50% من القادة الجُدد يُخفقون.. كيف تُحقق انتقالاً قيادياً ناجحاً؟
تُعد لحظات انتقال القيادة من أهم اللحظات المحورية في مسيرة أي مؤسسة، ورُغم ذلك، وجدت العديد من الدراسات أنها عادة ما تتم بطريقة خاطئة، ولهذا لا عجب أن 50% إلى 60% من المديرين التنفيذيين يُخفقون في إدارة مؤسساتهم في أول 18 شهراً من توليهم لمناصبهم، بحسب إحدى الدراسات.
فما هي أفضل طرق الانتقال الفعال وأفضل الممارسات في تغيير القيادة؟ وكيف تتم عملية التخطيط لتجاوز التحديات؟ وكيف يتم قياس نتائج تلك العملية؟ أسئلة سنتعرف على إجاباتها في السطور التالية.
ما هي عملية انتقال القيادة؟
عملية انتقال القيادة تعني تسليم صاحب العمل أو القائد القديم الراية إلى قائدٍ آخر، وهي عملية يترتب عليها تحولٌ كبير في مسار المنظمة، وقد تحدث بشكلٍ طبيعي مُمنهج، يُتاح فيه الوقت الكامل للتخطيط، أو بشكل فُجائي مملوء بالتحديات ويحتاج تركيزاً حادً، وفي جميع الحالات يجب أن تكون تحولات القيادة مدروسة جيداً، لئلا يترتب عليها عواقب وخيمة قد تُودي بالمؤسسة بأكملها.
وتحدث عملية انتقال القيادة لأسباب مختلفة، مثل الترقيات أو التقاعد أو عمليات إعادة الهيكلة، كما تُعرف بأنها فترة حرجة لا يمكن أن تحدث بشكل اعتباطي، وطبعاً يُمكن أن يكون القائد الجديد من داخل المنظمة أو من خارجها، وفي المؤسسات المُعتبرة غالباً ما يتم تدريبه قبل أن يحل محل سلفه.
أهمية الانتقال الفعال للقيادة
عندما لا تتم هذه العملية بالطريقة الصحيحة، فغالباً ما يُخفق القادة الجُدد في تحقيق الأهداف المتوقعة منهم، وهذا يعود بالسلب على المؤسسة بأكملها، وكلما كانت إدارة تغيير القيادة سيئة، زادت احتمالية الإخفاق، وإليك إحصائيةٌ ثانية تعكس ذلك، هذه المرة من شركة الاستشارات الشهيرة McKinsey & Co، ومفادها أن 46% من عمليات انتقال القيادة تكون فاشلة أو مُخيبة للآمال بعد عامين من تولي القادة الجُدد للسلطة، ولكن لماذا يا تُرى؟
لماذا يُخفق بعض القادة الجُدد مُبكراً؟
بحسب الخبراء فإن هناك 4 أسباب رئيسة لذلك:
1. غياب المنظور الواضح وعدم معرفة ما الذي تريده المؤسسة بالضبط.
2. غياب المهارات المحورية مثل الاستماع إلى الموظفين، وعقد الشراكات مع أصحاب المصالح، إلخ.
3. غياب الاستراتيجية، وعدم مشاركتها مع الفريق إن وُجدت.
4. التعنت وعدم المرونة، لا سيما بين المديرين غير المُخضرمين أو الذين يريدون إثبات مكانتهم عنوة أو يشعرون بشيء من النقص.
اقرأ أيضًا: للمديرين التنفيذيين.. نظريات مشهورة تختصر خبرات الإدارة لاعتلاء قمة النجاح
استراتيجيات انتقال القيادة الناجحة
بعد أن تعرفنا على أهمية الانتقال الفعال للقيادة، حان وقت التخطيط للأمر، وهنا نتعرف في 7 خطوات على خلاصة مجموعة استراتيجيات ناجحة يُوصيك بها الخبراء كقائد، لتحقيق عملية انتقال سلسة وفعالة للقيادة.
