شروط نجاح القيادة: أتقن التبسيط واستخدم استراتيجيات إدارة "التعقيد"!
تعمل الشركات اليوم في عالمٍ يزداد تعقيدًا؛ عالم تتطور فيه التكنولوجيا بوتيرة قد تكون مخيفة للبعض، بينما باتت احتياجات العملاء تتغير بسرعات كبيرة، وأعداد المنافسين الجدد لا تكاد تتوقف عن النمو المتزايد، إنه الواقع الذي فرضته الرأسمالية، والذي يفرض بدوره نوعًا من التعقيد يعيق الإنتاجية، ويحول الموظفين إلى ماكينات فاقدة للحس الإبداعي ولكل أنواع الشغف.
وبحسب دراسةٍ أجرتها "Harvard Business Review" في 2015، شملت 749 مديرًا للأعمال، فإن 86% منهم يعتقدون أن عمليات ومراحل صنع القرار في شركاتهم أصبحت مُعقدة للغاية لدرجةٍ تعيق النمو.
وفي دراسةٍ أجرتها شركة الاستشارات الشهيرة "ماكينزي" في 2019، فإن الأشخاص يضيعون نحو 37% من وقتهم في اتخاذ القرارات، وهذا وقتٌ كبير جدًا، لأن ما يزيد على نصفه ليس فعالاً.
هل يزداد التعقيد في الشركات فعلاً؟
اقرأ أيضًا| "الابتكار والجرأة".. كيف تنجح "حملات التسويق المجنونة" في جذب الانتباه؟
حسب المؤلف الرئيس للدراسة، "يفيس موريو"، مدير معهد التنظيم التابع لمجموعة بوسطن الاستشارية، فإن التعقيد في الأعمال التجارية قد زاد بمقدارٍ يفوق الـ 6 أضعاف خلال العقود الستة الماضية.
ويُفسر "موريو" الطريقة التي وصل بها إلى هذه النسبة قائلاً: "أنشأنا مؤشر تعقيد، وقمنا بقياس تطوره عبر عينة من الشركات"، وأضاف: "يعتمد هذا المؤشر على عددٍ من المتطلبات التي يجب على الشركات تحقيقها، من أجل بناء ميزة تنافسية، وخلق قيمة لأصحاب المصلحة".
بشكلٍ عام، وبسبب العديد من العوامل، مثل التغيرات في السوق واحتدام المنافسة، تحاول الكثير من الشركات اليوم أن تُعدّل عملياتها، وتتكيف مع المستجدات، مما يزيد من درجة التعقيد، صحيحٌ أن التعقيد في هذه الحالة يكون غير مقصودٍ، ولكنه يظل تعقيدًا يجب التعامل معه بطريقة ما.
لماذا يُعد التعقيد في الشركات سيئًا؟
في البداية، يجب أن نعرف أن التعقيد في الشركات لا يُشترط أن يكون سيئًا؛ الفكرة فقط في كيفية إدارته والتعامل معه، فإذا نظرنا للأمر من الناحية الإيجابية، سنرى أن "التعقيد المؤسسي"، إن صح التعبير، يُعد أمرًا أساسيًا لنجاح الشركات في هذا العصر، بل قد يكون ضروريًّا لتحقيق الميزة التنافسية التي يسعى وراءها الجميع.
لكن على الجانب الآخر، فإن التعقيد الذي يواجه الموظفين بشكلٍ مباشر، مثل عدم وضوح مهامهم وأدوارهم، ووجود بيروقراطية لا فائدة حقيقية منها، يمكن أن يؤدي إلى تقليل الإنتاجية وقتل الروح الإبداعية داخل الكثيرين.
يُمكن أن يؤدي عدم إدراك هذا الفارق؛ بين التعقيد الضروري الذي يسهم في تحقيق ميزة تنافسية، والتعقيد غير الضروري الذي يعيق الكفاءة، إلى عواقب وخيمة على المؤسسة، والإدارة الفعالة للتعقيد تتطلب نهجًا متوازنًا، ومن حسن الحظ أن هناك أكثر من طريقة لتحقيق هذا التوزان، أو على الأقل تقريب المسافات بين نوعي التعقيد المذكورين.
لعل الحل الأمثل هو تهيئة الموظفين أنفسهم للتعامل مع التعقيد، بالإضافة إلى استخدام الاستبيانات لتحديد المواضع التي تكون فيها العمليات معقدة وضرورية، ومعقدة وغير ضرورية.
