في زمن كورونا.. كيف تبني استراتيجية التسويق على معطيات صحيحة؟
فجأة ومن دون سابق إنذار انقلب العالم بأسره رأساً على عقب. فيروس لم يكن بالحسبان جمد العالم ووضعه في مكان غير مألوف. ورغم أن التحديات كانت كبيرة للجميع في مجال الأعمال لكن التحديات الأكبر كانت من نصيب الذين يعملون في التسويق. ففي ظل الحالة الصحية الطارئة غير المسبوقة التي اجتاحت العالم وما نتج عنها من أزمة اقتصادية عالمية حاول الذين يعملون في مجال التسويق الخروج بحملات تتضمن رسالة ترتبط بالأحداث بالإضافة الى عروض وخصومات وحتى حملات مختلفة كلياً عن تلك التي كانت مقررة. ولكن المعضلة الكبرى حالياً هي أنه لم يعد بالإمكان الاعتماد على المعلومات والافتراضات السابقة عن الزبائن وعن الأمور التي يشترونها والأسباب التي تدفعهم إلى ذلك.
خلال أيام قليلة سلوك المستهلكين تبدل بشكل جذري، فالمبيعات أونلاين ارتفعت كما ارتفع معدل الساعات الذي يمضيه الفرد على الإنترنت سواء للعمل أو للتسلية مقابل انعدام شبه كلي للتفاعل البشري.
الخبراء ينصحون بالاعتماد على ٤ مقاربات في عمليات التسويق حالياً وذلك كي تتمكن الشركات من رؤية الصورة بشكل أشمل ومعرفة ما الذي يختبره الزبائن وأي استراتيجية تجدي نفعاً.
دروس للشركات العربية.. هكذا تعاملت المؤسسات الصينية مع تحديات كورونا
تجنب الغرق في الداتا والمعلومات
التغييرات المتسارعة هي النمط المعتاد الجديد وعليه فإن الذين يعملون في مجال التسويق باتوا أمام واقع لا مفر منه، اتخاذ قرارات سريعة مبنية بطبيعة الحال على المعطيات والمعلومات. وكنتيجة لذلك أنفقت الشركات مبالغ طائلة على تحليلات التسويق، ولكن ورغم إغراق أقسام التسويق في مختلف الشركات لأنفسهم بالداتا والمعلومات إلا أنهم لم يتمكنوا من الحصول على الصورة كاملة سواء لناحية الأداء أو فيما يتعلق بالزبائن.
في معظم الأحيان، يقوم الذين يعملون في مجال التسويق بإمضاء ساعات لا تعد ولا تحصى وهم يقومون بجمع المعطيات والمعلومات من دون أن يملكوا استراتيجية واضحة حول الآلية التي يجب اعتمادها من أجل استغلالها لبناء القرارات عليها. المقاربة هذه تقود إلى الإنهاك العقلي والميل إلى اعتماد القرارات المبنية على الافتراضات. في استطلاع للرأي تبين أن ٣١٪ من الذين يعملون في مجال التسويق يجدون أنفسهم أمام طريق مسدود وذلك لأن هناك الكثير من المعلومات التي يجب تحليلها وبالتالي لا يعرفون ما الذي عليهم فعله.
ومن أجل العودة إلى السكة الصحيحة، يجب البدء بأبسط المعطيات المتوفرة والتي يحتاج إليها قسم التسويق من أجل اتخاذ قرار عمل مستنير وبناء حلقة ردود فعل فعالة بين الداتا، والبصيرة والتنفيذ. نموذج الإحالة هو أفضل مثال على ذلك والذي هو مجموعة نقاط تحدد طريقة تعيين نسبة الإسهام بالمبيعات والتحويلات إلى نقاط الاتصال في مسارات التحويل. صحيح أنه يصعب أحياناً الحصول على الموارد المطلوبة من أجل بناء نموذج إحالة جيد ولكن حين يبدأ قسم التسويق بخطوة تلو الأخرى، أي البحث عن فوز صغير تلو الآخر حينها سيكون هناك قاعدة قوية يمكن البناء عليها.
إعادة تعريف البيانات الرقمية
تعريف كل ما هو رقمي في حال من التوسع والتبدل بشكل دائم، ومفهوم المسوقين للبيانات الرقمية يجب أن يكون كذلك أيضاً. ففي الوقت الذي ما زال فيه الزبائن يبحثون عما يحتاجون إليه عبر جوجل أو من خلال إنستجرام لكنهم أيضاً ما زالوا يستخدمون البريد الإلكتروني، الرسائل النصية، وبرامج المحادثات للتواصل مع الشركات.
في أوقات الشدة، كما هو الحال حالياً، الزبون يحتاج إلى تواصل مباشر وعليه ومنذ تفشي كوفيد ١٩ قام عدد كبير من المسوقين بسحب حملاتهم الإعلانية من الأسواق وإلغاء الفعاليات ووجهوا اهتمامهم كاملاً على التواصل مع زبائنهم.
