راكان طرابزوني يكتب لـ«الرجل» : ما في قلبه على لسانه
المقولة المشهورة "اللي في قلبه على لسانه" عادةً ما تُستخدم عند الحديث عن أناس نصفهم بصفاء القلوب وحسن النيات، وأنهم شفافون بسيطون، ويعبرون عن آرائهم بكل عفوية ومن غير سوء نية تجاه من حولهم.
وكلنا نعرف أناسًا بهذه الصفة، وأحيانًا يقولون كلامًا غير لائق اجتماعيًّا، ولكننا دائمًا نجد لهم العذر، ونقول: "لا تؤاخذه بما يقول ولا تأخذ على كلامه، فهو طيب القلب جدًّا، وما في قلبه يكون على لسانه دومًا". وقد يكون هذا صحيحًا في المجمل، وأن هذا الشخص يقول ما يفكر فيه بكل عفوية ولم يقصد الإساءة، ولكن في حقيقة الأمر هو شخص لا يملك ملكة الحديث ولا التلطف فيه، فالصراحة لا تستلزم الوقاحة.
صفة الصراحة والوضوح جميلة جدًّا ومطلوبة جدًّا، خصوصًا هذه الأيام، ولكن ذاك لا يعني بالضرورة أن يكون الإنسان جافًّا غليظًا في صراحته، فالصراحة أجمل وأنفع عندما تكون في إطار مهذب لطيف، هدفها النصيحة والفائدة وليس التقليل من الآخرين أو جرح مشاعرهم. وفي الآية الكريمة من سورة آل عمران: "ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك"، وهي دلالة واضحة على أهمية حسن الخلق والتلطف مع الآخرين في كل الأمور.
في حقيقة الأمر، فالشخص الذي نصفه بأن ما في قلبه على لسانه هو شخص يتحدث دون أن يفكر، وهي صفة موجودة في كثير من الناس. فإن كانت في طيب القلب سامحناه لطيبة قلبه، وإن كانت في الفظ الغليظ غضبنا من سوء خلقه، ولكن في رأيي الشخصي كلاهما أحمق لا يفكر في مراعاة أو حتى قراءة من حوله قبل أن يتحدث، وعليه فكلاهما يجب أن يتعلم التفكير قبل الحديث، وأن يزن كلامه في عقله قبل أن يخرج من فمه، فالكلمة كالرصاصة، إن خرجت فإنها لا تعود، وأثرها باقٍ، بغض النظر عن النيّات.
هذه القدرة على التعامل مع الآخرين بمختلف أنواعهم هي ما نسميه اليوم بالذكاء العاطفي، وهو ما يعكس وعيًا ذاتيًّا عاليًا وقدرة على فهم الطرف الآخر وشخصيته، ومن ثم كيفية التعامل والتعاطف معه وإيصال الرسالة المطلوبة من دون تجريح أو تجاوزات لمشاعر الآخرين، ما يجعله يكسب من حوله ويكسب الحوار أو النقاش بطريقة إيجابية ذات منفعة لكل الأطراف.
اقرأ أيضًا: راكان طرابزوني يكتب لـ«الرجل» : الموت بالاستراتيجيات
ومن أهم ركائز كسب النقاش والحوار هي تعلم كيف تجعل خصمك يقتنع برأيك ويفعل ما تريد. وبطبيعة الحال ذلك يستدعي أن تكون لينًا لطيفًا وحازمًا في الوقت نفسه، وبذكاء كي تكسب النقاش. مثلًا، تخيل نفسك في اجتماع مهم وعليك مناقشة شخص معروف بحماقته، فاستراتيجيات الحوار تحتم عليك أن تسأل نفسك قبل الخوض في الجدال، هل الهدف إقناعه برأيك وجعله ينفذ ما تريد، أم الهدف أن تخبره أنه أحمق ومخطئ؟ إن اخترت الخيار الأول فهذا يعكس نضجك ووعيك وأنك تنظر إلى الأمور بحكمة لهدف طويل أمد، وإن اخترت الخيار الثاني، فللأسف ذاك يعكس قصر بصيرتك ورغبتك في التقليل من الشخص الذي أمامك فقط دون الحصول على النتيجة المرجوة.
وأخيرًا، طيبة القلب وحسن الخلق والإحسان في التعامل مع الناس أهم من التباهي بالصراحة الزائفة التي ليس لها هدف سوى التقليل من الآخرين. يجب أن نعرف ونعي ما نقول، في الوقت المناسب والمكان المناسب ومع الشخص المناسب.
"الحكمة هي قول ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي". ابن قيم الجوزية