رفضت "إيلون ماسك" وطردت "سام ألتمان".. قصة شركة "OpenAI" التي طورت "ChatGPT"
تتصدر شركة "OpenAI" المشهد ليس بسبب "ChatGPT" فحسب، وإنما بسبب الأحداث الدرامية التي تدور خلف الكواليس. فعلى غرار طرد "أبل" للمؤسس "ستيف غوبز" وعودته لها، تكرر نفس السيناريو مع "سام ألتمان"، وهو أبرز مؤسسي "OpenAI". وبعيدًا عن هذا "التريند" الذي يتصدر المشهد التكنولوجي في الوقت الراهن، فتاريخ الشركة مثير في حدث ذاته، فأعين "إيلون ماسك" -أحد مؤسسيها أيضًا- كانت مصوبة على منصب إدارتها، و"مايكروسوفت" أبرمت معها شراكة تمتد إلى الآن.
مجانًا وإلى الجميع!
في ديسمبر 2015، وبهدفِ إنشاء ذكاءٍ اصطناعيّ عام "AGI" يفيد البشرية جمعاء، أسس 4 أشخاص على رأسهم الداهيتان "إيلون ماسك" و"سام ألتمان"، بالإضافة إلى "إيليا سوتسكيفر" و"غريغ بروكمان"، شركة الذكاء الاصطناعي غير الهادفة للربح -كما كانت تروج لنفسها- والغنية عن التعريف "OpenAI".
وقتها سعت الشركة فعلاً إلى تحقيق ذلك الهدف المُعلن، فـ"إفادة البشرية جمعاء" لم تكن مبالغة، وإنما ما أفصحت عنه المؤسسة بنفسها. ورُغم تغير سياساتها في الآونة الأخيرة وتخصيص خطة مدفوعة لتحقيق الأرباح من وراء أداتها الثورية "ChatGPT"، فإن الشركة لا تزال متمسكة بشعارها على واجهة موقعها الرسمي؛ "إنشاء ذكاء اصطناعي عام يفيد البشرية جمعاء- Creating safe AGI that benefits all of humanity"، وحقيقة لا أعرف كيف يمكن لهذا الشعار الحالم والخطط المدفوعة أن يجتمعا على أرض الواقع.
على ما يبدو أن "OpenAI" غيّرت سياساتها لاحقًا، وإن لم تكن قد أعلنتها صريحةً، لأحد هذه السيناريوهات الثلاثة؛ إما لرحيل "ماسك" عن الشركة والحد من التمويل "سنتطرق لهذا لاحقًا"، وإن كان هذا غير مُرجّح لأن الشركة تلقت دعمًا ماديًا كبيرًا من جهات أخرى أبرزها "مايكروسوفت"، أو لأنها لم تتوقع نجاحها الهائل الذي جعلها واحدة من أشهر وأهم شركات الذكاء الاصطناعي في هذا النطاق الضيق من الزمن، أو لأنها ببساطة لم تكن صادقة منذ البداية.
شهدت السنوات الأولى للشركة تقدمًا ملحوظًا في أبحاث "التعلّم العميق- Deep Learning" و"التعلم المعزز- Reinforcement Learning"، وحتى أنها أصدرت في 2016 منصة أو مكتبة "OpenAI Gym" لتطوير واختبار خوارزميات التعليم المعزز. وفي 2018، استعرضت قدرات هذه الخوارزميات في إطار مشروعها "OpenAI Five" الذي شهد تدريب 5 روبوتات ذكاء اصطناعي -بشكل مُنفصل- على لعب Dota 2، ولكن ما حدث أنهم تعاونوا كفريق ووضعوا استراتيجيات باللعبة.
وفي يونيو من عام 2018، تشاركنا "OpenAI" ورقة علمية بعنوان "تعزيز فهم اللغة بواسطة التدريب المُسبَق التوليدي- Improving Language Understanding by Generative Pre-Training" تشرح فيها المعمارية التي ستقوم عليها الأداة التي ستقلب الوسط التكنولوجي رأسًا على عقب؛ ChatGPT.
تضارب في المصالح أم مصلحة مُعدة مسبقًا؟
بعد 3 سنوات من تأسيس "OpenAI"، رأى "إيلون ماسك" أن أوان التخلي عن الشركة التي ساعد في تأسيسيها قد حان، حيث أخبر صديقه الذي سيُصبح المدير التنفيذي في 2018، "سام ألتمان"، باعتقاده بأن "OpenAI" قد "تخلَّفت بشكلٍ قاتل" عن "غوغل"، وذلك بحسب أشخاص معنيين بالمسألة، ويُقال إن "ماسك" قد اقترح تولي زمام الأمور وترؤس الشركة، ولكن ذلك قوبل بالرفض.
لم يكن الرفض من جانب "ألتمان" وحده، فـ"غريغ بروكمان" ومؤسسو الشركة الآخرون قد رفضوا الفكرة أيضًا، ما دفع "ماسك" إلى التخلي عن "OpenAI" في 20 فبراير 2018. بحسب التصريحات الرسمية التي صدرت من جانبِ كل من الشركة و"ماسك"، فإن سبب الرحيل كان "تضارب المصالح".