وبغض النظر عما إن كان التفاعل مع الزبائن يتم أونلاين أو من خلال المكالمات الهاتفية فإن ما يحدث هنا هو إنتاج للبيانات الرقمية. منصات إنترنت الأشياء توفر للشركات المعلومات حول كيفية استخدام الخدمات من قبل الزبائن. هذه المعلومات توفر للشركات ما تحتاج إليه لمعرفة ما إن كان الزبون يستخدم بالفعل ما دفع ثمنه.
وعلى صعيد آخر، فإن المحادثات عبر الهاتف مع الزبائن والتي لطالما تم اعتبارها كثقب أسود في مجال جمع المعلومات بحكم أنه تواصل غير متصل بالإنترنت، لم يعد كذلك. التكنولوجيا في حالة من التطور الدائم وباتت هذه الوسيلة، المعتمدة بشكل كبير خلال كوفيد ١٩، مصدرا هاما للبيانات الرقمية. المعلومات هذه هامة جداً لأي شركة كانت لفهم التبدلات التي طرأت على سلوك المستهلك ولفهم توجهاته الجديدة.
تحديد لحظات جديدة من الحقيقة
في عام ٢٠١١ استخدمت شركة جوجل تعبير «لحظة الحقيقة الصفر» والذي يعني خطوة الزبون الأولى في عملية البحث عن منتج أو خدمة يريد أن يشتريها. ولكن حالياً، هناك عدد لا يعد ولا يحصى من اللحظات التي يتضمنها المسار الإلكتروني وصولاً إلى عملية الشراء، وأهم «لحظات الحقيقة» قد لا تكون ما يتوقعه الذين يعملون في مجال التسويق.
على سبيل المثال، شركة تبيع أجهزة ذكية للمنازل وتملك مجموعة متنوعة ومختلفة من المنتجات أونلاين. يقوم زبون بعملية بحث عن «أنظمة أمن للمنازل» و يضغط على لينك يظهر كاميرا مراقبة للمنازل ، ثم ينتقل من قسم لآخر في الموقع الذي دخل إليه ولاحقاً ينتهي به المطاف بشراء قفل ذكي. لحظة الحقيقة الهامة هنا هي الصفحة التي ظهرت أمامه والتي كانت لمنتج يختلف عن الذي يريد أن يشتريه، وهذه الصفحة هي التي كونت الانطباعات عن الماركة عند الزبون وبالتالي شجعته للقيام بعملية الشراء.
معرفة لحظات الحقيقة الفعلية والهامة هي الأساس في داتا التسويق والتي يجب البناء عليها خصوصاً في هذه المرحلة لأن المعطيات السابقة التي تم جمعها عن سلوك المستهلك لم تعد تجدي نفعاً لأنها تبدلت بشكل كبير.
ربط التحليلات بتوليد الإيرادات
تحليلات التسويق يجب أن تسلط الضوء على التفاعل الذي يدفع العائدات للارتفاع، وليس فقط التركيز على التفاعل الذي يسهل قياسه. المحادثات التي تتم عبر الهاتف مع الزبائن مصدر هام جداً للمعطيات خصوصاً للشركات التي تتخصص في مجالات الموارد المالية، العناية الصحية والاتصالات لكونها تبيع خدمات معقدة وغالباً ما تكون أسعارها باهظة.
على سبيل المثال شركة «ديش نتورك» المتخصصة في بيع حزمات تلفزيونية تقوم بمعظم عملها عبر الهاتف. المكالمات الهاتفية أدت في هذه الشركة إلى عمليات مبيع أكثر بكثير من تلك التي تمت أونلاين، ولهذا السبب قام فريق التسويق في الشركة بالعمل على نظام يسمح لهم بتحليل الداتا المرتبطة بالمحادثات الهاتفية مع الزبائن، وكنتيجة لذلك ارتفعت مبيعات الشركة ٦٠٪.
كل شركة عليها أن تحدد الآلية التي أدت إلى زيادة نسبة المبيعات حتى لو كانت القنوات المعتمدة في هذه الآلية تصعب عليهم عملية جمع المعلومات.
جمع المعلومات من البريد الإلكتروني أو من خلال عدد زيارات المواقع الإلكترونية سهل، ولكن في حال كانت المكالمات الهاتفية تحقق أعلى نسبة مبيعات فحينها يجب العمل على نظام يسمح بجمع المعلومات هذه والاستفادة منها وتوجيه طاقة فريق التسويق نحو ما هو ناجح.
في وقتنا الحالي حيث عدم الوضوح يسيطر على كل شيء وخصوصاً على الوضع الإقتصادي والصحي، من الأهمية بمكان أن تبني الشركات قراراتها على الحقائق والمعلومات. استخدام الداتا والتحليلات سيساعد قسم التسويق على البقاء على اطلاع مستمر على سلوك المستهلك المتبدل والتركيز على لحظات الحقيقة التي تعود على الشركة بالفائدة.
أقوى ركود منذ قرن..كم يستغرق تعافي الاقتصاد العالمي من أزمة كورونا؟
المصدر: ١