إعادة الهيكلة المالية للشركات في زمن كورونا.. الحل البديهي أم الأخير؟
رد فعل الحكومات حول العالم لمواجهة فيروس كورونا أدى إلى إغلاق غالبية القطاعات ومن ضمنها القطاعات الاقتصادية ما أثر وبشكل سلبي على الاقتصاد العالمي وراكم خسائر تقدر بالمليارات.
الواقع هذا خلق مشاكل حادة بالسيولة لعدد كبير من الشركات في وقت ما زال قطاع الشركات يتمتع بفاعلية مالية عالية في جميع القطاعات. وخلافاً لأزمتي عام ٢٠٠١ و عام ٢٠٠٨ اللتين أثرتا على عدد محدود من الشركات التي وجدت نفسها تعاني من ضائقة مالية، فإن الأزمة الحالية سببت أزمة مالية لعدد لا يعد ولا يحصى من الشركات حول العالم.
الخطة «أ» لغالبية الشركات كانت العمل ضمن قيود اتفاقيات التمويل القائمة الخاصة بها، والتي تعني لناحية التطبيق سحب أكبر قدر ممكن من خطوط الائتمان. وخطوط الائتمان هي اتفاق بين مؤسسة مالية، عادة مصرف، وعميل يحدد أقصى مبلغ يستطيع العميل اقتراضه طالما يفي بالمتطلبات المفروضة عليه كسداد الحد الأدنى المطلوب منه في الوقت المحدد.
ولكن حين يجفّ هذا المصدر وغيره من المصادر ستجد الشركات بأن حاجتها للسيولة، بالإضافة إلى الضغوطات لجني الأرباح ستجعل الرافعة المالية العالية في وضعية مكشوفة ولا يمكن الحفاظ عليها خصوصاً مع إعادة الفتح الجزئي للقطاعات الاقتصادية. وفي هذه الحالة إعادة الهيكلة المالية هي الحل والخيار الوحيد المتاح.
إتيكيت الاجتماعات عن بعد.. ما يجب فعله وما يجدر تجنبه خلال مكالمات الفيديو
ما الذي تتضمنه إعادة الهيكلة المالية؟
بشكلها الأساسي، إعادة الهيكلة المالية هي عملية إعادة التفاوض حول العقود الأساسية للشركة. الشركات بشكل عام هي عبارة عن وشائج من العقود وهي عقود تشغيلية مثل عقود المشاريع المشتركة، عقود الموظفين، عقود مع المزودين، بالإضافة الى العقود المالية والتي هي اتفاقيات القروض والتسهيلات المالية القصيرة أو طويلة الأمد وغيرها من الاتفاقيات المرتبطة بالبورصة. وما يهمنا هنا هو العقود المالية.
إعادة التفاوض حول العقود المالية يساعد الشركات التي تعاني من أزمة سيولة بطريقتين، الطريقة الأولى تسمح لها بإعادة تنظيم الأعباء المالية والتعاقدية المرتبطة بالالتزامات المالية كي تتناسب مع التدفقات النقدية، أما الطريقة الثانية فهي تسهيل ضخ الرأسمال الجديد في الأعمال.
إعادة الهيكلة المالية يمكنها أن تتم خارج إطار المحاكم أو من خلال المحاكم، وبطبيعة الحال إعادة الهيكلة المالية للشركات خارج إطار المحاكم أقل تكلفة وإن كانت أكثر تعقيداً.
أهمية إعادة الهيكلة خارج إطار المحاكم
تحقق عمليات إعادة هيكلة الشركات المتعثرة خارج إطار المحاكم العديد من الفوائد وذلك لأنها تسمح للشركات القادرة على الاستمرار في ممارسة أنشطتها والتي تواجه صعوبات مالية مؤقتة بإعادة هيكلة ديونها أو أنشطتها أو كليهما والاستمرار في العمل في الوقت عينه. كما أنها توفر عائدات أعلى للدائنين مقاربة بالإجراءات الرسمية عبر المحاكم لأنها تستغرق وقتاً وتكلفة أقل.
الوقت أساسي وهام هنا، لأن الشركات تعمل ضمن هامش زمني ضيق لإنقاذ نفسها بعد أن جفت كل المصادر. ولعل النقطة التي تهم كل الشركات هي أن إعادة الهيكلة المالية خارج نطاق المحاكم يعني أن التعامل مع الديون سيتم بشكل سري بعيداً عن الإعلام وما قد ينتج عن ذلك من ضرر لصورة الشركة.
ما أهمية رضا العملاء؟ وكيف تقيسه وتعززه ؟
كيف يتم تنفيذها؟
إعادة الهيكلة المالية خارج نطاق المحاكم تتطلب موافقة بالإجماع من الدائنين على التغييرات كالفائدة المفروضة على الديون أو استحقاقها. وهكذا إجماع يصعب الحصول عليه خصوصاً حين تتصادم مصالح المساهمين والدائنين. ولكن حين يرى الدائنون أن البديل لصفقة تفاوضية له نتائج سلبية على مطالبهم فإن معدل التجاوب سيرتفع. فما هي الأدوات التي يجب اللجوء إليها خلال هذه المرحلة؟
تنازل أو تعديل لاتفاقيات الديون
عادة الخطوة الأولى في إعادة الهيكلة المالية، خصوصاً في حال كانت مشكلة السيولة غير حادة بشكل كبير هي البحث عن إعفاء مؤقت من بعض إتفاقيات ديون الشركة أو إعادة عقد اتفاقيات مع الجهات المانحة ضمن أطر الالتزامات الحالية بهدف تعديل الأساسيات في الاتفاقيات.
