د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل»: كم يُكلفنا عدم الإنصات؟
عندما تشعر أن مقدم الخدمة لا يُصغي جيدًا إلى طلبك تُصاب لاحقًا بالاستياء. والمفارقة أن كثيرًا من "الأخطاء السمعية" تكلف الشركات مبالغ طائلة قلّما نحسب تكلفتها. على سبيل المثال، إذا كان سعر كوب القهوة من ستاربكس 3 دولارات، وأخطأ الموظفون عند الإنصات إلى طلب العميل في 10 أكواب يوميًّا بسبب عدم الإنصات الجيد، ومع افتراض وجود 32 ألف فرع، فإن قيمة الخطأ المهدرة سنويًّا ستكون نحو 350 مليون دولار.
هذا الرقم يبرز مجددًا أهمية الاستثمار في تدريب الموظفين على مهارات الإنصات لتجنب الخسائر الكبيرة وتحسين تجربة العملاء. والأهم من ذلك "مأسسة" الإنصات ليكون جزءًا لا يتجزأ من تجربة العميل.
ولذلك تتبع ستاربكس سياسة مكتوبة في الإنصات للطلب، تتمثل بإلقاء التحية الترحيبية "أهلًا بك في ستاربكس"، ثم الإصغاء للطلب، وإعادة الطلب شفهيًّا، وأحيانًا استخدام الإشارة إلى حجم الكوب المعني، ثم تلاوة الطلب ليسمعه صانع القهوة، وبالرغم من ذلك كله يتم كتابة الطلب على الملصق تجنبًا لسوء الفهم. كل ما سبق هو آلية مدروسة لتفادي خسائر ما قد يحدث في الإنصات للعميل مما يمكن أن يعكر من صفو تجربته فضلًا عن التسبب بخسائر مادية للشركات كان يمكن تفاديها بوضع نظام مكتوب يُطبق في شتى قارات العالم.
وتعتمد كذلك سلسلة مطاعم ماكدونالدز نظام "إجراءات دقة الطلبات" أو ما يعرف بـOrder Accuracy Process حيث يُقرأ الطلب بصوت مرتفع أمام العميل، ويُكرر الطلب عبر الشاشة أمام الكاشير والعميل نفسه، ثم يراجع الطلب مرة أخرى قبل تسليمه. هذه الخطوات تسهم في تقليل الأخطاء المسموعة. ولا شك أن التكلفة المادية للأخطاء في ماكدونالدز أضعاف ستاربكس بمراحل بحكم قيمة الوجبة.
اقرأ أيضًا: د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل»: الإنصات.. قمة الأدب
وفي أثناء جائحة كورونا تزايد الطلب على خدمة السيارات، فدرست منظمة ENODO غلوبال دقة إجراءات الطلبات في ماكدونالدز، عبر تحليل ما كُتِبَ في شتى وسائل التواصل بعد غربلتها لتصل إلى نتيجة مفادها أن 67 في المائة من المشاعر السلبية كانت ذات صلة بخدمة سيارات الشركة إبان الجائحة. حتى أن أحدهم قال حرفيًّا: أيها الموظف في خدمة الطلبات السريعة، أرجو المعذرة إن كنت قد جرحت مشاعرك، لكن بناءً على تجربتي، فإنكم تخطئون في الطلبات بنسبة 93.7 في المائة من الوقت. لذا، سأضطر إلى التحقق من محتويات الكيس قبل مغادرتي"! والأرقام تشير إلى أن نصف المشاعر السلبية (54٪) قد جاء من سوء التواصل، وهو ما يبدو أن الشركة قد تغلبت عليه لاحقًا.
في عالم الطيران، تلجأ شركة بوينغ إلى أسلوب يقلل الأخطاء المكلفة جدًا في هذا القطاع، عبر أسلوب Check and Recheck أي دقق ثم أعد التدقيق مرة أخرى وذلك لمراجعة طلبات العملاء عبر مراحل عدة لضمان الدقة. فضلًا عن الإنصات للموظفين الذين بوسعهم الإبلاغ عن أي ملاحظات لضمان جودة التصنيع.
إن "مأسسة" الإنصات تكون من خلال دمجه في إجراءات العمل اليومية، واستبانات تقييم الأداء السنوي، وإجراءات تلقي الشكاوى، بالإضافة إلى إدراجه كجزء رئيس في استبانات آراء العملاء حول أداء الموظفين، وخدمة العملاء عبر الهاتف، والاجتماعات الدورية لتقييم جودة الخدمة، مع إطلاق برامج تدريبية مستمرة لتعزيز فضيلة الإنصات المنسية. هكذا ننجح في التحول من الاجتهادات الفردية في ممارسة الإنصات إلى العمل المؤسسي المغروس في ثقافة المنظمة وممارساتها.