"متلازمة الاغتراب الوالدي".. عندما يدفع الطفل ضريبة انفصال الأبوين
كم تزيّنت البيوت بأزواج ملؤوها بهجة، ثُمّ تضاعفت السعادة بقدوم مولودٍ جديد، وقد نما وكبر وترعرع بين أحضان والديه، لكن دوام الحال من المحال، والبيت الذي امتلأ بهجة ذات يوم، قد انقلب دار كدر وهمّ، ولم يبق إلّا انفصال الزوجين عن بعضهما في وجود طفل تمزّق قلبه إلى نصفين، وفي هذا الجو الضار جدًا بالطفل، قد يميل أحد الأبوين إلى الاستحواذ على عقل الطفل وإنبات بذور العداوة فيه تجاه الوالد الآخر، فيما يُعرَف بمتلازمة الاغتراب الوالدي، فما تلك المتلازمة وكيف يمكن تجنُّبها؟
ما هي متلازمة الاغتراب الوالدي؟
متلازمة الاغتراب الوالدي يصاحبها مجموعة من الأعراض والسلوكيات التي يُظهِرها الأطفال الذين تعرّضوا لانفصال الأبوين أو الطلاق، خاصةً عندما يُشارِك أحد الوالدين في عزل الطفل عن الوالد الآخر بشتّى الطرق.
ويُؤدِّي ذلك إلى أن يُؤيِّد الطفل أحد الأبوين بشدة، بينما يُكنّ العداء للآخر، وهذه المتلازمة تُعدّ شكلاً من أشكال غسيل الدماغ؛ إذ يُقنِع أحد الوالدين الطفل بمدى ضرر الوالد الآخر عليه، بل قد يختلق دليلاً جديدًا على هذا الأمر.
من اكتشف تلك المتلازمة؟
في عام 1985، أدرك "ريتشارد جاردنر"، الطبيب النفسي الذي قيّم نزاعات حضانة الأطفال، نمطًا جديدًا في قضاياه، إذ ظهرت أدلة على أنّ الآباء كانوا يُحاوِلون إبعاد الأطفال عن شركائهم السابقين، كما كان هناك بعض الأعراض المشتركة التي تظهر على الأطفال في هذه الحالات، إذ إنّ سلوكهم يكون مدفوعًا بتلاعب أحد الأبوين.
وقد تُؤدِّي رغبة أحد الأبوين في الحفاظ على حضانة الطفل إلى غسل دماغ الطفل بتوجيه العداء ضد والده الآخر.
أنواع متلازمة الاغتراب الوالدي
تنقسم متلازمة الاغتراب الوالدي وفقًا لشِدّتها، ويختلف العلاج تبعًا لذلك:
خفيفة
يتميّز الاغتراب الأبوي الخفيف بوجود طفلٍ يُقاوِم زيارة الوالد الغريب، لكنّه يستمتع بقضاء الوقت مع والديه بمجرد أن يكونا بمفردهما معًا.
متوسطة
هنا يُقاوِم الطفل بشِدّة أي اتصالٍ مع الوالد المُغترب، ويُحافِظ على الاستياء والمعارضة خلال فترة وجوده معه.
شديدة
هنا قد لا يُقاوِم الطفل الاتصال مع الوالد الغريب، بل قد يهرب أو يختبئ منه كي لا يضطر إلى زيارته أو لقائه.
أعراض متلازمة الاغتراب الوالدي
لا تُوجَد أعراض فعلية لمتلازمة الاغتراب الوالدي، ومع ذلك فهناك بعض السلوكيات التي تُشِير إلى انخراط أحد الوالدين في جهود عزل الطفل عن الوالد الآخر، وتشمل الأعراض التي وصفها الطبيب النفسي "جاردنر":
1. تشويه السمعة
قد يكون الطفل الذي أظهر المودة تجاه الوالد المغترب، يتصرّف الآن بعدوانية بالغة، ويُدلِي بتعليقات غير محترمة ومؤذية تجاه ذلك الوالد.
