"أنهت التواصل البصري".. هل اختطفتنا "السوشيال ميديا" من أُسرنا وأصدقائنا؟
ساعات طويلة نقضيها جميعًا في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، لدرجة أننا في كثير من الأوقات أصبحنا نستبدل بحياتنا الطبيعية تلك الوسائل، فالتهاني بالمناسبات المختلفة تكون من خلالها، وإظهار الدعم في أوقات المشكلات أيضًا يكون من خلال "السوشيال ميديا"، وبذلك فقد اختفت بشكل تدريجي مختلف العلاقات الاجتماعية التي كانت تربطنا ببعضنا.
اختطفتنا وسائل التواصل الاجتماعي من أحضان أُسرنا وأصدقائنا، حتى بات التواصل البصري معهم محدودًا، بل معدوم، فالانخراط في نقاشٍ مهم في أثناء تصفّحك لوسائل التواصل الاجتماعي دون اهتمامٍ بالنظر إلى مُحاوِرك، يُضعِف علاقتك معه، ويُذهِب ببريق الصداقة بينكما حتى لو كان لديك ما لا يُحصَى من الأصدقاء في وسائل التواصل الاجتماعي، فكيف نستعيد التواصل البصري بيننا من جديد؟
هل صعَّبت وسائل التواصل الاجتماعي التواصل البصري؟
نقضي جلّ وقتنا في التحديق في الشاشات، ما يُؤدِّي إلى إجهاد العين، وزيادة قصر النظر، وأقلّ من ذلك الوقت الذي نقضيه في النظر إلى عيون بعضنا.
يستوي في ذلك حالنا ونحن نرفع صورًا على "إنستغرام"، نكتب منشورًا في "فيسبوك"، أو نردّ على تعليق أحدهم، فلا ينفكّ التطلُّع إلى الأجهزة دون الأفراد الجالسين معنا.
لذا فقد صعّبت وسائل التواصل الاجتماعي التواصل البصري بين الناس؛ ومن ثمّ يتعيّن علينا العمل بجدّية للتحدّث مع الآخرين وجهًا لوجه بدلًا من التحديق الذي لا ينتهي في الشاشات.
والحل مبدئيًا باختصار، بإراحة إبهامك، والتحدّث مع من تحبّ، جارك، صديقك، أو حتى شخصٍ غريب وجهًا لوجه.
لماذا التواصل البصري مهم عند الحديث؟
التواصل والسعادة قرينان لا ينفصلان عن بعضهما، وقد عُنونت دراسة بـ "ما الذي يجعل التواصل البصري مميزًا"، مُبرِزةً مدى أهمية التواصل البصري للتواصل نفسه، والسعادة أيضًا.
يُعدّ التواصل البصري شكلًا من أشكال لغة الجسد، بل هو أقوى أشكال التواصل غير اللفظي، وقد أزاحت وسائل التواصل الاجتماعي القدرة على المشاركة في التواصل البصري تمامًا، لا فقط استقباله من الآخرين.
ينشأ التواصل بين الناس، التعاطف، التفاهم، بل حتى الوقوع في الحب من التواصل البصري بالأساس، فالحفاظ على التواصل البصري مع شخصٍ آخر، يخلق تواصلاً لا واعيًا، ينقل إلى الطرف الآخر معلومات عن مشاعرك وحالتك النفسية.
لذا فإنّ ضعف التواصل البصري أو حتى غيابه، قد يكشف معانٍ عديدة غير مرغوبة، مثل:
- غياب الاحترام.
- عدم التقدير.
- فقد الشغف بالآخر.
ومن هنا تكمن أهمية التواصل البصري في بناء العلاقات، والحفاظ عليها مع الآخرين على أرض الواقع، لا في عالم وسائل التواصل الاجتماعي.
لماذا قد تتجنّب التواصل البصري؟
تتضاءل قدرتنا على التواصل البصري باستمرار مع الانخراط المتزايد في التكنولوجيا الرقمية، رغم ما ذُكِر من أهمية التواصل البصري.
فمثلًا يفحص مستخدم الهاتف المحمول الأمريكي هاتفه، ما يقرب من 52 مرة في اليوم الواحد، بحسب ما كشفته دراسةٌ عام 2018.