ولكن بحسب بعض المزاعم، فإن رحيل "إيلون ماسك" كان مُدبّرًا من طرفه، إذ أراد أن يسرق أحد ألمع عقول OpenAI لصالح شركته تسلا التي كانت تُطور سيارات ذاتية القيادة وتعتمد على الذكاء الاصطناعي. وبالفعل، استطاع "ماسك" أن يُقنع المهندس العبقري "أندريه كارباثي" بترك "OpenAI" وتولي برنامج السيارات الذكية بتسلا.
رحيل "ماسك" وضع "OpenAI" في ورطة حقيقية، حيث كانت تعتمد عليه وأمواله في التمويل، وحتى أنها أعلنت آنئذ أن الملياردير الشهير سيستمر بتمويلها حتى بعد الرحيل، ولكن "ماسك"، والذي كان قد ساهم بحوالي 100 مليون دولار بالفعل، قطع السبيل بخروجه من الشركة. في تلك اللحظ لم تعرف "OpenAI" من أين تدفع الأموال الفلكية المفروضة عليها لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على الحواسيب الخارقة Supercomputers.
OpenAI لم تعد "Open" كما كانت
في مارس 2019، أعلنت "OpenAI" -على مدونتها الرسمية- عن تخليها عن النموذج غير الربحي والتحول إلى نموذج جديد يضمن لها رأس مالٍ معتبرا مع الاستمرار في خدمة مهمتها المُعلنة. نجح النموذج الجديد في جذب المستثمرين، والتي كانت العملاقة "مايكروسوفت" على رأسهم، حيث تبرعت بمليار دولار وبدأت العلاقة الاستراتيجية بين الصرحين.
بعد نجاح النموذج الجديد، احتاجت "OpenAI" لعام واحد فقط حتى تُعلن عن الوحش الذي سيخطف الأضواء ويغير خارطة الذكاء الاصطناعي في العالم التكنولوجي برمته، ففي 22 يوليو 2020، نُشرت ورقة بحثية أُسدل فيها الستار عن نموذج GPT-3 الغني عن تعريفنا، وليس هذا فحسب، بل تم الإعلان أيضًا عن أداة DALL-E "مثل ChatGPT، ولكن في الصور" في 5 يناير 2021 لنكون على أعتاب منافسة ضارية سيحاول المنافسون فيها مزاحمة "ChatGPT" في ريادتها وتصدرها للمشهد.
ودون التغني والاستطراد في نجاحات "ChatGPT" التاريخية، يكفي أن تعرف أن هذه الأداة الجبارة هي أول أداة في التاريخ تصل إلى 100 مليون مستخدم في غضون شهرين فقط، وما زال التاريخ يُكتَب بواسطة "OpenAI"، وGPT-4 "النسخة الأكثر تطورًا الآن"، والمطرود العائد "سام ألتمان"!
سام ألتمان: المطرود العائد!
على غرار طرد شركة "أبل" لمؤسسها "ستيف غوبز" ثم عودته لرئاستها مرة أخرى، ها هو نفس السيناريو يتكرر مع "سام ألتمان". إذ إنه منذ أيام فقط طردت "OpenAI" مؤسسها الشريك وواجهتها، "سام ألتمان"، مُتهمةً إياه بالعجز عن قيادة المشروع وعدم الصراحة، والآن نُفاجأ بعودته مجددًا، حيث أعلن الحساب الرسمي للشركة على "X" أنهم توصلوا إلى "اتفاقٍ في المبدأ" مع "سام" ليعود مديرًا تنفيذيًا CEO للشركة التي تغير مجلسها الإداري بعدما استقال "غريغ بروكمان" عقب إجبار الشركة له على ترك منصبه.
وتمثل عودة "ألتمان" إلى منصبه صدمةً أكبر من إقالته، وذلك، مرةً أخرى، لأن الشركة بدت حازمة في قرارها الأول. ووصل الأمر وقتها إلى الدرجة التي هدد موظفو الشركة عندها بالرحيل إلى "ميكروسوفت" -رفقة ألتمان وغريغ- إذا لم يتغير مجلس الإدارة. ما نعلمه الآن من تفاصيل ليس سوى غيض من فيض، فحتى أشهر وسائل الإعلام لا تعرف الأسباب الحقيقية وراء الإقالة أو العودة، وحتى أن موظفي "OpenAI" أنفسهم كانوا قد تفاجأوا عندما علموا خبر الإقالة صدفة مثلهم مثلنا.
على كلٍ، هو مسلسل ننتظر اتضاح حبكته، لا سيّما أيضًا وأن تغريدات "ألتمان" بعد قرار الإقالة كانت درامية إلى أبعد حد، ومنها: " لقد أحببت وقتي في "OpenAI"، مثَّل الأمر تحولاً شخصيًا بالنسبة لي، وآمل أن يكون للعالم كذلك. المهم أنني أحببت العمل مع هؤلاء الأشخاص الموهوبين. سيتسنى لي قول المزيد لاحقًا".