د.محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل»: «المهمات المستحيلة»
تتعدد محاولات التخلص من الموظفين غير المرغوب فيهم. والأسوأ حينما يكون ذلك الموظف من الكفاءات التي يشار إليها بالبنان. فالتخلُّص من السيئين أمره أسهل من وأد المتفانين في عملهم الذين ليس لديهم ذنب سوى أن عطاءهم المتدفق وإخلاصهم صار يشكل "تهديدًا" لضعاف النفوس والأداء.
فبدلاً من أن يروا في هؤلاء مساحة للتعاون المشترك والقفز بخطى ثابتة وسريعة نحو أهداف توافقية، تجدهم يضعون أمامهم العراقيل لتأخير تقدمهم.
لا شك أن محاربة الكفاءات تنبع من مشكلة ذاتية أو من عدم فهم كيفية التعامل مع شريحة تختلف عن السواد الأعظم ممن يؤثرون السلامة على المواجهة، ويقدمون المجاملات على المصداقية، حتى ولو كانت على حساب العمل وقيمه وسمعته.
اقرأ أيضاً: رجل الأعمال الإماراتي محمد علي الأنصاري: الشطارة في كسب الثقة… الانسحاب أهم قراراتي
حينما تشعر أن كرسيك أهم من قيمك وكرامتك في العمل، فقد بدأ العد التنازلي لانحدارك.
وأسوأ انحدار يتشكل بفقدان المرء ما تبقى له من احترام من حوله.
خصوصًا عندما يكتشفون أنهم أمام حالة وصولية أو انتهازية، مستعدة للتضحية بكل شيء في سبيل بقائها.
ولهذا يجد بعض المسؤولين مخرجًا يحفظ ماء وجههم باللجوء إلى ما أسميه «المهمات المستحيلة» لتطفيش الكفاءات.
فيغرقونهم في أعمال شاقة، ومواعيد تسليم مبالغ فيها، ليدفعوهم دفعًا نحو الفشل، وإعلان راية الاستسلام.
ثمة مسؤولون يلجؤون إلى هذا القرار إما تعسّفًا وإما على غرار "آخر الدواء الكي" وفي كلتا الحالتين تعسّف صارخ.
اقرأ أيضاً: رجل الأعمال حمود الهديب لـ«الرجل»: السمعة والمصداقية هما الركيزة الأساسية لأي عمل
هناك من يختار التشهير العلني (الخارجي) بخصم إذا ما أخفق في المهمة.
منها وضع موعد تسليم لمشروع في غاية الأهمية ومرتبط بسمعة المؤسسة أو ذي صلة بالشأن العام، كافتتاح مرفق عام، فإذا ما أخفق فستصبح خطيئته على لسان القاصي والداني، مثل إذاعة اسمه وربطه بفعالية معينة حتى إذا ما فشل وجهت إليه أصابع النقد.
التشهير باختصار فخ ينصبه المتحاملون للمخلصين في عملهم.
والنوع الثاني هو التشهير الداخلي عندما يخفق أهل الكفاءة في المهمات المستحيلة "المنصوبة" لهم.
ذلك أن التشهير الداخلي أقل خطورة ووطأة من التشهير الخارجي، لقلة عدد الجمهور.
ويروج داخليًّا بخبث لكبوات الشخص المرغوب في وأده، بوصفه المسؤول عن أمر ما، بل يبالغون في مدحه لرفع سقف التوقعات.
ويصل الأمر إلى إخبار مجلس الإدارة أو أعلى سلطة فيه، حتى يكون تشويه سمعته على أوسع نطاق داخلي.
اقرأ أيضاً: رجل الأعمال عمار شطا لـ«الرجل»: الحظ خرافة.. بدأت وحيدًا ثم بعت الحلم لزملائي
وإذا ما كان الإخفاق حليفه فلن يلام من قرر تسريحه. سواء كان الأمر فخًا داخليًا أو خارجيًا فهو مؤلم نفسيًا للكفاءات.
وإذا نجح صاحب الكفاءة في عبور نفق التحدي الدامس، وسط صدمة الجميع، فقد يُنصَب له فخ جديد؛ وذلك بوضع خطة لتحسين الأداء، بالتنسيق مع إدارة الموارد البشرية، وتكون أكثر قسوة، وربما فظاظة، حتى يتمكنوا من منحه تقييمًا متدنيًا يشفع لهم عند قرار تسريحه.
وأيًا كان الأسلوب، تبقى المهمات المستحيلة المقصودة خيارًا قاسيًا بحق من أفنى زهرة شبابه في خدمة المؤسسة، ولم يجد من يفهمه، أو يدرك أن الكفاءة ليست خامة عادية، فينبغي رعايتها والاهتمام بها، والتعامل معها على أنها جزء مكمل لأنشطتنا وليست تهديدًا لأرزاقنا، لأن الرزق بيد الله وحده.