"المتعة القاتلة".. هل حسَّنت التكنولوجيا حياة الرجل أم صعّدت قلقه واكتئابه؟
قد يعتقد الكثير من الناس أنَّ للتكنولوجيا تأثيرًا إيجابيًا على الصحة، ورغم تيسيرها لكثيرٍ من شؤون معاشنا، وتقريب المسافات الشاسعة، وإبقاء الناس على مقربة من بعضهم، فإنَّ ذلك الاعتقاد غير دقيق، إذ إنَّ للتكنولوجيا سطوة على الصحة النفسية، وهيمنة على جسد الرجل، لدرجة يصعب معها الفكاك من أثرها، خاصةً مع الاعتماد التام والاستخدام اليومي لها، فهل حسّنت التكنولوجيا حياتك حقًا؟
التأثيرات النفسية للتكنولوجيا
الإفراط في استخدام التكنولوجيا أو الاعتماد عليها ذو آثار نفسية ضارة عاجلة أو آجلة، مثل:
1- العزلة
يُفترَض بالتكنولوجيا، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، أن تُقرِّب الناس من بعضهم، وتُبقِيهم على تواصل باستمرار، لكن ما يحدث حقيقةً هو العكس.
وقد كشفت دراسةٌ حديثة أُجريت على مجموعة من الشباب تتراوح أعمارهم بين 19 - 32 عامًا، فتبيَّن أنَّ المُستخدِمين لوسائل التواصل الاجتماعي بكثرة أكثر عُرضةً للعزلة الاجتماعية بثلاثة أضعاف من أولئك الذين لم يُكثِروا استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
أيضًا أورد 73% من المُستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي بكثرة شعورهم بالوحدة، ونحو 52% مِمّن لا يستخدمونها بكثرة الأمر نفسه.
2- القلق والاكتئاب
ربطت كثيرٌ من الدراسات بين استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، التي هي من أبرز سمات التكنولوجيا في عصرنا، وبين المعاناة من اضطرابات الصحة النفسية، مثل القلق والاكتئاب.
لكن وجد الباحثون النتائج متباينة، فالأشخاص الذين يحصلون على تفاعلات إيجابية ودعم اجتماعي في هذه المنصات لديهم مستويات أقل من الاكتئاب والقلق، والعكس صحيح، فالأشخاص الذين حصلوا على تفاعلات اجتماعية سلبية عبر الإنترنت، وكانوا أكثر عُرضةً للمقارنة الاجتماعية، عانوا مستويات أعلى من الاكتئاب والقلق.
لذلك فنوع التفاعلات التي يحصل عليها الرجل من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، قد يُعزِّز الصحة النفسية أو يضرها، وكثيرًا ما يكون الضرر هو الحاصل.
3- الخرف الرقمي
قد يُعانِي بعض الناس الخرف الرقمي من الإفراط في استخدام التكنولوجيا، ومِنْ ثَمَّ يُواجِهون صعوبة في التركيز أو تذكُّر المعلومات التي يقرأونها عبر شبكة الإنترنت أو يُشاهدونها في بعض المقاطع المرئية.
4- السايبركوندريا "توهم المرض الإلكتروني"
حالة من القلق العارم تنتاب الإنسان بشأن صحته، ما يدفعه للبحث عبر الإنترنت عن الأعراض والمشكلات الطبية المرتبطة به، وهو نوعٌ من القلق المفرط بشأن الصحة.
5- اضطراب إدمان الإنترنت
قد يُصاب بعض الناس باضطراب إدمان الإنترنت؛ إذ يقضون أوقاتًا طويلة للغاية على الإنترنت، بما قد يتداخل مع عملهم، أو علاقاتهم الشخصية.
اقرأ أيضًا:شات جي بي تي.. هل يُوفِّر نفس الدقة البشرية في تشخيص الأمراض؟
6- تدنِّي احترام الذات
كشفت دراسةٌ منشورة في مجلة "JAMA" عن أنَّ المُراهقين الذين يقضون أكثر من 3 ساعات يوميًا على وسائل التواصل الاجتماعي، هم الأكثر عُرضةً لمشكلات الصحة النفسية، بما في ذلك الشعور بالدونية وعدم احترام الذات.
7- اضطراب الوسواس القهري
إذا كُنت مِمّن يتحقَّقون بكثرة من إشعارات الهاتف المحمول، أو تقضي أوقاتًا طويلة في الألعاب عبر الإنترنت فقد تكون مُعرَّضًا للإصابة بالوسواس القهري، وهذا قد يُسبِّب مشكلات في الحياة حقيقةً، مثل ضعف الأداء الوظيفي أو العزلة الاجتماعية.
8- اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط
لم يُعرَف بعد ما إذا كان الإفراط في استخدام الإنترنت يتسبَّب في ذلك الاضطراب أم لا، لكن عِدّة دراسات حديثة ربطت بين اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط وكثرة استخدام الإنترنت.
9- مشكلات النوم
ينام بعض الناس والهاتف قريب منهم، بل يتوقّعون استقبال رسالة ما - حتى لو كان ذلك لا شعوريًا- سواء كانت رسالة نصية أو إشعارًا على فيسبوك، ما يجعل نومهم خفيفًا، بل قد يُعانُون فرط اليقظة؛ إذ يظل الإنسان منتبهًا ومشدودًا قبل النوم.
