قد تؤدي لنتائج عكسية على الأعمال.. كيف تتجنب "الإفراط في المرونة"؟
تلعب المرونة دورًا مهمًا في مكان العمل، حيث تُمكن الفِرق المختلفة من التكيف مع الظروف، وتحقيق النتائج المرجوة بأسرع الطرق، وربما أفضلها، ولكن، هل فكرت في الأمر بطريقة مختلفة من قبل؟ أليس من الممكن أن تكون المرونة في العمل فخًا يؤثر بالسلب على الإنتاجية؟!
قد تندهش من الإجابة، إذ يبدو أن هذا الأمر ممكنًا، ويحدث عند "الإفراط في المرونة" إن صح التعبير!
فالمرونة مثلها مثل كل شيء آخر تقريبًا؛ ومن ثم إذا زادت درجة المرونة عن حدٍ مُعين، ستأتي بنتائج عكسية. وفي السطور التالية سنتعرض سريعًا للمرونة وأهميتها في مكان العمل، بينما نعرج على العلامات الدالة على أن فريقك قد تجاوز حدود المرونة المطلوبة، فيما نعرض الحلول المطروحة للتعامل مع هذه المشكلة.
لماذا نحتاج إلى المرونة في مكان العمل؟
فوائد المرونة في العمل
للمرونة فوائد كثيرة في العمل وأماكن العمل، منها:
1. القدرة على التعامل مع المفاجآت والأمور الطارئة:
عندما تتمتع شركة ما بالمرونة، تُصبح كالشجرة؛ تنحني مع الرياح دون أن تُقتلع من مكانها، حيث لا تتأثر بيئات العمل المرنة بتغير السوق أو التكنولوجيا أو المنافسين، وإنما تنسجم مع هذه التغيرات بسهولة.
2. تعزيز الإنتاجية:
عندما نتحدث عن المرونة في سياق العمل والإنتاجية، فإننا بذلك نعني القدرة على التكيف مع التغيرات بسرعة، وإيجاد الفرص فيها للنمو والإنتاجية، وتُعد المرونة من مرادفات الإبداع والانفتاح على الأفكار الجديدة والرؤى المختلفة، وهذا يُعزز الإنتاجية أيضًا.
3. تحسين ثقافة الشركة:
عندما تمتلك الشركة خيارات مرنة، مثل العمل عن بُعد، تحدث بها تحولات إيجابية كثيرة، وعندما تحدث هذه التحولات، يكون الموظفون راضين عن الشركة، ومستويات إبداعاتهم عالية، وهذا يعود بالنفع على ثقافة الشركة في النهاية.
4. جذب الموظفين المبدعين:
يُفضل الموظفون المبدعون بيئات عمل مُعينة، هذه البيئات يجب أن تتمتع بدرجات عالية من المرونة، سواء في ساعات العمل، أو مكان العمل نفسه، أو في طبيعة المشاريع، وهكذا.
اقرأ أيضًا: ما هي استراتيجية كانبان وكيف تُحسن الإنتاجية وتقلل الهدر؟
5. زيادة مستويات الرضا وتقليل دوران الموظفين:
النتيجة الطبيعية لفوائد المرونة المذكورة، وغير المذكورة، أنها تزيد من مستويات الرضا لدى الموظفين، وتقلل من معدل دوران العمالة أو ما يُعرف بالـ "Turnover"، وهو مقياس لنسبة الموظفين الذين يغادرون الشركة خلال فترة زمنية محددة.
ولكن هل ينبغي أن تكون المرونة مطلقة بلا ضوابط، أم أن لها درجة أو مقدار معين لا يجب أن تتجاوزه؟
درجة المرونة الحميدة
على الرغم من كل مميزات المرونة، فإن الإفراط فيها قد يؤدي إلى نتائج عكسية تُضعف الأداء العام، وهو الطرح الذي ينقلنا للحديث عن الإفراط في المرونة وحلول هذه المشكلة.
مبدئيًّا، هناك علامات تدل على أنك كصاحب شركة أو مسؤول تُفرط في المرونة، على سبيل المثال:
1. تفاقم النزاعات بين الموظفين:
إذا كان الموظفون يختلفون إلى حد الشجار، وأنت تتدخل كثيرًا لحل هذه النزاعات، فمن الوارد أن تكون هناك درجة مبالغ فيها من المرونة، ومن ثم يُضيع الكثير من المسؤولين والموظفين أوقاتهم على حل هذه المشكلة، التي يمكن تجنبها بسهولة عن طريق شيء من الحزم.
وكما قلنا، يلزم الشركات أن تتحلى بدرجةٍ من المرونة، لكن ليس إلى الحد الذي يجعل الموظفين يتعدون على بعضهم بأي شكل، والحل يكمن في المساءلة؛ إذا حدثت مشكلة كهذه مرة، يجب عليك كمسؤول أن تتدخل بحزم، وتُحاسب الأفراد على تصرفاتهم حتى لا تحدث مرة أخرى، وبدون المساءلة قد تخرج الأمور عن السيطرة، ويتجاهل الموظفون واجباتهم والمواعيد النهائية، وهذا يأخذنا للعلامة الثانية.