تبادل الدَّين بالدَّين
في حال لم يكن التعديل ممكن فإن تبادل الدين بالدين يمكنه أن يسهل عملية إعادة الهيكلة المالية. هنا على الشركة الوصول الى اتفاق مع الدائنين باستبدل الالتزامات الحالية بالتزامات جديدة بمبلغ أقل وفائدة أقل أو بديون على مدة زمنية أطول أو حتى مزيج من كل هذه الأمور.
دين جديد أو تمويل الأسهم
بعض الشركات تمكنت من القيام بإعادة هيكلة مالية من خلال قروض جديدة ساهمت بزيادة السيولة . يمكن للشركات أيضاً زيادة الأسهم الجديدة التي تمكنها من تسديد الديون أو تمويل التزامات الشركة المالية، ولكن المقاربة هذه تضعف مصالح المساهمين الحاليين ما لم يشاركوا في الأسهم الجديدة.
كخيار بديل الشركات تعتمد على مقاربة «هجينة» قائمة على مبدأ تحويل السندات إلى أسهم وهي المقاربة الأكثر نجاحاً والأقل تكلفة على الشركة.
إلغاء الديون من خلال شراء القروض
عوض ضخ المزيد من رأس المال في الشركة على شكل مال نقدي فإن حاملي الأسهم يمكنهم الاتفاق على شراء دين الشركة والذي عادة يتم بخصم على القيمة الاسمية للدين ثم إلغائه مقابل حصولهم على أسهم إضافية.
بيد أن المشكلة التي قد تواجهها الشركة هنا هو الفرق بين القيمة الاسمية والسوقية للأسهم. فالقيمة الاسمية والتي تكون محددة في عقد التأسيس تختلف عن القيمة السوقية والتي هي قيمة السهم في سوق المال والتي قد تكون أكثر أو أقل من القيمة الاسمية أو القيمة الدفترية.
ما يعني أن التركيز خلال الفترة الراهنة يجب أن يكون على العائد المتوقع لكونه يمثل القيمة الحقيقة للأسهم.
إعادة الهيكلة المالية عبر المحاكم
هناك عدة مسارات لإعادة الهيكلة المالية عبر المحاكم وذلك لأن القوانين تختلف بين دولة وأخرى. في بعض الدول يحق للشركة إعلان إفلاسها ثم طلب إعادة الهيكلة المالية وفي دول أخرى يمكن التقدم بطلب إعادة الهيكلة من دون إشهار الإفلاس.
إشهار الإفلاس يكون حين لا تتمكن الشركة من سداد أقساط القروض من خلال النقد الموجود لديها فتلجأ إلى بيع بعض أصولها وعندما لا تستطيع هذه الأصول تغطية القرض تضطر الشركة إلى إشهار إفلاس. وفي الواقع لا علاقة لحجم وقيمة الأصول بإعلان الإفلاس، فالشركة قد تملك أصولاً قيمتها أكثر من الديون ولكنها مفلسة وذلك لأن الإفلاس يرتبط بالملاءمة المالية أي القدرة على التسديد في المواعيد المحددة.
الدائنون من جهتهم يفضلون تجنب إعلان الشركة لإفلاسها وبالتالي يلجأون منذ الوهلة الأولى، لحماية أنفسهم، بنقل تكلفة الإفلاس نحو المساهمية وذلك برفع معدل عوائد الاستثمار في سندات المؤسسة أو برفع فوائد القروض لصالحهم.
ولأن إعلان الإفلاس عملية معقدة فيها تضارب كبير في المصالح فإن المحكمة هي التي تقرر ما إن كان يمكن للشركة إشهار إفلاسها والقيام بإعادة الهيكلة المالية . في حال قررت المحكمة قبول طلب إعادة الهيكلة حينها تقوم بتعيين لجنة من الخبراء للمساعدة بإعداد خطة إعادة الهيكلة المالية كما أنها تعين مدققين ماليين للمساعدة في تسيير أمور الشركة حتى توفي بالتزاماتها.
لكن المرحلة هذه هي مرحلة جمود إذ لا يحق لأصحاب الشركة أو المديرين أو الموظفين القيام بأي وظائف تتعلق بالجانب المالي أو الإداري للشركة كالتصرف في أصول الشركة أو بيع وشراء أسهم أو الحصول على قروض من بنوك أخرى دون أخذ موافقة الخبيرالذي عينته المحكمة.
بشكل عام إعادة الهيكلة المالية هنا تسلك عدة طرق أولها وأهمها هو تعديل تواريخ استحقاق الديون وتأجيل السداد بعد موافقة الجهات الدائنة منح الشركة آجالاً إضافية وهذا ما عادة يحدث لأنه وكما سبق وذكرنا الجهات الدائنة تفضل عدم الدخول في معمعة إشهار الشركة لإفلاسها لأنها بهذه الطريقة تضمن حصولها على أموالها ولو خلال فترة زمنية أطول مما خططت له وفي الوقت عينه تستفيد الشركات من فترة التأجيل لترتيب أوضاعها خصوصاً العجز المالي.
المصدر: ١