كيف يمكن للشركات وضع الخطط وسط بحر من المتغيرات؟
يواجه العالم تحديات معقدة وسط مستقبل غامض وغير واضح. الاقتصاد العالمي والعربي يرزحان تحت الكثير من الضغوطات الأمر الذي دفع ببعض الدول إلى محاولة إعادة الحياة إلى طبيعتها رغم استمرار ارتفاع أعداد الإصابات بفيروس كورونا. الشركات بدورها تأثرت بشكل سلبي بتداعيات كوفيد ١٩ ووجدت نفسها أمام مستقبل غامض ومعقد.
الخسائر الاقتصادية العالمية فلكية، وخسائر الشركات العربية والعالمية بمليارات الدولارات وملايين الوظائف كانت ضحية فيروس كورونا. إدارة الشركات خلال الفترة الحالية غاية في التعقيد والمتطلبات باتت أكبر من أي وقت مضى. جميع الذين يشغلون مناصب إدارة من أسفل الهرم إلى أعلاه باتوا أمام متطلبات يستحيل أحياناً ملاقاتها من تحقيق الأهداف إلى الاجتماعات التي لا تنتهي فمحاولة تنظيم عمل الفرق التي بدورها تعاني وتعيش حالة من الضياع.
في هذه الأوقات التي يهيمن عليها عدم الوضوح السياسي والاجتماعي والاقتصادي، يصعب كثيراً على القادة التخطيط للمستقبل، فالوضع الراهن غير واضح والمستقبل ضبابي وحتى كلمة الحياة الطبيعية تبدلت وبتنا نتجه نحو حياة طبيعية جديدة لا أحد يمكنه توقع مسارها.
ورغم كل ذلك يمكن للشركات التحضير للمستقبل وللتحديات والعقبات القادمة حتى ولو كانت غير متوقعة، فالمرونة هي الحل الوحيد حالياً لأن الوقف جانباً بإنتظار إنتهاء أزمة كورونا يعني أن الشركات تضع نفسها في مأزق يصعب الخروج منه لاحقاً مهما حاولت. بطبيعة الحال خطط الشركات الحالية تحتاج الى إعادة مراجعة بشكل كامل وكلي وبعضها يجب التخلص منه والعمل على خطط جديدة تتماشى مع المتغيرات الاقتصادية.
التخطيط والبناء على وقائع متبدلة أمر صعب وأكثر ما تكرهه الشركات، فالخطط عادة تبنى على أمور ودورات يمكن التنبؤ بها. ورغم أن الصورة قد تبدو سوداوية ومخيفة ولكن يمكن للشركات التخطيط والمحافظة على مسارها وسط كل هذه المتغييرات. فكيف يمكن القيام بذلك؟
إعادة تأكيد الرؤية والقيم
الشفافية والصدق هامان جداً خلال الفترة الحالية. أي قائد يريد إستعادة زمام السيطرة وسط عاصفة المتغييرات وتسيير الشركة باتجاه النجاح عليه أن يوجه الشركة بالاتجاه الصحيح. والاتجاه الصحيح هنا أي التخطيط الصحيح هو هدف الشركة واستراتيجيتها والقيم الخاصة بها. وبمجرد أن تملك الشركة رؤية واضحة تماماً لهذه الأمور، فإن الخطوة التالية هي التركيز على السير باتجاهها وعدم الانجرار خلف كل «الضوضاء» التي تحصل. التأثر وبشكل يومي بكل المتغيرات سيجعل الشركة تحيد عن المسار وذلك لأنها لم تعد تسير باتجاه الرؤية التي وضعتها لنفسها. الأهداف العامة للشركة هي البوصلة التي ستضمن الوصول إلى بر الأمان.
استعادة السيطرة على «الرحلة»
بعد تحديد الغاية من خلال تأكيد الرؤية والقيم وبالتالي الهدف والاتجاه الذي على الشركة إعتماده، على القادة إستعادة السيطرة. ومن أجل تحقيق ذلك يجب أن يتوفر سياق واضح للأمور التي تبنى عليها القرارات اليومية. فكيف يمكن القيام بذلك من أجل تمكن الشركات من التخطيط بشكل منطقي؟
وفق دليل للقادة نشر مؤخراً وشارك في كتابته الإقتصاديين وبمشاركة من جامعة كامبريدج وجامعة بليموث فإن أساس التخطيط يتمحور حول مبدأ الـ «ماذا وكيف ولماذا».
في استطلاع للرأي تضمنه هذا الدليل تبين بأن الشركات التي حددت هدفها وغايتها خلال هذه الفترة تمكنت من إيجاد الإتجاه الذي عليها أن تسلكه من خلال منح العاملين الحرية للخروج بحلول مبتكرة للتعامل مع التغييرات. الأهداف تجعل الشركة تدرك الأمور التي تحرك الشركة وبالتالي تساعد الموظفين على اتخاذ القرارات أسرع من ذي قبل. كما أن هناك رابطا بين الهدف والوحدة فالشركة التي تعرف تماماً الاتجاه الذي تسير إليه تدرك أن السير ككيان واحد أسهل.. وبالتالي وضع الخطط في زمن كورونا يصبح أسهل.