2. الموظفون يحددون المواعيد النهائية حسب أهوائهم:
تنطبق هذه الجزئية على الأنظمة ذات الدوام الكامل، أو الأنظمة التي يتوقف فيها العمل وجودته على مهام شخصٍ بعينه ودرجة إنتاجيته، ويختلف هذا الأمر كليًا عن السماح للموظفين بالعمل وفقًا لوتيرتهم الخاصة، فالأشخاص يُمنحون حرية العمل وفقًا لقدراتهم، إذ يُبدع البعض تحت الضغط، بينما يُفضل آخرون إتمام الأعمال بتأنٍ حتى تخرج على أفضل صورة، لا سيما إن كانت هذه الأعمال تتطلب إبداعًا.
في أغلب الأحيان، يمكن أن تُبرر هذه المشكلة بأكثر من تفسير، على رأسها عدم وضوح الأولويات، ولكن بعيدًا عن التفسيرات المختلفة عن المرونة الزائدة الآن، يمكن أن تُحل مشكلة المواعيد النهائية بالإرشاد والتشجيع في البداية، وكمسؤول، يجب عليك أن تتابع موظفيك وإنتاجيتهم أولًا بأول، وتبحث عن العراقيل التي قد تُعطلهم وتحلها، ربما تكون المهام الموكلة إليهم غير عادلة، وربما تكون درجة المرونة زائدة عن الحد فتتطلب حزمًا.
3. التغييرات المستمرة:
لعلها العلامة الأبرز والأكثر حتمية، التي تدل على المبالغة في المرونة، فالمرونة الزائدة عن الحد تعني غياب الرؤية في الكثير من الأحيان، وهذا بدوره يؤدي إلى التغييرات المستمرة في كل شيء؛ في طبيعة العمل، وهيكلة الفريق، وحتى الأهداف، والشركة التي تعاني هذا التذبذب المستمر عادة لا تستمر طويلاً.
اقرأ أيضًا: كيف يمكن إنشاء بيئة عمل صحية؟ إليك هذه النصائح لزيادة الإنتاجية
ولحل هذه المشكلة يجب على المسؤولين وضع استراتيجية واضحة، وبناء ثقافة مؤسسية قوية، تُشجع على التواصل المفتوح، وتعزز الثقة وتقدر الإنجازات، علاوة على ذلك، لا بد من وجود نوعٍ من التخطيط المرن، وتقييم النتائج باستمرار، وأخيرًا وليس آخرًا التركيز على الاستقرار وتجنب التغييرات غير الضرورية.
4. انخفاض الروح المعنوية والدافع:
فكرة أن المرونة الزائدة يُمكن أن تؤدي إلى انخفاض الروح المعنوية والدافع لدى الفريق، قد تبدو غير منطقية أو متناقضة لوهلة، لكن إذا فكرت مليًا في الأمر سترى أنها منطقية للغاية، فعندما تتغير طبيعة العمل باستمرار نتيجة المرونة الزائدة، يصبح من الصعب على الموظفين فهم أدوارهم بدقة، أو التفكير في أحلامهم وطموحاتهم.
فالتغيرات المستمرة تُجبر الموظفين على محاولة التكيف باستمرار، كما تؤدي إلى فقدان الشغف بالإنجاز، لأن الهدف قد يتغير أصلًا قبل أن يحتفلوا به، أما بالنسبة للحل، فهو الذي تناولناه نفسه في جزئية التغيير المستمر.
5. الشعور بالفوضى والارتباك:
أخيرًا، يمكن أن يُشير الشعور بالفوضى والارتباك إلى درجةٍ مُفرطة من المرونة، وذلك لغياب الهيكلية المناسبة، أو لأسباب أخرى مثل عدم تتبع العمليات بالشكل الصحيح أو ضياع البوصلة، إلخ.
ولمعالجة هذه المشكلة، يجب على الموظفين ومسؤوليهم وضع هيكل واضح للعمل، واستراتيجية للتقييم المستمر، بحيث يبذل كل شخص قصارى جهده، ويوجه طاقاته في المكان الصحيح، فيخرج بأفضل إنتاجية.
في النهاية، من المهم أن يفهم جميع القادة والمديرين أن المرونة في العمل ضرورية، لكن الإفراط فيها قد يؤدي إلى نتائج عكسية، فافتقار بيئة العمل إلى الهيكلية الواضحة والاستراتيجيات المدروسة، يُصعّب على الجميع القيام بمهامه، وربما يُهدد وجود الشركة نفسها، لذا يجب الموازنة بين المرونة والالتزام لضمان النجاح.