تقنيات تحسين الصحة النفسية للرجال في بيئة العمل
زاد التوتر في بيئات العمل خلال السنوات القليلة الماضية، ومعه زادت مشكلات الصحة النفسية التي تؤثر في العمل والحياة الشخصية على حدٍّ سواء؛ إذ أفاد 67% من الموظفين أنّهم يُعانُون الآن ضغوطًا أكبر مما كانوا عليه في عام 2019.
كما أفاد 40% من العمال أنّ وظائفهم مرهقة للغاية، بينما أشار رُبع الموظفين إلى وظائفهم على أنّها أكبر عامل ضغط في حياتهم، حسب أبحاث العافية في مكان العمل التي أجراها "مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها CDC".
فما تقنيات تحسين الصحة النفسية للرجال في بيئة العمل؟ وكيف يحافظون على توازنهم النفسي وسط الشراسة المتزايدة لبيئات العمل؟
كيف تؤثر بيئة العمل في صحتك النفسية؟
تُؤثِّر بيئة العمل في صحة الرجل النفسية مباشرةً، ويمكن أن يكون لبيئة العمل أثر سلبي، خاصةً مع ساعات العمل الطويلة أو نقص الموظّفين وكثرة أعباء العمل، أو المضايقات في مكان العمل التي قد تزيد توترك، وربّما تُسهِم في مشكلات الصحة النفسية، مثل القلق أو الاكتئاب.
ولا يتوقّف الأمر عند هذا الحد، بل إنّ صحتك النفسية لها أثرها على مردودك في العمل وإنتاجيتك، وتُشِير التقديرات الأحدث إلى أنّ مشكلات الصحة النفسية تُكلِّف الاقتصاد العالمي نحو تريليون دولار سنويًا، تتمثل في فقدان الإنتاجية والتغيّب ومعدل تغيير الموظفين.
عوامل بيئة العمل التي تزيد خطر الإصابة بمشكلات الصحة النفسية
قد يُؤدي وجود بعض الأمور في بيئة العمل إلى زيادة خطر الإصابة بمشكلات الصحة النفسية عند الرجال، مثل:
- ساعات عمل طويلة وغير مرنة.
- نقص الموظفين بسبب تقليص أعداد الموظفين أو شغور الوظائف أو عبء العمل المتزايد باستمرار.
- بيئة عمل سامة مليئة بالتنمر أو الإساءة.
- نقص التدريب أو التوجيه في الدور الذي من المتوقّع أن تؤديه في عملك.
- اتصال محدود أو غير واضح من الإدارة حول المهمات أو الأهداف أو صناعة القرارات.
- نقص الدعم أو الأدوات اللازمة أو غيرها من الموارد الوظيفية.
علامات تدهور الصحة النفسية للرجل في بيئة العمل
قد تمرّ بيومٍ سيئ في عملك من حينٍ لآخر، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنّك تُعانِي مشكلات الصحة النفسية، وربّما تفقد شغفك من وقت لآخر أو تشعر بتوترٍ زائد.
ومع ذلك فقد تزحف تجاهك العديد من مشكلات الصحة النفسية ببطء، فقد تعتاد الشعور بالإرهاق والقلق والتشاؤم في العمل، لدرجة أنّك تبدأ في الشعور بأنّ ذلك "طبيعي"!
لكن تجاهل العلامات المبكرة لتلك المشكلات لن يجعلها تختفي، بل سيزداد الأمر سوءًا بمرور الوقت، مما يجعلك عرضةً لمشكلات صحية أخرى.
وعمومًا تشمل علامات تدهور الصحة النفسية للرجل في بيئة العمل:
- تراجُع أدائك في العمل: قد تجد نفسك تواجِه مشقة بالغة لأداء واجباتك اليومية في العمل، وكذلك في المنزل أو الحياة الاجتماعية عمومًا.
- مشكلات التركيز أو التفكير: إذا كُنت تعاني مشكلات في التركيز على المهمات أو تُواجِه صعوبات في الذاكرة أو التفكير أو حتى تغييرات في أنماط كلامك عن المُعتاد، فهذه من علامات مشكلات الصحة النفسية.