التأقلم السريع والابتعاد عن التحليل المعمق
لا يمكن التمسك بما هو ثابت خلال الفترة الحالية . عقلية اتخاذ القرارات وسط بيئة متقلبة تتحرك بسرعة يجب أن تبتعد وبشكل كلي عن البطء و التحليل المعمق لكل شيء. بكل بساطة لا تملك الشركات رفاهية أخذ الوقت الذي تحتاج إليه من أجل حسم القرارات ووضع الخطط. في عالم لا يملك فكرة واضحة عن المستقبل فإن حسم القرارات بسرعة هو مهارة قيادية لا يمكن الاستغناء عنها. لا مكان حالياً لقلة المرونة ولاعتماد القواعد السابقة وتقنيات الإدارة «العادية»، فالظروف غير عادية على الإطلاق. الواقع هذا يعني أنه على القادة في أي شركة كانت تطوير مهارات التأقلم مع الظروف المتغيرة، أي أن يتمكن من التعامل مع المتغييرات في بيئته والتعامل معها على أنها فرصة وليست عقبة.
الشركات لم يعد بإمكانها الاكتفاء بالتجاوب مع ما يحصل بل عليها توقع ما هو قادم عوض انتظار حدوثه ثم البناء عليه.
الجرأة أساسية
الفرص جديدة قد تكون مثيرة للحماسة وقد تكون مخيفة، ولكن الشركات يجب أن تتحلى بالجرأة اللازمة لاستغلال الفرص رغم عدم وضوحها ورغم المخاطرة الكبيرة التي تتضمنها هكذا خطوة. في وقتنا الحالي القادة الذي لا يمكنهم أو يتخوفون أو يتجنبون المخاطرة يسيرون بشركاتهم إلى الفشل. الخطأ الفادح الذي يرتبكه عدد كبير من أصحاب الشركات حالياً هو التصرف بحذر والمناورة ضمن مخاطر محسوبة. لا يوجد مخاطر محسوبة لأنه لا يمكن البناء على ما هو غير معروف. العمل وفق القواعد القديمة والتصرف بحذر والتخطيط كما لو كانت الأمور طبيعية أو ستعود الى طبيعتها لن يعود على الشركة بأي فائدة، بل على العكس سيرتد عليها بشكل سلبي.
التخطيط المالي بمنظور جديد
التخطيط المالي في «الأوضاع العادية» ليس بمهمة سهلة فكيف هو الحال في وضعنا الحالي. الذين يضعون الخطط المالية معتادون على الدقة والاستمرارية ودورات متوقعة لكل ما يحدث بيد أن الوضع الحالي هو ضبابية تامة على مختلف الأصعدة وخصوصاً الاقتصادية. الخطط المالية التي تم وضعها قبل تفشي كورونا غير نافعة على الإطلاق حالياً، وعليه يجب العمل وفق خطط جديدة تضع كل المتغيرات بالحسبان.
في هذه الجزئية هناك حاجة ماسة لتخطيط منهجي يسمح للمدير المالي القيام بتعديلات سريعة لخيارات الشركة وفق تطورات الأوضاع المرتبطة بكورونا.
التخطيط المالي يجب أن يركز على ٥ خطوات أساسية وهي: رؤية واضحة لنقطة انطلاق الشركة، بناء قاعدة من الحقائق يمكن استخدامها حالياً، وضع سيناريوهات مختلفة، تحديد أفضل الخطوات التي يمكن للشركة اتخادها، وأخيراً تحديد المجالات التي سترغم الشركة على التعديل والتأقلم وتكييف التنبؤات والخطط المالية مع نشاط الشركة.
الشركات خلال الفترة الحالية تملك مستويات ومعدلات مختلفة من السيولة وتحمل المخاطر. وبغض النظر عن نقطة الإنطلاق المالية، جميع الشركات عليها البناء على هذه الخطوات الخمس من أجل التمكن من الصمود والمضي قدماً وسط حالة عدم اليقين هذه ومن أجل ضمان إتخاذ أفضل القرارات الممكنة التي تعود على الشركة بالمنفعة وتحول دون تضررها بشكل كبير بسبب تداعيات كورونا.
التخطيط المالي خلال فترة كورونا وما بعدها يجب أن يساعد الشركة على تخطي المرحلة الأسوأ وليس التخطيط للمدى البعيد ولكن في الوقت عينه يجب النظر أبعد من المرحلة على أنها خطة كل يوم بيومه وتكوين فكرة عن الصورة التي قد يكون عليه المستقبل. وعندما تنتهي المرحلة السيئة هذه يمكن للرئيس المالي والشركة استخدام الأزمة كنقطة انطلاق من أجل نقاشات جدية حول ضرورة تغيير التخطيط العام خلال مرحلة «الحياة الطبيعية الجديدة».