فنحن نتحقّق من حساباتنا على وسائل التواصل الاجتماعي مرارًا وتكرارًا خلال اليوم، ولا ننفكّ نُحدِّق في شاشاتنا طوال الوقت.
وقد عُنون مقال في علم النفس اليوم "Psychology Today" عام 2018 بسؤال "هل جعلتنا وسائل التواصل الاجتماعي أوقح؟" ثُمّ أُجيب على السؤال، بشهود أبحاثٍ مفادها أنّ هذه الوقاحة أو الفظاظة قد تكون بسبب نقص التواصل البصري مع الآخرين.
وهذا يعني أنّ إلقاء نظرة سريعة على إنستغرام، فيسبوك، أو البريد الإلكتروني، تزامنًا مع الانخراط في حوارٍ مع شخصٍ آخر قريبٍ منك، صار أمرًا عاديًّا ومقبولاً، كما أنّ التركيز في الهاتف الجوَّال دون إيلاء الاهتمام الكافي لمن تحاوره، يعكس تقليلنا من شأن التواصل البصري، أو بالأحرى عجزنا عنه في بعض الأحيان.
اقرأ أيضًا:كيف تؤثر لغتك الأم على طريقة تفكيرك؟
ما أمثل طريقة للتواصل البصري؟
يُوصِي الباحثون بجامعة ولاية ميتشيغان باتِّباع قاعدة 50/70 عند التواصل البصري في أثناء محادثتك شخص ما.
وتعني هذه القاعدة بالاتصال بصريًّا مع مَنْ تُحاوِره 50% من الوقت المفترض عندما تتحدّث مع شخصٍ ما، و70% من الوقت المُفترَض عندما تستمع إلى شخصٍ ما.
وقد نظّم الباحثون بعض القواعد كذلك للتواصل البصري، مثل:
- حاول بدء التواصل البصري قبل التحدّث، ثُمّ أمسِك عنه 4 - 5 ثوان في المرة الواحدة، أو 3 - 4 ثوان إِنْ كُنتَ تجلس مع مجموعة من الناس.
- لا ضرر في محاكاة الشخص الذي تتحدّث إليه، خاصةً الجوانب الدقيقة من لغة جسده، وذلك بمواجهته واتخاذ نفس وضعية جلوسه.
- لا تُحدّق طويلاً، فقد بيّنت الدراسات أنّ استمرار التواصل البصري أكثر من 10 ثوان، قد يُربِك من تُحدِّثه، ويجعله غير مرتاح، والمُفترَض أنّ التواصل البصري يُعزِّز العلاقة والشعور بالارتياح.
- إذا نظرتَ بعيدًا عن رفيقك، فلا يُنصَح بالنظر إلى الأسفل باستمرار في أثناء التواصل البصري، فذلك قد يُشِير إلى انعدام الثقة أو التوتر، وبدلاً من ذلك يُمكِنك النظر إلى السماء مثلاً أو أي موضعٍ سوى النظر إلى الأسفل.
كيف تُعزِّز التواصل البصري رغم وسائل التواصل الاجتماعي؟
ربّما يجدر بك تقليل الهوس بوسائل التواصل الاجتماعي، خاصةً إذا أضرّت علاقتك مع الآخرين في الواقع، ولأخذ زمام حياتك من جديد، وتجنُّب هوس التحقٌّق من الهاتف مرارًا وتكرارًا، يُفضّل اتِّباع النصائح الآتية:
- التقييد: يُمكِن تقييد الوقت الذي تقضيه في وسائل التواصل الاجتماعي من خلال إعدادات التطبيقات في الهاتف.
- أوقِف التنبيهات: صوت الإشعارات مُثِير للإمساك بالهاتف والتحقُّق من الإشعار؛ لذا إن كُنتَ في خضمّ حوارٍ مهم مع من تحبّ، يُفضّل وقف تنبيهات الهاتف الجوّال.
- لم لا تُرِيح الهاتف؟: خصِّص أوقاتًا من يومك بلا هاتف ولا ضجيج وسائل التواصل الاجتماعي، كوقت العشاء مثلًا، أو وقت النوم.
وفي الختام، لا ينبغي إهمال من يُحاوِرك حتى لو بدا مُتقبِّلًا لتحديقك في الهاتف في أثناء وجوده، فالتواصل البصري يُقوِّي الرابط بينك وبينه في مجابهة مشكلات الحياة.