- تغيّرات الشهية أو أنماط النوم: قد تجد نفسك مُصابًا بالأرق أو تنام كثيرًا، أو ربّما تتناول كثيرًا من الطعام عن المُعتاد.
- تغيّرات المزاج: مثل الشعور باليأس أو العجز أو أنّك تُعانِي تقلّبات مزاجية غير معهودة أو أفكارًا انتحارية.
- فقدان الشغف في الأنشطة: قد يتراجع اهتمامك بجوانب العمل التي استمتعت بها سابقًا، أو تترك الهوايات التي كنت تُحبّها، أو تنسحب من الصداقات والأنشطة الاجتماعية.
اقرأ أيضًا:أشد مما تتخيل: ما تأثير التنمر الإلكتروني على الصحة النفسية؟
كيفية التعامل مع التوتر في بيئة العمل
التوتر في العمل قد يُحفّزك بعض الشيء على الوفاء بمواعيد تسليم المهمات وتحقيق أهداف العمل، ومع ذلك إذا صار التوتر مزمنًا، فقد يؤدي إلى القلق والاكتئاب، أو حتى مشكلات جسدية، مثل أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم.
ويُنصَح للتعامل مع التوتر في بيئة العمل بما يلي:
- تجنّب التوتر غير الضروري، من خلال التعرّف إلى ما يُسبِّب التوتر والتخلص منه كلّما أمكن ذلك، إلى جانب تقسيم المهام حسب الأولوية، والفصل بين العمل والحياة الشخصية، والتعوّد على قول "لا"، إذا كان تولّي مشروع جديد سيزيد العبء عليك.
- إجراء بعض التغييرات لتخفيف التوتر، مثل تحسين التواصل مع الفريق أو المدير، خاصةً إذا تسبّبت بعض مهام العمل في ضغوط هائلة عليك.
- إذا لم يكُن ممكنًا التخلّص من مصدر التوتر، فحاوِل أن تُركِّز على الإيجابيات وأن تعتاد التسامح، لأنّ التمسك بالغضب أو الاستياء يُسهِم في التوتر.
تمارين الاسترخاء الذهني للرجل العامل
قد تساعد بعض تمارين الاسترخاء على الحفاظ على الصحة العقلية في العمل، مثل:
1. التنفّس العميق:
التنفس العميق أحد تمارين الاسترخاء البسيطة والقوية، ويمكنك ممارسته في أي مكان تقريبًا، مع الاستنشاق من الأنف، والزفير وإخراج النّفَس عبر الفم.
2. التدليك الذاتي:
التدليك "المساج" يُسهِم في تخفيف التوتر والمساعدة على الاسترخاء بدرجةٍ كبيرة، فقط حاول أن تأخذ بضع دقائق لتدليك نفسك على مكتبك في العمل، أو في منزلك بنهاية اليوم، أو قبل النوم، ويمكنك استخدام زيت عطري لتعزيز الاسترخاء أو التنفّس العميق أيضًا.
3. التأمل الواعي:
بدلاً من القلق بشأن المستقبل أو التفكير في الماضي، ركِّز على ما يحدث الآن فقط، فهذا التأمل يساعد على تقليل التوتر والقلق والمشاعر السلبية عمومًا، من خلال تركيز انتباهك على شيء واحد، مثل تنفّسك، ويُفضّل إيجاد مكان هادئ لفعل ذلك، ثُمّ أغمض عينيك وابحث عن شيء تركّز عليه، مثل تنفّسك والإحساس بالهواء الداخل والخارج، أو كلمة ذات مغزى تكررها طوال فترة التأمل.
اقرأ أيضًا:العلاج بالواقع الافتراضي.. حل واعد لاضطرابات الصحة النفسية
أهمية التنظيم الشخصي لتحسين الصحة النفسية
من الضروري تنظيم مهمات العمل للتغلب على التوتر في بيئة العمل، وأيضًا تطوير الصحة النفسية وتحسينها، فتقسيم المهمات الكبيرة إلى مهمات أصغر يجعل إتمام العمل أسهل، وبتوترٍ أقل كثيرًا مِمّا لو كُنت تتعامل مع المهمة الكبيرة كما هي، كما أنّ ترتيب المهمات حسب أولويتها، يساعد على التعامل مع المهمات الضرورية أولًا، وتخفيف التوتر.
