 جبهات:
- قيادة الذات، من خلال فهم نقاط القوة والضعف الخاصة.
- قيادة الآخرين، لضمان استمرارية العمل بشكل فعال بعيداً عن ردات الفعل العاطفية.
- قيادة النظام، من خلال تحديد العلاقات والروابط بين الأنظمة المختلفة التي تؤثر على الأزمة، ومعرفة كيفية إدارتها.
على سبيل المثال خلال أزمة تسرب النفط الذي تسببت به "ديب واتر هورايزن Deep Water Horizon"، قام الأدميرال الأمريكي "بيتر نفنيجر" بوضع خريطة أشمل، تتجاوز مبدأ التعامل مع الأزمة الراهنة لتطال التداعيات القانونية، والسياسية، والاقتصادية، والبيئة، وانعكاسها على المجتمعات المحلية.
وهذه الرؤية الكاملة للمشهد جعلته يدرك أن الاستجابة للتسرب لم تكن من المهام الأكثر إلحاحاً، بل التعقيدات السياسية التي نجمت عن هذا التسرب كانت الأولوية، فالتعامل مع هذه الجزئية منح العاملين على الأرض الوقت والدعم الذي يحتاجون إليه للتعامل مع الأزمة.
اقرأ أيضًا: "حلقة الهلاك".. دروس عديدة من أبرز أزمات أوروبا الاقتصادية
- إغراء الإدارة:
إن كنت من الذين تدرجوا في السلم الوظيفي في مؤسسة واحدة، أو إن كنت من الذين يعملون في قطاع صناعي واحد، فإن إدارة الأزمات فخ ستقع فيه حتماً، فهناك متعة في إدارة الازمات، وهي غالباً ما تكون مدفوعة بـ"الأدرينالين" الذي ما ينفك أن تترفع مستوياته مع اتخاذ قرار تلو الآخر، والاستجابة لهذا المتغير أو ذاك، وشعورك بإضافة قيمة ملموسة ستدفعك للاستمرار بالنهج نفسه.
ولكن في الواقع، يبدو الأمر أشبه بتناولك قطعة من الحلوى التي تحتوي على كميات كبيرة من السكر، فسرعان ما يحدث ارتفاع مفاجئ في الطاقة، ثم انهيار سريع ومفاجئ.
والقيادة هنا هي النظر أبعد من الوضع الراهن، وبدلاً من التعامل مع كل يوم بيومه، يجب توقع ما سيحصل الأسبوع المقبل وحتى الشهر والعام المقبلين، ومهمتك كقائد هي تحضير الشركة لما ينتظرها، وهذا يتطلب منك الثقة بفريق عملك، وتفويضهم لاتخاذ القرارات، وتوفير الدعم اللازم وفق تعليماتك، وعدم الاستسلام لإغراء القيام بكل المهام بنفسك.
ولعل الشركات العاملة في قطاعي الطاقة والملاحة الجوية، يدركون بأن مجال عملهم يعني التعامل مع العديد من الكوارث، التي قد تقع في أي لحظة، ولهذا السبب يملكون خطة طوارئ للتعامل مع جميع السيناريوهات الممكنة، وعليه حين تقع الأزمة يثق القائد بالذين يعملون تحت إمرته، كما يثق بقيامهم بتطبيق الخطط، ويتفرغ للتركيز على القيادة.
- المركزية في الاستجابة:
قد تحاول في خضم الأزمات السيطرة على كل شيء، من أصغر الأمور إلى أكبرها، لاقتناعك بأن إشرافك على كل تفصيل سيقلل من حجم الأضرار، ولكن ما يحصل هنا هو قيامك بإضافة مرحلة جديدة تؤخر الأعمال، فلا شيء سيمر من دون موافقتك، كما أن المؤسسة تصبح أقل قدرة على التجاوب المرن مع التغيرات، ناهيك عن تزايد معدلات الإحباط عند الموظفين المقيدين بموافقتك على كل تفصيل.
وبدلاً من محاولة فرض السيطرة على كل شيء قم بإرساء النظام، والنظام يعني أن كل شخص يعرف ما هو متوقع منه، وهذا ما يقودنا إلى النقطة الأخيرة، وهي "العامل البشري".
اقرأ أيضًا| كيف يُحافظ رواد الأعمال على صحتهم في عالم الخُطى السريعة؟
- نسيان العامل البشري:
رغم أن الجزئية هذه من المفترض أنها بديهية، لأن الأزمات لناحية التعريف تؤثر على حياة البشر، فإن القادة غالباً ما ينسون هذا الأمر، ويعيشون في عالم من الأرقام المرتبطة بالأداء والأرباح والتكاليف. وبالتأكيد فإننا لا ننكر بأن التركيز على الأرقام هام، ولكن هذه الأرقام هي نتيجة جهود البشر، والمؤسسات هي نتيجة العمل الجماعي، الذي لا يمكن لفرد واحد تحقيقه بمفرده، ولهذا السبب خلال الأزمات يجب الحرص على توحيد الجهود والأهداف، وخلق فرق عمل مترابطة ومتناغمة.
هكذا تقود بفاعلية خلال الأزمات
بعد تجاوز حقل الألغام، عليك كمدير النظر إلى الادارة والقيادة كدائرتين تتداخلان بشكل كبير في اللحظة التي تقع فيها الأزمة، ولاحقًا ومع مرور الوقت تبدأ كل واحدة منهما بالانفصال، وللادارة الفعالة عليك كرئيس تنفيذي اتخاذ الإجراءات التالية:
- توضيح المهام: خطوتك الأولى هي الحرص على وضوح ردة فعل الشركة، وتناسبها مع ثقافتها، وتناسب الأهداف قصيرة المدى مع الظروف الحالية، فهذا الأمر سيساعدك على التخطيط للمستقبل.
- تشكيل فريق لادارة الأزمة: كما ذكرنا، مهمتك لا تدور حول الاستجابة، فهذا الأمر ستتركه لفريق متخصص، يتكون من أعضاء من مختلف الأقسام الحيوية في الشركة، مهمتهم تنسيق استجابة الشركة، وتقديم خطط وأفكار مختلفة تعزز المرونة.
- التفويض: لضمان الاستجابة السريعة، ومن ثم الخروج بأقل ضرر ممكن، فإن التفويض هو حلك السحري، خصوصاً للمهام التشغيلية، كي تتفرغ للقرارات الاستراتيجية.
- الشفافية: الثقة ستلعب دورها الكبير خلال هذه المرحلة، ومن ثم عليك أن تبقي جميع الأطراف المعنية من موظفين وعملاء ومستثمرين على اطلاع دائم بما يحدث في الوقت المناسب.
الاستعداد للأزمات المستقبلية والتحليل: خطط الطوارئ هامة، ولعلك تملك خططاً لسيناريوهات مستقبلية، وهذا أمر جيد، ولكن عليك القيام باجراء تدريبات واختبارات لضمان جهوزية الشركة، كما أن عليك القيام بتحليلات شاملة لتحديد مجالات التحسين، ومراجعة ما نجح وما لم ينجح، مع إجراء التعديلات اللازمة على بروتوكولات إدارة الأزمات.