1. تقييم الوضع بتأنٍ
تبدأ العملية بالتقييم الجيد لوضع المؤسسة، عن طريق فهم تاريخها، والاطلاع الواعي على أعمالها ورؤيتها، والتعرف على موظفيها، وما إلى ذلك من المسح الشامل المتأني للوضع، ويجب عليك بوصفك قائداً أن تكون على علمٍ وثيق به، ومن ثم عليك مع فريقك تقييم القائد الجديد، واسأل: هل هو الشخص المناسب لتولي هكذا مسؤولية؟ هل سيستطيع تحقيق النتائج المرجوة منه؟ وإن لم يفعل، ما الخطة البديلة؟
وأنت بوصفك قائداً جديداً اطرح الأسئلة نفسها، وأضف إليها: على أي أساس سيتم تقييمي؟ ما هي نقاط القوة والضعف والفُرص والتهديدات (يُعرف هذا بتحليل سوات SWOT Analysis)؟ ما الذي سأضيفه؟ هل عليّ أن أضيف شيئاً أساساً أم أن مهمتي ستكون الحفاظ على الوضع كما هو عليه؟ أيضاً حاول أن تلتقي بالفريق وبأصحاب المصالح بشكلٍ دوري، ولا بأس أن تطلب Feedback.
2. الاستماع جيداً وعدم التعجل في اتخاذ القرارات
لا أحد يحب التغييرات المفاجئة، خاصة إذا كانت على مستوى القيادة، ولذلك فمن الأفضل دائماً أن تتجنب التغييرات الجذرية لمدة 3 أشهر بعد توليك المنصب، وبدلاً من ذلك، حاول أن تُنصِت بشكلٍ فعال لأهم ما يُقال، وحاول أن تجتمع بمديري الأقسام والمسؤولين وتتشاور معهم قبل تطبيق التغييرات؛ هكذا ينصح المؤلف الأكثر مبيعًا "مايكل د. أبراشوف- Michael D. Abrashoff"، صاحب كتاب "It’s Your Ship"، قائلاً: "يُعطي القادة الفعّالون الأولوية للفهم قبل إجراء التغييرات".
3. ترك انطباع أولي إيجابي
جميعنا نعرف مدى أهمية الانطباعات الأولية، وكقائدٍ جديد، عليك أن تترك انطباعاً يليق بالمكانة التي تريد أن تضع نفسك بها، وذلك قد يكون بالتبسّم الدائم في وجه الموظفين، أو بالتحدث بنبرةٍ واثقة، ويا حبذا لو أصلحت أشياء كانت مُستعصية على المديرين السابقين؛ هذه الأخيرة تحديداً ستجعل فريقك يثق بك لدرجةٍ لا تتصورها، ولكن احذر؛ لا تتحدث بالسلب أو تلقِ اللوم على القيادة السابقة، فهذا السلوك قد يأتي بنتيجةٍ معاكسة تماماً.
4. الاستعداد لسيناريوهات البداية
من الوارد جداً أن يتغير الموظفون في بدايات المراحل الانتقالية، بل من الوارد أن يتغير قادة الأقسام أو الفرق أنفسهم، وهذا يحدث عادةً في خلال الأشهر الثلاثة إلى الخمسة الأولى، لا تقلق، هذا جزء طبيعيّ من العملية الانتقالية، وليس له علاقة بأي حال بقدراتك القيادية، تذكر أن التغيير جزءٌ من النمو، لا تأخذ الأمور على محملٍ شخصي.
5. البحث عن الاستدامة
لا تتحمس زيادةً عن اللزوم فتضغط فريقك وتحرقهم وظيفياً، ولا تترك الحبل على الغارب، كما يقولون، فيتقاعس فريقك عن العمل، فالقائد الحقيقي هو الذي يعرف كيف يوظف طاقات فريقه حسب المواقف والتحديات، وهو الذي يعرف أيضاً كيف يشجعهم ويدعمهم، والخلاصة، سر بمبدأ خير الأمور الوسط ليستديم العمل.
اقرأ أيضًا: الإدارة المالية الفاشلة للأعمال.. مفهومها والأسباب والعواقب
6. القيادة بأسلوبك
لا يعني نجاح المؤسسة تحت القيادة السابقة أن تتبع النهج والأسلوب نفسه في القيادة، فلكل قائد أسلوبه الخاص الذي قد يندم إذا تخلى عنه، ولكن هذا لا يعني بالطبع أن تتجاهل الممارسات الجيدة لمجرد أن القائد السابق كان يتبعها، فنحن هنا نتحدث عن أسلوب القيادة نفسه وليس الممارسات.
