راكان طرابزوني يكتب لـ«الرجل» : الموت بالاستراتيجيات
قد تنجح بعض المشاريع لفترة بسيطة، إن بدأت عملية التشغيل والبيع دون استراتيجية واضحة، ولكن سرعان ما سينفد وقود الدفع قدمًا، ما لم تُوضع استراتيجية قوية وقابلة للتطبيق على المدى القصير والطويل. فوجود استراتيجية أمر لا بُد منه لاستدامة أي جهة، حكومية كانت أم خاصة، ربحية أم غير ربحية. فالاستراتيجية هي التي تمد الكيان بخريطة طريق للمستقبل وتفسر كل القرارات التنفيذية التي يجري تطبيقها، للوصول للرؤية المعتمدة.
ولكن حذارِ الوقوع في فخ الاستراتيجية لأجل الاستراتيجية والتعلق في مرحلة البحث والتنظير، ما قد يسبب شلل منظومة العمل ككل، وبطبيعة الحال فشل المشروع، قبل أن يبدأ. وقد تبدو هذه فكرة بديهية وسهلة، ولكنها من السهل الممتنع، فقد تجد شركة ما نفسها فريسة بناء الاستراتيجية والبحث عن الكمال فيها؛ إذ تعلق كل عملياتها ونشاطاتها لأجل التركيز على إيجاد الاستراتيجية المثالية ومضمونة النتيجة (في اعتقاد الفريق) قبل البدء! وذلك بطبيعة الحال من المستحيلات؛ إذ إن من أهم مميزات الاستراتيجية الجيدة هو قدرتها على التكيف مع المتغيرات التي ستحدث حتمًا.
من الأخطاء الشائعة والتعميمات على دور الاستشارات العالمية أنها تبيع استراتيجيات مقولبة بمقاس واحد لجميع عملائها، وقد تكون حالات هنا وهناك تؤكد ذلك، ولكن التعميم كما نعلم جميعًا خطأ فادح، مهما كانت الأدلة. وفي الواقع هم أكثر من ينادي بجعل الاستراتيجيات عملية ومرنة وقابلة للتجديد والتأقلم مع المتغيرات. وجلهم يجمعون على المواصفات التالية في الاستراتيجية الناجحة، التي تجنب موت الشركة بسبب الإفراط في الاستراتيجيات:
التركيز على التنفيذ: الاستراتيجية جيدة بقدر تنفيذها. تأكد من أن خططك قابلة للتنفيذ وأن هناك مسارًا واضحًا، وتجنب إنشاء استراتيجيات معقدة يصعب تنفيذها.
الأولويات والتبسيط: حدد الأولويات للمبادرات الأكثر أهمية وبسط أهدافك الاستراتيجية لضمان الوضوح والتوافق عبر المنظمة، وتجنب التشتت.
البقاء مرنًا: البيئة التجارية تتغير باستمرار. كن مستعدًا لتكييف استراتيجيتك حسب الحاجة. يعني هذا مراجعة وتعديل خططك الاستراتيجية بانتظام.
التوافق مع القيم الأساسية والرسالة: تأكد من أن استراتيجياتك متوافقة مع القيم الأساسية لمنظمتك ورسالتها. يساعد هذا على الحفاظ على اتجاه واضح وهدف.
إشراك وتمكين الموظفين: أشرك الموظفين في عملية التخطيط الاستراتيجي ومكنهم من تحمل مسؤولية أدوارهم في تنفيذ الاستراتيجية.
اقرأ أيضًا: راكان طرابزوني يكتب لـ«الرجل» : كن صاحب قرار
من أشهر الكتب التي صدرت في هذا المجال منذ بضع سنوات كتاب "استراتيجيتك تحتاج إلى استراتيجية" من تأليف مارتن ريفز، وكنوت هانيس، وجانميجايا سينها. فكرة الكتاب الرئيسة هي أنه لا توجد طريقة واحدة تناسب جميع الحالات لوضع الاستراتيجيات في الأعمال. بدلًا من ذلك، يؤكد الكتاب على أهمية مطابقة نهجك الاستراتيجي مع طبيعة عملك ومجالك.
قدم الكتاب "لوحة الاستراتيجيات" التي تشمل خمسة نُهج متميزة للاستراتيجية:
الكلاسيكية: تحقيق ميزة تنافسية مستدامة في البيئات المستقرة.
التكيف: تحقيق مزايا مؤقتة في البيئات غير المتوقعة.
الرؤية: إنشاء أسواق جديدة أو إعادة تشكيل الأسواق القائمة.
إعادة التشكيل: التأثير على تطوير السوق بالتعاون مع اللاعبين الآخرين.
التجديد: إحياء الشركة في البيئات الصعبة.
من خلال فهم النهج الصحيح وتطبيقه أو مزيج من النهج، يمكن للكيان التنقل بفاعلية في البيئات المعقدة والديناميكية، حسب الحاجة. إن كانت دخول أسواق جديدة، أو إعادة بناء علامة قوية قديمة، أو الاستمرارية في السوق نفسها والتعامل مع منافسين جدد.
"جوهر الاستراتيجية هو اختيار ما لا يجب فعله". (مايكل بورتر)