محمد فهد الحارثي يكتب : اللوحة الكبيرة
الطيبون كثُر، والخير موجود، والحياة صفحة بيضاءُ فيها بقع سودٌ، وليس العكس. نعم اللون الأسود بيرز، ليس لانتشاره واستحواذه، بل لتفرّده ونشازه. نحن بطبيعتنا نركّز على الشاذ، وليس المعتاد. وربّما محاذيرنا وبيئتنا، تجعلاننا نصدر أحكاماً مسبقة، ونعتقد أن الذكاء يتطلب سوء الظن.
نعم؛ الحياة فيها أفراد سيّئون، وأشخاص انتهازيون، وآخرون مفطورون على الجحود والنكران، ولكنهم النسبة الأقل. وهم جزء من تجربة الحياة. فليس كل شيء جميلاً ورائعاً، وإلّا لما كانت حياةً. ولكن من الخطأ أن نجعل هؤلاء سبباً في بثّ الإحباط في حياتنا، ومدخلاً للتشاؤم؛ هؤلاء كائنات عابرة، سوف ينتهي بهم المطاف إلى حيث يستحقون، ويلفظهم المجتمع، ويعانون الصراع الأكبر مع أنفسهم. هؤلاء أشخاص سيكونون في حياتك، والخيار لك في أن تجعلهم رحلة مصير أو محطة عابرة.
نقّل نظرك في زوايا مختلفة، فسوف تجد الطيبة والعطاء والنيّات الحسنة، ولكننا نركز بنظرنا على السلبيات، وننسى الخير الموجود في كل مكان. حاول أن تسبق أحكامُك الإيجابيةُ غيرَها، وأعط فرصاً، وتغافل عمّا لا يستحق، فالحياة أكبر من التفاصيل الصغيرة والحسابات الضيّقة، وأهمّ.
وهناك أشخاص طيبون، ولديهم قيم نبيلة ونيّات طيبة، لكنهم يتصرفون بغير طبيعتهم، فتبدو عليهم العدائية والسلبية، وهم عكس ذلك، وقد يعود ذلك لاعتقادهم بأن هذه الحياة معركة وحرب، يستندان إلى قانون الغاب؛ لا تحكم عليهم، ربما ما يحتاجون إليه، بعض من المشاعر الإيجابية وإشعارهم بالثقة والأمان، ليعودوا إلى طبيعتهم النقية، ويتخلصوا من شوائب التصنّع، وتقمّص شخصيات ليست هم البتة.
حاول أن تجعل من كل تجربة سلبية، مبرراً للنظر بشكل مختلف ومحفّز، لمراجعة نفسك واكتشاف ذاتك. فليس من الضروري أن ننظر إلى أنفسنا على أننا ملائكة، ونؤدّي دور الضحية، فربّما هناك أشياء تغيب عنا، وتجعلنا نعيش في الوهم، ونظلم أنفسنا قبل أن نظلم الآخرين. لحظة المراجعات تمنحنا فرصة أن نقوّم الأمور بشكل أفضل، وربما تحفّزنا أن نعطي هامشاً أكبر للآخرين، لأننا أدركنا كم هم متسامحون معنا.
الحياة تكون أجمل، إذا حاولنا أن نتعامل مع الواقع كما هو، وليس بالأحكام المسبقة والتجارب الماضية. فكلّ صباح يوم هو بداية لمرحلة جديدة، نستمتع فيها بأحداثها، ونعيش متعة البدايات والاكتشاف والفضاءات العفوية. حينما نقدم الخير وحسن الظن، فإننا نساعد أنفسنا ونعطي مجالاً لبناء علاقات صادقة وحقيقية. فالناس باختلاف مواقعهم وشخصياتهم، يحتاجون إلى نسيج يكونون جزءاً منه، ينظر إليه بمحبة واحترام، لكي يبادلهم العطاء والاهتمام.
لا تجعل البثور الصغيرة تشوّه اللوحة الكبيرة، فالنفوس الطيبة والمعادن الأصيلة تسمو عن الصغائر، وتتسامح وتتغافل. لذلك يكسب هؤلاء محبة الناس، وقبلها يضمنون راحة البال ومفاتيح السعادة.
السطر الأخير:
كلّما نضجنا في التجربة، وتغافلنا وتسامحنا أكثر ..
اكتشفنا مساحات جديدة، وعشنا الحياة بشكل أجمل