2. التبريرات غير المنطقية
عندما يُسأل الطفل عن تغيُّر رأيه في الوالد المغترب، أو مشاعره الجديدة تجاهه، فلا يتمكّن من تقديم سببٍ منطقي، وقد يذكر الطفل سببًا تافهًا أو زائفًا لا يرقى للعداء المُستحكَم تجاه ذلك الوالد.
اقرأ أيضًا: متلازمة الذكر العصبي.. هل يبلغ الرجال سن اليأس؟
3. غياب التناقض
التزام الطفل التام بكراهية الوالد المُنفصل أو المغترب، وليس الأمر كما لو أنّ الطفل يُفكِّر في تجاربه مع الوالدين، فهو يُعبِّر عن مشاعره السلبية ولا يتراجع عنها، ولا يشعر بأي تناقض في مشاعره تجاه ذلك الوالد.
4. ظاهرة "المُفكِّر المُستقِّل"
يتحكّم الطفل في مشاعره العدائية بالكامل، ويُنكِر باستمرار وبقوة أن يكون للوالد الآخر علاقة بتغيير رأيه المفاجئ تجاه الوالد المغترب.
5. غياب الإحساس بالذنب
لا يشعر الطفل بالذنب حيال العداء أو عدم الاحترام الذي يُظهِره للوالد المغترب، ولا يُغيِّر أي قدرٍ من محاولة ذلك الوالد "التكفير عن ذنبه" مشاعر الطفل، بل تُتجاهل الجهود المبذولة لاستعادة مشاعر الطفل، فضلاً عن أن الطفل قد يسخر منها.
6. الدعم غير المشروط
يظل ولاء الطفل محصورًا في الوالد الذي سيطر على عقله، وأطلق سهام الاتهام تجاه الآخر، وهذا الولاء والدعم مُطلَق غير مشروط؛ إذ يرفض الطفل التفكير في أنَّ الوالد الآخر قد يكون على صواب ولو في بعض الأمور.
7. التقليد
يُردِّد الطفل ما يُخبِره به أحد الوالدين عن الآخر بعد انفصال كلٍ منهما عن الآخر، كما قد يستخدم الطفل عبارات ومصطلحات لا يُمكِن لمن في سنّه فهمها، بل قد يدّعي الطفل أنّ الحوادث التي اختلقها الوالد المُسيطر على تفكيره حقائق! رغم أنّها مُختلَقة.
8. رفض أسرة الوالد المغترب
قد يمتد شعور الطفل بالعداء ليشمل جميع أفراد الأسرة إلى جانب الوالد المغترب، فقد لا يحترم أيضًا أبناء العم والأجداد وأفراد الأسرة الآخرين كجزءٍ من متلازمة الاغتراب الوالدي.
كيف تؤثر متلازمة الاغتراب الوالدي على الأطفال؟
للأسف قد يكون لمتلازمة الاغتراب الوالدي تأثير طويل الأمد ومُدمّر على الطفل، فبينما ينهمك أحد الوالدين في توجيه عواطف الطفل بعيدًا عن الوالد الآخر، فإنّ ذلك يضر السويّة العاطفية أو النفسية للطفل أصلاً، فالتلاعب والتزييف لا يُؤذي الوالد الآخر فحسب، بل يُؤذِي الطفل أيضًا.
كذلك قد تُؤدِّي المتلازمة إلى إصابة الطفل ببعض الاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب والقلق، وذلك إلى جانب مشكلات الثقة التي قد تُؤثِّر على علاقاته لاحقًا بعد البلوغ؛ إذ يجد الطفل صعوبة في الوثوق بالآخرين الذين يُعلِنون محبتهم، خاصةً أنّه على عداء مع والده الذي يكنّ له الحب أو يدّعيه حسب ما يراه بناءً على وجهة نظر الوالد الآخر.