اقرأ أيضًا: ما هي استراتيجية كانبان وكيف تُحسن الإنتاجية وتقلل الهدر؟
كيف تتغلب على التعقيد؟
حتى تتغلب على النوعِ السيئ من التعقيد، ومن ثم تزيد إنتاجيتك وتحقق النتائج المطلوبة، عليك اتباع عدة استراتيجيات ونصائح، منها:
1. التواصل الواضح:
يجب على القادة أن يكونوا واضحين بشأن أهداف الشركة، وأن يشرحوا كيف يمكن أن يسهم دور كل فرد في تحقيق هذه الأهداف، حتى يشعروا بالدافع، وليكون الجميع على الخط نفسه كما يقولون، دائمًا أعطِ موظفيك أسبابًا، فإذا أردت أن تطلب منهم العمل باجتهاد أكبر لزيادة المبيعات. مثلاً، حاول أن تربط هذا الهدف بهدفٍ أسمى.
وبحسب دراسة أجرتها شركة الاستشارات العالمية "Watson Wyatt Worldwide"، في عام 2010، فإن الشركات التي تتواصل بشكلٍ جيد تُحقق أرباحًا تزيد بنسبة 47% عن تلك التي لا تفعل ذلك.
وإذا كنت تتساءل عن العلاقة المباشرة للتواصل الواضح بتقليل درجة التعقيد، فإن وجود بيئة تُشجع على طرح الأسئلة، وتبادل الآراء يُعزز النقاش بين أعضاء الفريق، وعندما يحدث ذلك، يُدرك أعضاء الفريق أنهم محل تقدير، ومن ثم يشاركون أفكارًا جيدة، عادةً ما تؤدي إلى طرق مُبتكرة، تجعل بيئات العمل أقل تعقيدًا.
2. تبسيط العمليات:
نصيحة متوقعة، والمقصود بها تقليل الاجتماعات غير الضرورية، ووفقًا لـHarvard Business Review، فإن 71% من المديرين الكِبار يعترفون بأن الاجتماعات تميل لأن تكون غير مُجدية، فخلق بيئة عمل أكثر انسيابيةً ومرونةً وإبداعًا، إلخ، من الأمور التي قد تجعل العمليات أكثر سلاسة وودية.
على سبيل المثال، إذا واجهتك مشكلة ما، سل نفسك: هل يمكن حل هذه المشكلة عبر البريد الإلكتروني أو عبر رسالة شخصية سريعة للموظف مباشرة؟ لا داعي لاتباع إجراءات بيروقراطية تتمثل في إخبار مسؤول الموارد البشرية أو مسؤول القسم الفلاني لإخبار الموظف بملحوظة بسيطة؛ أخبره بنفسك إذا كان الوقت سانحًا واختصر الطريق.
اقرأ أيضًا: لماذا قلصت الشركات إنفاقها على التسويق عبر مواقع التواصل؟
3. تعزيز ثقافة اتخاذ القرار بثقة:
تعرقل البيروقراطية المُعقدة عملية اتخاذ القرارات السريعة، وقد تؤدي إلى تفويت الكثير من الفرص المهمة، لهذا السبب يجدر بالقادة والمسؤولين أن يُشعروا الموظفين بأن آراءهم موثوقة بها، وأن أفكارهم محل تقدير حتى يتخذوها بسرعة عند الحاجة من جراء أنفسهم.
سيحصل هذا الأمر عندما يتأكد المسؤولون من أهمية اتخاذ قرارات سريعة في بعض الأوقات، بل إن هذه القرارات قد تُعد من المميزات التنافسية التي تُعلي كفتهم على كفة منافسيهم.
4. إعداد نظام لفرز المهام:
لا تقتصر أهمية هذه الخطوة على فكرة التنظيم فقط، وإنما تمتد لتُبسط التعقيد الذي قد يواجه الموظفين والإدارات المختلفة.
عليك أن تُرتّب المهام وتصنفها وفقًا للأهمية، وسيساعدك استخدام أدوات مثل "مصفوفة أيزنهاور- Eisenhower Matrix" على فعل هذا الأمر بكل سهولة.
5. التدريب المستمر:
واحدة من أهم النصائح لتبسيط العمليات على الإطلاق، فاستثمر في تدريب موظفيك، وطور من مهاراتهم عن طريق وضعهم أمام الكثير من التحديات مباشرة، فلا شك أن الفِرق المُدربة أكثر قدرة على التعامل مع المشكلات والتحديات المختلفة من الفرق غير المُدربة.
وفي النهاية فإن التعامل مع التعقيدات وتبسيطها يتطلب أدوات وأساليب فعالة تختلف من طبيعة عملٍ لآخر، لكن هناك بعض الأساسيات، مثل النصائح المذكورة، إذا طبقتها، ستجد أن الكثير من الأمور باتت واضحة أمامك وأمام الموظفين.
فقط تذكر أن المفتاح هو التعامل مع التحديات والمستجدات أولًا بأول، وهذا يحتاج منك أن تظل مُتيقظًا، وأن تكون هادئًا ومتيقنًا من أن العبقرية تكمن في البساطة وليس التعقيد.