د. محمد النغيمش يكتب لـ «الرجل»: بزوغ نجم الذكاء الاصطناعي
شاهدت قبل أيام كائنًا آليًا (روبوتًا) يعمل طاهيًا، يمكنه إعداد نحو 5000 وجبة بسرعة مذهلة. ومنذ أن اجتاحت العالم جائحة كورونا تنامى الحديث عن وسائل تمكن الإنسان من العمل عن بُعد، وعبر الاستعانة بآلات ومعدات تسهل حياتنا. فهذا الطاهي يستعين بذاكرته التي تُنمى بقوة كلما زادت حصيلة تجاربه أو معلوماته. وكذلك الآلات التي يتوقع أن تتسارع وتيرة تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي فيها. فبعد محاولات السيارات ذاتية الدفع، قرأنا في تقرير لمجلة MIT تكنولوجي ريفيو بنسختها العربية للباحث عمر عوض عن قرب تدشين شركة الكيماويات النرويجية "يارا" أول سفينة حاويات كهربائية بالكامل وذاتية التوجيه في العالم، إذ تتهيأ للبدء في تقديم خدماتها في عام 2022.
د. محمد النغيمش يكتب لـ « الرجل »: المحاورة والمناورة
ولم تعد تخلو شركة كبرى من وجود برنامج يستند إلى الذكاء الاصطناعي، الذي يمكنها من فهم الزبائن وتحليل بياناتهم وحسن التعامل معها. فكثير من القرارات تحتاج إلى مؤشرات وجيهة يمكن أن يستند إليها متخذ القرار، وهذا ما يقدمه الذكاء الاصطناعي. فقد تمكنت إحدى الدول قبل فترة من التنبؤ بالحوادث، وأماكن وقوعها، ومرات تكرارها في الطرقات. الأمر الذي سهل على متخذي القرار التعامل معها وتذليل العقبات أمام قائدي المركبات.
ولحسن الحظ لم يعد الذكاء الاصطناعي حكرًا على الشركات الكبرى مثل غوغل وفيسبوك، فقد انتقل إلى شركات متوسطة الحجم. وقد رأينا عددًا من الشركات التي توسعت في إدخال الذكاء في منتجاتها مثل المراسلات الفورية بين الزبائن وأجهزة الرد الذكية، وتحويل الفيديوهات إلى نصوص، وغيرها.
وقد شاركت عبر إحدى الشركات التي أمتلكها في صياغة محتوى لخدمة الرد الآلي بحيث يمكن لتلك الخدمة أن تخمن خيارات زبون البنك ثم ترد عليه تلقائيًا بالشكل المناسب لتلبية طلبه. ولا أتوقع أن يخلو مصرف أو جهة تتعامل مع جمهور كبير في المستقبل من تلك التقنية، لأنها توفر الوقت، وتتطور مع زيادة حجم المعلومات التي تزود بها.
وهذه هي فكرة الذكاء الاصطناعي. ولذا أظهرت دراسة أجرتها شركة الاستشارات "برايس ووترهاوس كوبرز" أن هناك شركات كبرى في الولايات المتحدة، تعد أن الذكاء الاصطناعي أصبح "تقنية رئيسة" لديها في عام 2021، بحسب تقرير مجلة MIT تكنولوجي ريفيو. ولذلك "يتوقع بعض الخبراء أن تعيد الشركات التقليدية إطلاق نفسها كشركات منصات"، تقدم الرعايات الافتراضية للزبائن.
وقد امتد الذكاء الاصطناعي إلى برنامج word حيث طورته شركة مايكروسوفت، إذ صار يقترح أسلوبًا أفضل أو أكثر رواجًا في صياغة العبارات العربية ويصحح بعض الأمور النحوية. وإن كانت التجربة جديدة لكنها واعدة.
وكذلك قدمت شركة عربية موقعًا رائدًا يحاول أن يحسن لغة العرب، ويمنح كاتبها درجة مئوية تعكس جودة الكتابة، ويستطيع الكاتب أن يختار الجمهور المستهدف كعامة الناس أو المختصين، فيكيف الموقع نفسه لتقديم مفردات لغوية تناسب الجمهور مثل تلك المستخدمة في اللغة الرسمية أو الودية (غير الرسمية)، وكيفية انتقاء الكلمات وصياغة العبارات، وهو موقع يشبه إلى حد كبير grammerly.com وهي تقنية تستند إلى الذكاء الاصطناعي، وأتوقع لها مستقبلاً باهرًا.
أما بشأن تحديات الذكاء الاصطناعي فإن جودتها تتوقف على طبيعة حجم ونوعية المعلومات التي نزوده بها. فهي أقرب إلى فكرة عقل الإنسان وما يتناهى إلى عقله وسمعه وبصره. ومن التحديات كذلك أن الآلة التي تعمل بطريقة عملية جدًا استنادًا إلى الذكاء الاصطناعي، قد لا تلقى النجاح نفسه في بلد آخر، لاختلاف البيئة أو الثقافات.
د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل»: حمّال الأسيّة
إذًا نحن نتحدث عن بزوغ نجم ذكاء عصري سيقلب موازين الأمور والمعاملات والعلاقات. من هنا فإن حكومات خليجية وعربية قد شرعت في توفير بعثات لدراسة تخصصات مرتبطة بمجالات الذكاء الاصطناعي. وقرأت إعلانًا في الكويت يعطي الأولوية لحملة خبرات أو شهادات في الذكاء الاصطناعي في التوظيف.
وفي أحد التقارير العالمية ذكر أن هذا النوع من الذكاء سيكون من أكثر التخصصات رغبة لتعدد أوجه الاستفادة منه.
ولذا فإن الحكومات مطالبة بالاستفادة من أطنان البيانات التي لديها لتوليد خدمات تسهل حياة الناس بالاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي.
وقد بلغ الذكاء الاصطناعي درجة من الإبداع الذي مكنه من الحصول على براءة اختراع، إذ منحت جنوب إفريقيا عام 2021 براءة اختراع لنظام ذكاء اصطناعي إبداعي. وهذه من الحوادث النادرة، التي لا يبدو أنها ستكون الأخيرة، فقد باتت الآلة الذكية تعمل بطريقة تنافس فيها الإنسان نفسه.