اقرأ أيضًا: قبل أن تقدم على عمليات السمنة.. ماذا تعرف عن "متلازمة الإغراق"؟
ومن الآثار السلبية الناجمة عن الاغتراب الوالدي أيضًا:
- زيادة الغضب عند الأطفال.
- عدم التعاطف مع الآخرين.
- الشعور بالعجز.
- ضعف الثقة بالنفس.
- الشعور بالإهمال من قِبل الوالد المغترب.
كيف تتعامل مع متلازمة الاغتراب الوالدي؟
إذا تعرّضت لمتلازمة الاغتراب الوالدي، أو عانى تلك المتلازمة أي فردٍ في عائلتك، فإنّ العلاج الاحترافي قد يُساعِدك على تجاوز تلك المتلازمة، وحمايتك أو حماية غيرك من الضرر المستقبلي لها، وذلك بالسماح للطفل بمساحة آمنة لمشاركة مشاعره، فذلك قد يُساعِد على تطوير علاقة أكثر استقرارًا مع والديه المنفصلَين ومع الآخرين.
وفي حين استحالة التراجُع عن الأحداث السلبية التي شهدها الطفل، فقد يُساعِد العلاج الاحترافي على تقليل التداعيات السلبية لذلك الحدث ومن بين أشكاله:
- العلاج الأُسري: يُوفِّر مساحة لجميع أفراد الأسرة لمشاركة وجهات نظرهم وخبراتهم وتبادلها.
- العلاج المعرفي السلوكي: يُساعِد ذلك العلاج في تغيير السلوكيات عبر تغيير أفكار المرء، وذلك للمساعدة في التحرُّر من التفكير السلبي وإعادة صياغة أفكار الطفل.
- المُعالجة باللعب: يُساعِد الأطفال الذين لا يقدرون على التعبير عن مشاعرهم المُعقّدة، ويُمكِن المشاركة فيه بشكلٍ فردي أو مع الأشقاء.
- العلاج الجماعي: تظهر أنماط الطفولة في مرحلة البلوغ بالنسبة للآخرين، وفي العلاج الجماعي، يُمكِن للبالغين استكشاف سلوكياتهم، والاستجابة بطرقٍ جديدة والحصول على تعليقات أعضاء المجموعة الآخرين في أثناء عملهم على التغيير "هذا النوع لمن لم يعُد طفلاً وقد بلغ، لكنّه عانى انفصال الأبوين ومتلازمة الاغتراب الوالدي".
الوقاية من متلازمة الاغتراب الوالدي
انفصال الأبوين ليس نهاية المطاف، ولا يعني بالضرورة ولا يلزم منه استحواذ أحد الأبوين على عقل الطفل واتخاذ الآخر عدوًّا، بل ينبغي التكاتف والتعاون رغم الانفصال في العناية بذلك الطفل الذي لم يشتد عوده بعد، ويُمكِن للوالدين أن يحميا طفلهما من متلازمة الاغتراب الوالدي من خلال:
- تشجيع التواصل المفتوح بين جميع أفراد الأسرة، حتى يكون هناك مجال أقل للأسرار.
- التفكير في الحضانة الكاملة إذا شعرت أنّ شريكك قد يزرع العداوة في طفلك.
- إشراك أفراد الأسرة الممتدة، فبهذه الطريقة يشعر الطفل أنّ لديه شبكة دعم أكبر من مجرد الوالد المغترب.
- البقاء منخرطًا بنشاط في حياة طفلك، بأن تجعله على قمة اهتماماتك، والقرب منه في الأنشطة المدرسية وغيرها من الأنشطة التي يُمارِسها الطفل.
- تجنُّب إغراء التقليل من شأن الوالد الآخر، أو الشكوى من تصرُّفاته لولدك.
- طلب المشورة المهنية لمساعدة الأسرة في تقليل مخاطر متلازمة الاغتراب الوالدي.