الأمر الآخر أنَّ الضوء الأزرق المُنبعث من شاشة الهاتف يتداخل مع دورة النوم والاستيقاظ الطبيعية للجسم، ويُقلِّل إنتاج هرمون الميلاتونين المسؤول عن النوم، وكُل ذلك قد يُسبِّب مشكلات النوم التي لو استمرّت، فقد تُحدِث مشكلات جسدية أيضًا لا حصر لها.
منذ 50 عامًا كان يبلغ متوسط نوم البالغين 8.5 ساعة كل ليلة، وهذا الرقم قد تراجع اليوم إلى 7 ساعات كل ليلة؛ بسبب الضوء المُنبعث من الشاشات وتقليل إنتاج الميلاتونين.
التأثيرات الجسدية للتكنولوجيا
ليست الصحة النفسية فقط هي الواقعة تحت مطرقة التكنولوجيا والاستخدام المُفرط لها، بل كذلك الصحة الجسدية قد تتدهوّر مع عدم استخدام التكنولوجيا بحكمة، وذلك من خلال:
1- إجهاد العين
استخدام الرجل لبعض الأجهزة التكنولوجية لفترات طويلة، مثل الأجهزة اللوحية المحمولة، والهواتف الذكية، وأجهزة الكمبيوتر، قد تتسبَّب في إجهاد العين، الذي قد يُؤدِّي إلى تغيُّم الرؤية وجفاف العين، أو الشعور بألم الرأس أو الرقبة أو الكتف.
وقد تُساعِد بعض العوامل في إجهاد العين، مثل:
- الوقت الذي يقضيه الرجل أمام الشاشات.
- وهج الشاشة.
- سطوع الشاشة.
- مدى قرب أو بُعد الشاشة عن العين.
- المعاناة سلفًا من مشكلات العين.
لذلك يُفضَّل اتّباع طريقة 20-20-20 للتخفيف من وطأة استخدام التكنولوجيا على العين، وحمايتها من الإجهاد المُتكرر، خاصةً لمن يستخدمون الأجهزة الذكية فترات طويلة.
اقرأ أيضًا:هل رفة العين طبيعية أم لها دلالة مرضية؟
2- الوضعيات الخاطئة
لا ينتبه جلّ الناس إلى حال أجسادهم في أثناء الجلوس أمام الشاشات، فالكثير ينحني للأمام وينظر لأسفل إلى الشاشة التي يستخدمها، وهذا يُشكِّل ضغطًا لا طائل من ورائه على الرقبة والعمود الفقري.
ووجدت دراسةٌ في مجلة العمود الفقري الأوروبية "European Spine Journal" أنَّ وضعية الرقبة في أثناء كتابة الرسائل النصية لا يُحدِث فرقًا في بعض الأعراض، مثل آلام الرقبة، لكن أثبتت دراسةٌ أخرى أُجريت على مدار 5 سنوات، المعاناة من مشكلات طويلة الأمد لدى الشباب، مثل ألم الرقبة أو ألم أعلى الظهر.
لكن المشكلة مع استخدام التكنولوجيا أنَّها ساحرة تأخذ بألبابنا دون أن ننتبه إلى وضعيات أجسادنا من المتعة التي نحصل عليها عند استخدامها، ما يجعلنا لا نُغيِّر مواضعنا كثيرًا، فضلاً عن أن ننتبه إلى أنَّ الجلوس في وضعية خاطئة تضر الرقبة والظهر.
وعلى النقيض من ذلك، فإذا كان الشخص جالسًا على مكتب العمل فترة طويلة، فقد يقف من وقتٍ لآخر للتمدد أو لتقليل الضغط على الجسم.
3- تراجُع النشاط البدني
هنا لا بد من دق أجراس الإنذار، فكثرة استخدام التكنولوجيا مصحوب بقلة الحركة وتراجُع النشاط البدني، وهذه مشكلة قد تُؤدِّي إلى الإصابة بمشكلات صحية أشد، مثل:
- السمنة.
- أمراض القلب والأوعية الدموية.
- مرض السكري من النوع الثاني.
كيف تُحافِظ على صحتك النفسية والجسدية مع استخدام التكنولوجيا؟
يُمكِن مجابهة الآثار الضارة للتكنولوجيا باستخدامها بحكمة وعدم إفراط قدر المُستطاع، وقد تُساعدك النصائح الآتية في تحقيق ذلك:
- مسح أي تطبيقات وإزالة الأصدقاء الذي يُشعِرونك بتعاسةٍ أو حزن أو عدم ارتياح عمومًا.
- إلغاء الاشتراك في بعض النشرات البريدية عبر البريد الإلكتروني، فكُلّما كان عددها أقل، سهُل التعامل معها، وقلّت الحاجة إلى استخدام التكنولوجيا فترة طويلة.
- إغلاق صوت الإشعارات عندما لا تكون بحاجةٍ فعلية إليها.
- إذا تشتَّت انتباهك، فقد تستغرق 23 - 25 دقيقة في المتوسط للعودة إلى ما كُنت تفعله سابقًا، والعلم بذلك مع تثمينك لوقتك، كفيل بإبقائك منتبهًا لما تفعله بدلاً من أن تتشتت في التكنولوجيا.
- الديتوكس الرقمي كل يوم بضع ساعات، وهو قضاء بعض الوقت بعيدًا عن الشاشات.
- إغلاق كل الأجهزة الإلكترونية بحلول موعد النوم أو قبله بساعة، فهذا يجعل الجسم مُهيًّأً للانخراط في النوم دون أي مشكلة.