محمد فهد الحارثي يكتب: منبع الفرح
هناك أشخاص مجبولون على صناعة الفرح، ورسم الابتسامة على وجوه الآخرين؛ شاغلهم الأول هو العطاء، وسعادتهم من سعادة الآخرين. أشخاص نظرتهم إيجابية، وقلوبهم واسعة ومعادنهم أصيلة.
هم كذلك دون تصنّع ولا تزلّف. تجدهم كما هم مع الشخصيات المهمة، ومع البسطاء لا يتلوّنون، ناصعو البياض من الداخل، نبلاء في التعامل، يحسنون الظنّ بالآخرين، ويبادرون بالخير دائماً؛ ما أجملهم وما أرقاهم! هؤلاء يجعلون للحياة معنىً وللإنسانية قيمةً.
يعتقد بعضهم أنّ التذاكي هو الطريق الأسرع إلى الوصول، وأن الانتهازية جزء من النجاح. ويبررون لأنفسهم أيّ شيء، من منطلق أن الغاية تبرّر الوسيلة. وبعضهم بالفعل يصل إلى مبتغاه، ويبدو في الشكل الخارجي ناجحاً ومتميزاً، لكنه في حقيقة الأمر يعيش خسارة حقيقية في داخله، ويشعر بالهزيمة والنقص أمام الصادقين الأنقياء.
في عالم التنافس والشره في رغبة الامتلاك والاكتناز، والحصول على الأكثر، تتراجع القيم، وتكثر الأقنعة، وتصبح المعركة غير نزيهة؛ تصبح المساحات ملغّمة، والكلمات مزدوجة المعنى، والمشاعر متقلّبة، تقودها المصالح والمنفعة، وليس الأحاسيس والأخلاق.
لا تنزعج من هذه الضوضاء المقيتة، لا تهتزّ قناعاتك، ابقَ كما أنت. ستعبر مياه كثيرة من تحت الجسر، ولن يصحّ إلا الصحيح. استوعب ما يجري، واترك مساحة للتغاضي والتسامح، وتمسّك بما هو أنت، فالخسارة الحقيقية هي خسارة النفس.
الكبار من داخلهم يضفون على الحياة لمسة جمالية لا ندركها في حضورهم، ولكنهم يتركون مساحات قاسية في غيابهم. هم مثل اللمسة الحانية، يجعلون الأشياء أرقّ وأجمل وأنقى، دون ضجيج، ولكننا ندرك أهميتهم ودورهم في غيابهم.
انثر الفرح قدر ما تستطيع، تسامح واستوعب وتغافل، فالسعادة عملية حسابية بسيطة، ما تقدمه سيأخذ دورته الطبيعية ويعود إليك، فلنحتضن الفرح، وإلا فما الحياة إذن؟
السطر الأخير:
هؤلاء مختلفون، يحضرون ولا نشعر بهم، يعطون ولا ينتظرون،
وحينما يغادرون تكون المساحات فارغة، والضجيج وحده باقٍ..