فالتوتر وقود الأمراض: النفسية منها والجسدية، إذ قد يُسبِّب الاكتئاب والقلق أو ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، لذا فالتنظيم الشخصي، سواء كان في العمل أو في المنزل، يُخفِّف ذلك التوتر ويُبقِيك بعيدًا عن الأمراض.
كيف تتعامل مع الانتقادات السلبية في بيئة العمل؟
قد تتعرّض لانتقاداتٍ سلبية من وقتٍ لآخر في العمل، لكن إذا لم تتمالك رد فعلك، فقد تُصبِح الأمور أسوأ، لذا إليك بعض النصائح للتعامل مع تلك الانتقادات:
- لا تُظهِر أي تغيّر في تعابير وجهك أو لغة جسدك، وفكِّر قبل أن تقول أي شيء، فهذا سيمنحك بعض الوقت للتحكم في لغة جسدك وتعبيرات وجهك ومعرفة ما ينبغي قوله.
- لا تأخذ الأمور على محملٍ شخصي.
- حاول تجنّب الأعذار والدفاع، وبدلًا من ذلك حدِّد ما تخطِّط القيام به بشكلٍ مختلف لتحسين العمل، وتابع هذه التغييرات.
- حاول أن تكون متواضعًا في استجابتك، فالانتقاد قد يكون فيه بعض الحقيقة حتى لو كان مؤلمًا.
كيف تحافظ على توازنك النفسي في أثناء العمل عن بُعد؟
قد يُوفِّر العمل عن بُعد مرونة استثنائية في أوقات العمل، ومع ذلك فقد يضرّ بالصحة النفسية، خاصةً مع ساعات العمل الطويلة، ويمكنك الحفاظ على توازنك النفسي مع العمل عن بُعد من خلال:
- الحفاظ على روتين عملٍ منتظِم، وتحديد عدد ساعات العمل وعدم تجاوزها.
- جدولة أوقات الراحة، بتخصيص بعض الوقت لأخذ استراحة من العمل وتناول الغداء مثلًا.
- إنشاء مساحة عمل مخصصة، فمن السهل الحفاظ على روتينك والفصل بين العمل والحياة الشخصية في وجود مكان مخصص للعمل.
- ترتيب اجتماعات أو أحداث اجتماعية منتظمة لرؤية زملائك وجهًا لوجه، للتغلب على الشعور بالعزلة.
كيف تعتني بالصحة النفسية للموظفين؟
لا ينبغي لأصحاب الأعمال إهمال الصحة النفسية للموظّفين، وإلّا فإن هذا سيعود بأثرٍ سلبي على الموظّفين أولًا، ثُمّ على أداء الشركات والمؤسسات ثانيًا، ومما يُنصَح به للعناية بصحة الموظّفين النفسية:
- الاستثمار في التدريب على الصحة النفسية.
- السماح للموظف بأخذ إجازة لرعاية صحتهم، فهذا يطمئنهم بأنّ رفاهيتهم أولوية، ويعزز الروح المعنوية والإنتاجية والثقة.
- تحسين استراتيجيات رعاية الصحة النفسية للموظفين، بتشجيعهم على التواصل والحديث بشأن الصحة النفسية، وتعزيز المبادرات المتعلقة بالصحة النفسية في بيئة العمل.
اقرأ أيضًا:التحديات التي تواجه الصحة النفسية للرجال.. أنواعها واستراتيجية تحسينها
كيف تؤثر العلاقات المهنية الإيجابية على الصحة النفسية؟
تساعد العلاقات المهنية الإيجابية على تحسين الصحة النفسية، وغياب تلك العلاقات ينذِر بالعزلة الاجتماعية، التي تزيد خطر الإصابة بمشكلات صحية أخرى، كما أنّ العلاقات المهنية الإيجابية تعزز الإنتاجية في العمل، مما يُسهِم في خفض التوتر ويحافظ على الصحة النفسية.
