أسسها وأطاح بها.. لماذا طُرِدَ ستيف جوبز من رئاسة "أبل"؟
رُغم الضجة التي أحدثتها شركة OpenAI بطردها لمؤسسها المُشارك Co-founder سام ألتمان ثم عودته مرة أخرى، فإن صدى هذا الأمر لم يقوَ على مقارعة الموقف المُشابه الذي استدعته ذاكرتنا رغم مرور ما يقرب من الـ 40 عامًا على وقوعه؛ نتحدث هنا عن طرد شركة "أبل" لمؤسسها العظيم "ستيف جوبز" ثم عودته التي قلبت الوسط التكنولوجي رأسًا على عقب وجعلت أبل تتسيد واجهة التكنولوجيا عمومًا، والهواتف المحمولة خصوصًا بشعار التفاحة الذي أصبح رمزًا للأرستقراطية والفخامة.
جنى على نفسه جوبز
بدأت رحلة العملاقة "أبل" من "جراج" تعاون فيه العبقريان ستيف جوبز وستيف وزنياك. كُل واحد منهما كانت لديه مسؤوليات ومهام مختلفة عن الآخر؛ فوزنياك كان مسؤولاً عن الجانب التقني، بينما تولّى جوبز شق "البزنس" والأفكار الإبداعية. المشكلة أن الشريكين كانا يافعين بلا خبرة في مجال ريادة الأعمال، ولا يعرفان كيف تسير الأمور على أرض الواقع.
لهذا السبب، عيّن "جوبز" و"وزنياك" مجلس إدارة وعدد من المخضرمين في مجال ريادة الأعمال حتى يساعدوا شركتهم الجديدة على النمو والازدهار. ومع مرور الوقت، بدأت الشركة تؤتي ثمارها وتبيع منتجات ثورية متعلقة بالحواسيب. في ذلك الوقت تقريبًا، رأى ستيف جوبز أنه جديرٌ بمنصب المدير التنفيذي CEO، وأراد أن يترأس الشركة التي شاركه وزنياك في تأسيسها، ولكن هذا لم يحدث.
وقبل أن نعرف لماذا، من الجدير بالذكر، وبحسب عدة مصادر، أن مايك ماركيولا Mike Markkula "أحد أوائل المستثمرين في أبل" هو الذي ضغط على جوبز ووزنياك -لأنه لم يثق بكفاءتيهما- ليُعيّنا مجلس إدارة برئاسة صديقه مايكل سكوت Michael Scott "نعم، نفس اسم بطل مسلسل The Office"، ليكون بذلك أول رئيس تنفيذي في تاريخ الشركة، ولكنه سرعان ما استقال في عام 1981 عندما طُرِحت أسهم "أبل" في البورصة ليخلفه "ماركيولا" بنفسه.
كان "جوبز" أستاذًا في التسويق ومهندسًا عبقريًا ذا نظرة مستقبلية ثاقبة، ولهذا لا عجب أنه كان، ولا يزال حتى بعد أن وافته المنية، وجه الشركة الأيقوني، كما هو الحال مع ألتمان وشركة OpenAI. ولكن لا أحد كامل، وبعيدًا عن براعة "جوبز" العملية وعقله الابتكاري الفذ، فإنه كان شخصًا غليظًا فظًا من ناحية التواصل، ويمكننا التحقق من ذلك عند قراءة سيرته الذاتية بقلم والتر إيزاكسون، والذي أورد فيها قصةً تُلخص كل شيء.
بحسب إيزاكسون، فإن لسان "جوبز" اللاذع كان مُرهِقًا للموظفين بشكل لا يُطاق، وكان يؤدي في النهاية إلى جعلهم "يحترقون وظيفيًّا" ويكرهون عملهم. ففي إحدى المرات، دخل ستيف جوبز إلى غرفة الموظفين الذين كانوا يعملون لمدة 90 ساعة بالأسبوع لمدة 10 أشهر، وقال لهم إنه غير مُنبهر بما يفعلونه، ما جعل أحدهم يتقدم بطلب الاستقالة على الفور.
حالت صفات "جوبز" الشنيعة، وإن كانت قد استوحشت بعد توليه منصب المدير التنفيذي إبّان عودته للشركة بعدما طُرِد، دون وصوله إلى المنصب الذي أراده بسبب الرفض القاطع لمجلس الإدارة، وما زاد الطين بلّة أن "جوبز" عيّن في عام 1983 المدير التنفيذي لـ PepsiCo، جون سكالي، بشركة أبل موجّهًا له السؤال الشهير: "هل تريد أن تبيع المياه الغازية لبقية عمرك، أم تود الانضمام إليّ وتغيير العالم"؟
اقرأ أيضًا:حواسيب جديدة ومعالجات خارقة.. أهم ما أعلنت عنه Apple في مؤتمر "Scary Fast"
هل طُرِدَ جوبز حقًا؟
في عام 1985 وصلت الأمور إلى ذروتها. آنذاك، إذ كشفت "أبل" النقاب عن جهاز Lisa الذي مثّل طفرة وقتها، حيث كان أول حاسوب في التاريخ بواجهة مستخدم رسومية GUI، ثم أتبعته بالكشف عن الماكنتوش "الماك" الذي تخطى مبيعات Lisa، ولكن المفاجأة أن مبيعات الجهازين لم تكن كافية ولم ترتق للتوقعات التي وضعتها "أبل". ومع ذلك، فالمشكلة لم تكن بالمبيعات أساسًا.
