تعرف على المرض الذي يقنعك بأن أهلك مزيفون!
في لحظة مرعبة لا تشبه الواقع، يرى المصابون بوهم كابجراس أحبّائهم أمامهم، يتعرّفون إلى ملامحهم جيدًا، لكنهم يفقدون أي شعور بالألفة أو العاطفة تجاههم، ليقتنعوا بأن هؤلاء الأشخاص تم استبدالهم بمحتالين متشابهين في الشكل، لكنهم ليسوا الحقيقيين!
تُعد هذه الحالة من أندر وأغرب الاضطرابات النفسية والعصبية، وقد جذبت اهتمام العلماء والأطباء منذ أن وصفها لأول مرة الطبيب النفسي الفرنسي جوزيف كابجراس عام 1923.
الدماغ يرى لكنه لا يشعر!
تُظهر الأبحاث الحديثة أن وهم كابجراس ناتج عن انفصال في دوائر الدماغ بين المنطقة المسؤولة عن التعرف البصري على الوجوه (في الفص الصدغي)، والجهاز الحوفي الذي يعالج الاستجابات العاطفية.
ويشرح الباحث البارز في هذا المجال، الدكتور هادين إليس من جامعة كارديف قائلًا: "المرضى يمكنهم رؤية الوجوه وتحديد أصحابها بدقة، لكنهم لا يشعرون بالألفة أو الارتباط العاطفي، وكأن الدماغ يتعرف على الشكل لكنه يفقد الإشارة العاطفية المرتبطة به".
وقد أثبتت تجارب استجابة توصيل الجلد هذه النظرية؛ إذ لا يظهر المصابون أي استجابة فسيولوجية عند رؤية وجه مألوف، على عكس الأشخاص الأصحاء الذين تتفاعل أجسامهم تلقائيًا.
اقرأ أيضًا دراسة: تلوث الهواء يؤدي إلى الإصابة بالأمراض النفسية
من يصاب بهذه المتلازمة؟ ولماذا؟
تظهر المتلازمة غالبًا لدى المصابين بـالفصام، أو الخرف، أو عقب إصابات الدماغ أو السكتات الدماغية، لا سيما تلك التي تؤثر على النصف الأيمن من الدماغ، وقد سُجلت حالات نادرة بين مرضى الصرع أيضًا.
ورغم ندرتها، فإن أعراضها شديدة الوطأة؛ إذ يمكن أن يتطور الشك المرضي إلى جنون عظمة، بل وقد يؤدي إلى سلوك عدائي تجاه أفراد العائلة أو الأصدقاء الذين يُعتقد أنهم "مزيفون".
ولا يوجد علاج قاطع لمتلازمة كابجراس حتى الآن، لكن الوصفة الطبية غالبًا ما تشمل مزيجًا من:
- أدوية مضادة للذهان
- العلاج السلوكي المعرفي
- الرعاية العائلية الداعمة
وفي الحالات المرتبطة باضطرابات عصبية كالإصابات الدماغية أو الخرف، يركّز الأطباء على علاج السبب الأساسي.
وقد أشارت مراجعة علمية نُشرت عام 2021 إلى أن التشخيص المبكر، ومشاركة العائلة، والروتين المنظم يساعدون في تحسين التعايش مع الحالة وتخفيف أعراضها المؤلمة.
اقرأ أيضًا ما أول مستشفى للأمراض النفسية بالوطن العربي؟
عندما تنهار الروابط الخفية بين القلب والعقل
في تعليق مؤثر، تقول عالمة الأعصاب الإدراكية ليزا كولثارت: "تكشف متلازمة كابجراس مدى هشاشة الصلة بين ما نراه وما نشعر به، إنها تذكرنا بأن هويتنا وعلاقاتنا ليست مجرد صور في الذاكرة، بل مشاعر تسكن بيننا وبين من نحب".
ومع استمرار البحث العلمي، يسعى المتخصصون لفهم أعمق لأسباب المتلازمة، وتطوير طرق فعالة للوقاية منها أو التخفيف من آثارها، لكن حتى ذلك الحين، يبقى نشر الوعي بها ضروريًا، خصوصًا بين العائلات التي تواجه واقعًا غريبًا لا يبدو حقيقيًا رغم كل الملامح المألوفة.