7. كسر الجليد
غالباً ما يترتب على التغييرات الجذرية فترة مليئة بالتوترات، ولذلك فمن الواجب عليك كقائد أن تكسر هذا الجليد (Icebreaking)، عن طريق عمل أنشطة ترفيهية أو أي شيء تراه مناسباً، حسب البيئة التي تتواجد فيها والأشخاص الذين يشغلونها.
تحديات انتقال القيادة!
على الرغم من الوعود الكبيرة التي تحملها عملية انتقال القيادة، فإنها أيضاً تأتي بتحديات مُستعصية، وعلى رأسها:
1. مقاومة التغيير: نظراً للتوترات المُصاحبة للتغيير، قد يُقاوم الموظفون وأصحاب المصالح عملية انتقال القيادة، مما قد يؤدي إلى إبطالها أو في أفضل الحالات تأجيلها.
2. الافتقار إلى المعرفة المؤسسية: خاصةً وإن كان القائد الجديد من خارج المنظومة، فالمعرفة المتمثلة في التعرف على المؤسسة وموظفيها وأصحاب المصالح معها ضرورية جداً كما ذكرنا، وبدونها لا يمكن لأي قائدٍ أن ينجح.
3. التغيرات الثقافية: من الوارد أن يأتي القائد الجديد بثقافة مختلفة عن سابقه، خاصةً لو كان من خارج المؤسسة أيضاً، مما سيحتاج إلى وقت للتأقلم، في ذلك الوقت، عليك كقائدٍ جديد أن تُشعر الموظفين بالأمان وتدعمهم حتى يعتادوا أسلوبك الجديد.
4. الافتقار إلى التواصل: وهذا التحدي إذا اجتمع مع سابقه فسيكون مصير القائد الجديد وعملية تسليم السلطة برمتها هو الفشل الذريع.
قياس نجاح انتقال القيادة
بحسب تقارير شركة McKinsey، فإن التحولات القيادية الناجحة ترتبط بتحقيق 90% من فِرَق القادة الجُدد للأهداف على مدى 3 سنوات، أما في حال حدوثها بشكلٍ خاطئ، فإن مشاركة الموظفين تنخفض بنسبة 20% وأداءهم بنسبة 15%، وهذا يُمكن اعتباره المقياس الأول والبديهي للأداء وتحقيق الأهداف.
ثانياً، هناك فرق في الأداء يُقدّر بنسبة 31% بين فِرق القادة الذين يمتلكون استراتيجية واضحة، والقادة الذين يُسيّرون الأمور بدون رؤية أو هدف محدد، ولذلك فإن المقياس الثاني لنجاح عملية انتقال القيادة هو الاستراتيجية الواضحة.
ثالثاً، يجب على جميع القادة الأكفاء أن يكونوا قادرين على تقييم أنفسهم؛ يعرفون مكانتهم الحالية والمكانة التي ينشدوها في المستقبل وذلك قبل أن يتسلّموا مناصبهم الجديدة من الأساس، ومن ثم يُقيّمون مدى تطورهم وأعمالهم بطريقةٍ صحيحة.
رابعاً وأخيراً، يعكس رضا الموظفين وأصحاب المصالح، أو المستفيدين، مدى نجاح عملية انتقال القيادة، مع الأخذ في الاعتبار أن المسألة قد تستغرق بعض الوقت، خاصة إذا تسلّمت منظومة هشة من القائد السابق؛ فقط تأكد من امتلاكك لاستراتيجية مدروسة وواضحة، وراقب الأمور بعد فترة، وتأكد أنها ستتحسن.
فعمليات انتقال القيادة شيء أساسي بكل الأعمال تقريباً، وعليها يترتب مستقبل المؤسسة لفترة قد تطول أو تقصر، ولذلك، يجب أن تتم هذه الخطوة بطريقة مدروسة وتخطيطٍ شامل، لضمان أكبر فرص ممكنة من النجاح.