كانت المشكلة الحقيقية -فيما يتعلق بموضوعنا- أن جون سكالي، الرجل الذي عيّنه "جوبز" من الأساس، كان قد نحَّى الأخير عن العمل على جهاز الماكنتوش، ربما لأن جهاز Lisa الذي أشرف عليه "جوبز" لم يبع بشكلٍ جيد. اعترض ستيف جوبز على ذلك القرار وتوجّه إلى مجلس الإدارة مباشرةً يُطلعها على ما حدث، ولكنها لم تتبنَ روايته وأخذت صف "سكالي".
مثّلت تلك اللحظة مفترق طرق حقيقيًّا بالنسبة لـ"جوبز"، و"أبل"، وجميع المهتمين بمعرفة ما الحقيقة، إذ ادّعى "جوبز" أن الشركة طردته، بينما قال "سكالي" إنه ترك الشركة طواعيةً بعد خلافٍ حول سعر الماكنتوش. المهم أن ستيف جوبز لم يعد موجودًا بالشركة التي أسسها بنفسه مع ستيف ووزنياك.
مفترق طرق
بعد الانفصال، أسس "جوبز" شركته الخاصة، NeXT، التي رُوِّجَ لها على أنها نقلة نوعية في عالم الحواسيب، وهذا كان صحيحًا من الناحية التقنية، ولكن بسبب ارتفاع أسعار منتجاتها -كحال أسعار منتجات أبل تباعًا-، لم تكن وتيرة المبيعات مُرضية.
أما أبل، التي فقدت ستيف جوبز، فبحلول عام 1991 قدّمت نظام تشغيل جديد عُرِف بـ "System 7" ويُعزَى إليه الفضل في تلوين شاشة الماكنتوش لأول مرة. علاوة على ذلك، طرحت التفاحة الأمريكية لابتوب جديد طغى عليه تصميم الماكنتوش وأسمته PowerBool laptop.
ولكن، لم يكن نجاح "System 7" سوى مُسكّن لآلام "أبل" التي أخذت تنزف تحت قيادة "سكالي"، الذي ارتكب خطأً فادحًا عندما رهن مستقبل الشركة على معالجٍ من نوع جديد يُسمى PowerPC. كلَّف هذا المعالج "أبل" مبالغ طائلة واضطرّها مرغمةً إلى عدم تخفيض سعر الماكنتوش. على الجانب الآخر، كانت شركة المعالجات الرائدة "إنتل- Intel" تُحلّق بمعالجاتها القوية والرخيصة.
كلّف الخطأ المذكور "سكالي" منصبه، وعيّن مجلس الإدارة مايكل سبيندلر Michael Spindler الذي طُرِد هو الآخر بعد 3 سنوات فقط من توليه، تحديدًا عندما باءت محاولات شركات IBM، و Philips، و Sun Microsystems للاستحواذ على "أبل" بالفشل.
في عام 1996، خلف جيل أميليو Gil Amelio سبيندلر واستحوذ على شركة "جوبز" الجديدة، NeXT، بمبلغ 429 مليون دولارًا في عام 1997. وفي يونيو من نفس ذلك العام، باع طرف مجهول 1.5 مليون سهم من أسهم "أبل" دُفعةً واحدة، وهو الأمر الذي خسف بها الأرض مُتسببًا بوصولها إلى أدنى مستوياتها منذ 12 عامًا.
"بلوت تويست- Plot twist"
في مفاجأة هوليوودية، اعترف "جوبز" لاحقًا بأنه كان الطرف الذي باع المليون ونصف المليون سهم مُجبِرًا مجلس الإدارة، بطريقة أو بأخرى، على إعادته بعدما استقال جيل أميليو، وتعيينه رئيسًا تنفيذيًا "مؤقتًا" للشركة.
تعلم ستيف جوبز من أخطائه وفي أغسطس من العام نفسه، غَربَل الشركة وأتى بمجلس جديد للإدارة، ومنذ ذلك الحين وسباقه الشرس مع جيتس وميكروسوفت قد انطلق إلى أن تُوفي "جوبز" في 2011. المثير في الأمر أن بيل جيتس خرج في البث الحي لمؤتمر Macworld وسط صيحات الجمهور ليستثمر مبلغ 150 مليون دولار في شركة أبل.
الجدير بالذكر أنه في عام 1998، أسدلت أبل النقاب عن جهاز iMac الذي حقق نجاحًا ساحقًا مُعليًا من شأن الشركة مرة أخرى ومُجبرًا مجلس الإدارة على إسقاط كلمة "مؤقت" من مُسمَّى جوبز الوظيفي ليكون بذلك المدير التنفيذي لأفخم شركة تقنية في العالم، والبقية تاريخ.
ما أشبه اليوم بالبارحة
ما حدث مع ستيف جوبز وشركة أبل هو مقاربة واضحة لما حدث مع سام ألتمان وشركة OpenAI، فكلاهما شارك في تأسيس الشركتين التقنيتين، وكلاهما طُرِد من مجلس الإدارة -إن صحّت رواية جوبز-، وكلاهما بمثابة وجه ورأس حربة الصرحين التقنيين. يبدو أن الفارق الجوهري في هذه المقاربة هو أن OpenAI خضعت للموظّفين وسرعان ما أعادت ألتمان بعد عدة أيام فقط من طرده، ومع ذلك تظل الحالتان مثيرتين للإعجاب بشكل يستحق التأمل.