تعلم فنون الرد على المواقف الحياتية المختلفة
في حياتنا اليومية نمر بالعديد من المواقف، ونضطر في بعض الأحيان إلى اللقاء مع أشخاص، لا نود التعامل معهم، لكن في النهاية نحن لا نملك السيطرة على هذا الأمر باستمرار. لذا، يحتاج منّا الأمر إلى تعلّم فنون الرد حتى نقدر على التعامل مع هذه المواقف التي نمر بها في حياتنا.
لماذا نصنّف الرد فنّاً؟
لعل أول ما يتبادر إلى الذهن عند قراءة مصطلح فنون الرد، هو لماذا نصنف الرد فنّاً؟ نحن نعرف جميعًا ما الذي يعنيه الفن، وصوره المحددة في أذهاننا، مثل الرسم. لكن في الحقيقة هناك سبب لتنصيف الرد فنّاً...
السبب في ذلك هو أنّ فنون الرد هي وسيلة تساعد الإنسان في المواقف المختلفة، ولا توجد طريقة ثابتة للرد، بل يعتمد الأمر على الموقف ذاته. بالتالي، دورك الشخصي هو اختيار الرد المناسب وفقًا للموقف. وربما ما يناسبك أنت لا يناسب غيرك من الأشخاص.
أي إنّ فن الرد يعتمد على شخصك أنت، فلا توجد قاعدة ثابتة حول الطريقة المناسبة للرد. من هذا المنطلق يمكنك إدراك قيمة تعلّم فنون الرد والمكاسب التي قد تحصل عليها في حياتك من خلال ذلك، فالأمر يمتد إلى الحياة العملية قبل الشخصية.
على سبيل المثال، تخيّل وأنت في مقابلة شخصية وطُرح عليك سؤالٌ غريبٌ. عندما تبدأ التفكير في الإجابة، ستحاول الوصول إلى أفضل رد ممكن يناسبك، وفي هذا الموقف ستحتاج إلى فنون الرد حتى تختار الرد الأفضل. وقد يعتمد نجاحك في المقابلة على إجابة هذا السؤال. بالتالي تمثل فنون الرد مخرجًا حقيقيًّا للإنسان من المواقف المختلفة.
كيف تتعلم فنون الرد؟
حتى مع تصنيف الرد كفن، لكن يمكن تعلّم هذا الفن، من خلال اتّباع مجموعة خطوات تساعدك على ذلك. هذه الخطوات ضرورية، إذ بدونها ستجد أنّك غير قادرٍ على صياغة رد مناسب، حتى إذا كنت ترغب في ذلك.
1- الاستماع جيدًا: من المهم في تعلّم فنون الرد أن تركّز على تحسين قدراتك على الاستماع. وهذا الأمر شائع بكل أسف، أنّ الشخص يتجاهل ما يقوله الطرف الآخر، ويكتفي ببداية حديثه فقط ثم يبدأ بالتفكير في الرد المناسب. لكن يجب عليك تعلم الاستماع جيدًا، حتى تستمتع إلى جميع التفاصيل التي يقولها، وبالتالي يمكنك استيعاب ما يريد قوله واختيار الرد المناسب له.
2- التمهل قبل الرد: من أهم الأشياء التي تحتاج إليها في تعلّم فنون الرد هي التمهّل جيدًا قبل أي كلمات تصدر عنك. لا سيّما عندما يتعلق الأمر بالرد على محتوى من الإنترنت، مثلًا رسالة بريد أو تعليق على مواقع التواصل الاجتماعي. هذا التمهل سيساعدك على استيعاب الموقف بصورة أفضل، وبالتالي يكون رأيك أكثر وضوحًا.
3- الهدوء: إذا كنت معتادًا على العصبية، فأنت هكذا تدمّر فنون الرد كلّما سمحت لها بالظهور في نقاشاتك مع الآخرين. أولًا لن يتقبل أحد ذلك بسهولة، وبالتالي حتى إذا كان كلامك صحيحًا فمن المحتمل تجاهله. ثانيًا أنت نفسك مع التعصب تفقد تركيزك، وبالتالي لا تقدر على تقديم الرد المناسب.
4- الثقة بالنفس: ترتبط الثقة بالنفس مع فنون الرد كثيرًا، إذ كلّما كنت أكثر ثقة في ذاتك، لن تحتاج إلى إثبات شيء للآخرين، وبالتالي تركيزك يكون موجّها نحو اختيار الرد المناسب فقط، بدلًا من الشعور بالغضب من كلمات الآخرين وانتقاصك لهم مثلًا.
