د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل»: معضلة البدء بالحوارات
يرى البعض أن "البدء بالحوار" هو أشد مراحله صعوبة، كمن يدفع جاهدًا كرة ثلج عملاقة، غير أنه ما إن تتدحرج ببطء حتى يزول هم البداية. كل حوار ينقسم إلى ثلاثة أقسام: البداية، وصلب الموضوع، والخاتمة. فمهما كان المرء محاورًا جيدًا فإنّه لا بُد أن يواجه تحديًا ما في إحدى مراحل حديثه.
معظم الناس يشعرون بالراحة في منتصف الحوارات لأن أحدًا قد فتح باب الحوار، سواء بطرح سؤال، أو هجوم، أو نقد، أو مديح وغيرها. تصبح هنا مهمة الرد أو المشاركة واضحة وسهلة للغاية. لا أتكلم عن مدى قبول الرأي أو التفاعل من عدمه، وإنما أقصد فكرة المشاركة بحد ذاتها.
وأكاد أجزم أن "صعوبة ختم الحوار" هي السبب الثاني الأصعب بعد هم البدايات. فهي مهمة محفوفة بمخاطر سوء فهم مقاصدنا. فهناك من لا يجرؤ أو لا يعرف كيف يخبر محدثه بأن موعد لقائه الثاني قد حان وأن عليه المغادرة. هناك من لا يستطيع أن ينهي المكالمة لأنه يفتقر إلى فنونها، مثل تلخيص ما سمع كأن يقول: إذن تقصد كذا وكذا أو ترديد أسئلة مغلقة متتالية مثل: إذن موعدنا غدًا؟ الساعة كذا؟ في المكان الفلاني؟ حسنًا نراك على خير ثم يهم بالمغادرة بخطوة نحو أقرب مخرج أو يتأهب للوقوف لينتبه المتحدث إلى وصول الحوار إلى نهايته.
أما المهمة الأصعب التي تتطلب مهارة عالية فهي المقدرة على فتح حوار في موضوع نختاره. معضلة من يترددون في هذه اللحظة قد تعود إلى عدم معرفة ماذا يريد المستمع أو ماذا يهمه، وهي تكاد تكون من أكبر أخطائنا لأننا نفترض أن ما يهمني كمتكلم يهم المستمع بالضرورة وهو أمر غير صحيح.
وتعود أسباب التخوف من البدء في الحوار، إلى أمور نفسية واجتماعية، مثل الخوف من الرفض أو أن يساء فهمنا. حيث تنشأ صعوبة الشروع في حوار جديد من القلق الاجتماعي social anxiety، أو تدني الثقة بالنفس، أو محدودية الممارسة. وأرى أن القلق من المشاركة في النقاش يتبدد بمزيد من المران، والثقة بالنفس تأتي مع مرور الوقت وفي وقت أقصر مع الممارسة المكثفة. والأهم حُسن اختيار توقيت الدخول في الحوار. فليس كل ما يحمسني يلقى مشاعر متطابقة لدى المستمع، وليست كل دافعية وفضول يشاطرنا بهما الآخرون.
من أسباب التردد في فتح باب الحوار ما يعود إلى مبالغة المرء في التفكير بماذا سيقول overthinking وكيف سيقوله ويضع سيناريوهات ليست موجودة سوى في خياله. الناس بطبيعتها بسيطة وترحب بأي مداخلة عفوية ما دامت في التوقيت الصحيح. فلا يعقل أن أسأل سؤالًا مفتوحًا في مصعد كهربائي لآخر بالقول: ما تحليلك للموضوع الفلاني، أو ما رأيك في المباراة الفلانية في المصعد. ذلك أنه في الأوقات القصيرة نسأل أسئلة استفهامية مغلقة مثل: أين، ومتى، ومن، وهل، وكم، لأن الإجابة مباشرة. بعكس الأسئلة المفتوحة: لماذا؟ كيف؟ ما رأيك؟
اقرأ أيضًا: د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل»: عندما يفقد المنصت الاهتمام بحديثنا
وبشكل عام يمكن القول إن الحوار عادة ما يبدأ بمقدماته كتبسم عفوي، أو نظرات اهتمام صادقة (وغيرها من إيماءات)، أو من خلال طرح سؤال، أو تعليق، أو تأييد ما قيل، أو الاستشهاد بمثال قاله المتحدث لنكسب وده واهتمامه ثم نشرع فورًا بالكلام. مثل أنا شخصيًا أؤيد فلان وأضيف كذا وكذا، أو نقطتك مهمة جدًا، وأضافت كذا وكذا. كما أن أسهل مقدمات الحوار في إلقاء التحية، مثل: "مرحبًا، كيف حالك؟".
مهما كانت قوة مهارات التواصل، فإن الحوار يكسب تأثيرًا مضاعفًا، إذا ما أحسن المرء البداية، وتألق في تناول صلب الموضوع، ثم نجح في خاتمة مريحة تركت انطباعًا يدوم في أذهان الحاضرين.