تقنيات تحسين الصحة النفسية للرجال في بيئة العمل
تشمل أهم تقنيات الاسترخاء للرجال وتحسين الصحة النفسية في بيئة العمل:
1. تغيير نمط عملك:
يُفضّل تغيير جدول عملك أو روتيك ليتناسب صحتك النفسية ورفاهيتك بأفضل طريقةٍ ممكنة، كُلّما أمكن ذلك، لأن ذلك يساعدك على الشعور بمزيدٍ من الإنتاجية في عملك.
اسأل نفسك مثلاً: هل ستشعر بمزيدٍ من التركيز إذا بدأت عملك في وقت مبكر من اليوم وانتهيت في وقت أبكر من الساعة الخامسة مساءً؟
هل تشعر براحة أكبر عند العمل في بيئة مفتوحة، مثل مقهى، أم في مساحة عمل مشتركة؟ هل ستمنحك هذه التغييرات أيضًا مزيدًا من الوقت لنفسك وتخلق إحساسًا أكبر بالتوازن في حياتك؟
2. زيادة النشاط البدني:
البقاء نشيطًا إحدى أهم الطرق التي تساعد على الحفاظ على صحتك النفسية ورفاهيتك، ومع ذلك فقد يكون من الصعب ممارسة أي نشاطٍ بدني إذا كانت وظيفتك تتطلّب منك جلوسًا على مكتب أو البقاء في المكان نفسه لفترة طويلة.
لذا حاول أن تجد طرقًا تناسبك لممارسة الرياضة بسهولة في يوم عملك، فقد يكون الأمر بسيطًا، مثل صعود الدرج بدلًا من المصعد، أو المشي لمدة 15 دقيقة في فترة ما بعد الظهر.
وإذا كُنت تعمل من المنزل، فحاول أن تجد سببًا لمغادرة مكتبك المنزلي مرة واحدة على الأقل طوال اليوم لتحريك جسمك.
3. أخذ فترات راحة منتظمة:
سواء كُنت متوترًا أو تشعر بأنّك بأفضل حال، فمن الضروري جدًا أخذ فترات راحة منتظمة طوال يوم العمل وفي الأسبوع.
وربّما يكون من الصعب أخذ أجزاء صغيرة من الوقت بعيدًا عن مكتبك، إذا كُنت مشغولًا جدًا، لكن حتى بضع دقائق من الوقت للراحة ستفعل الكثير لصحتك النفسية، فضلًا عن إنتاجيتك.
وقد يكون ذلك لفترةٍ وجيزة، ويتضمّن نشاطًا بسيطًا، مثل المشي أو قراءة كتاب يبعث على الارتياح، أو أي شيءٍ آخر، لذا حاول تقسيم يومك مع فترات راحة منتظمة، والانخراط في شيءٍ تستمتع به لفترةٍ قصيرة من الوقت قبل أن تستأنف عملك.
اقرأ أيضًا:هل هناك علاقة بين خصوبة الرجل وصحته النفسية؟
4. افصل عملك عن حياتك الشخصية:
سواء كُنت تغادر المنزل أو تعمل من المنزل، فقد يكون صعبًا عليك الفصل بين عملك وحياتك الشخصية، خاصةً مع رسائل البريد الإلكتروني على الهاتف الجوّال أو أصوات الإشعارات الخاصة بالعمل من وقتٍ لآخر.
لذا حاول أن تُوازِن بين عملك وحياتك الشخصية للحفاظ على صحتك النفسية، فإذا شعرت أنّ عملك يختلط بحياتك الشخصية، فابدأ بخطوات صغيرة، مثل الاحتفاظ بأجهزة العمل في المكتب بدلاً من اصطحابها معك إلى المنزل، أو أن تقتصر على الالتزام بساعات عملك أو إزالة الوصول إلى رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالعمل في أجهزتك الشخصية.