5- محاولة اكتساب المعرفة: الوصول إلى الردود المناسبة يحتاج إلى الثقافة والمعرفة، فلن يكون بإمكانك التعامل مع جميع المواقف، إذا لم يكن لديك معرفة عنها. لذا، احرص على تثقيف نفسك باستمرار، واستفِد من الأحداث الرائجة في محاولة اكتساب المعرفة، فتضمن من خلال ذلك أنّك تطوّر معلومات، يمكنك استخدامها ضمن فنون الرد في الوقت الحالي.
6- لكل مقام مقال: من المهم إدراك أنّ لكل مقامٍ مقالًا، بالتالي فأنت لست مضطرًا للتعامل مع الأمور التي تطرح في جلسة حوارية، بالطريقة ذاتها التي تتعامل بها مع محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي. سيساعدك ذلك على ضبط النفس جيدًا، ومن ثم اختيار الرد المناسب في المكان المناسب بالوقت المناسب.
كيف تختار الرد الأمثل في المواقف المختلفة؟
الخطوات الموجودة في الفقرة الماضية، هي الأساس الذي يمكنك بناء فنون الرد عليه. يتبقى لك استغلال هذا الأساس واستكمال البناء، من خلال اختيار الرد الأمثل في المواقف المختلفة. يمكنك فعل ذلك من خلال الخطوات التالية:
1- تقييم الموقف جيدًا: قبل أي شيء لا بد من تقييم الموقف جيدًا، والتفكير جيدًا هل يستدعي الموقف اهتمامك أصلًا أو لا؟ مثلًا محتوى طويل على فيسبوك يناقش أمرًا معينًا، هل من الضروري متابعته؟ أم أنّ هذا الأمر يخرج عن دائرة اهتمامك؟
2- التفكير في الصمت كرد مناسب: في الحقيقة يُعدُّ الصمت أحد أهم فنون الرد، لأنّ له معاني بليغة حقًا، وقد يساعدك على توصيل رسالتك إلى الآخرين بسهولة. لذا، فكّر دائمًا في الصمت كأحد الحلول المحتملة، وأنت بهذا تريح ذاتك من العناء وخوض معارك نقاشية، قد لا يكون لها فائدة.
3- لا تأخذ الأمور على المحمل الشخصي: الشيء الأساسي الذي يجعل تحقق الصمت صعبًا، هو أنّك تتعامل مع الكلمات على محمل شخصي، بينما هي قد لا تكون موجّهة إليك بالأساس. لذا، حتى تقدر على تعلم فنون الرد وتطبيقها في الواقع، فأنت بحاجة إلى عدم التعامل مع الأمور بطريقة شخصية، بل انظر إليها دائمًا على أنّها محتوى عام للجميع.
4- رتب كلماتك جيدًا: حسنًا ماذا لو قررت الرد؟ في هذه الحالة أنت بحاجة إلى ترتيب كلماتك جيدًا، بطريقة متناسقة ومترابطة معًا. إذ من أهم فنون الرد هي أن يكون كلامك مرتبًا، ويسهل فهمه من الآخرين، بالتالي تقدر على توضيح موقفك بطريقة سهلة، ويعرف الجميع ما تفكّر به بوضوح.
5- ادعم ردودك بالأدلة: لا تكتفِ فقط بالآراء المرتبة في محتواها، لكن اهتم أيضًا بدعم هذه الردود بالأدلة والبراهين. وجود الأدلة يعني خروج الأمر من حيز النقاش الشخصي، إلى حيز فحص ونقد هذه الأدلة، وإذا لم يكن ذلك متاحًا، فهذا يعني صدق الطرح الخاص بك، وبالتالي كسب نقطة قوية في الصراع مع الآخرين.
6- ركّز على السلوك لا الشخص: من أهم فنون الرد التي تساعدك، سواءً في مشكلات مع الآخرين، أو في توجيه نقد لهم، هي أن تركّز فقط على السلوكيات الخاصة بهم، مع تجنب الحديث عن أي شيء يتعلق بأشخاصهم. إذ التركيز على نقد السلوك، يجعلهم أكثر تقبلًا لما ستقوله، بينما توجيه النقد الشخصي يخلق حاجزا نفسيا، ويجعل الشخص رافضًا لتقبل ما تقوله، حتى إذا كان صحيحًا.
ختامًا، هناك العديد من فنون الرد، ما بين الهروب والمواجهة، ويعتمد اختيار الرد المناسب على طبيعة الموقف الذي تمر به. لذا، لا تتعامل مع كل المواقف بنفس الطريقة، بل حاول تطبيق الخطوات التي تحدثنا عنها، وانظر إلى كل موقف على أنّه حدث قائم بذاته، يحتاج إلى رد محدد؛ هكذا ستجد نفسك تتعلم فنون الرد لجميع المواقف الحياتية.