محمد فهد الحارثي يكتب: رصيد السعادة
لا تحكم عليهم. لا تستعجل في إصدار الأحكام؛ امنح الفرص وأعطِ ميزة للاستئناف، لا تتجه إلى القطيعة الحاسمة، بل اجعل مساحةً، ولو بسيطة، للنظر وإعادة التقييم.
قد تبدو الأمور خطأً، وربما تتركّب الأحداث، لتجعل من الصورة المشوشة، تصوراً غير صحيح، وسلبياً؛ نعم لا دخان من دون نار، ولكن من قال إننا ملائكة، كلنا نخطئ، ونوجد العذر لأنفسنا، ويصعب علينا إعطاء العذر لغيرنا.
الأحكام القطعية تقتل فرص الحوار، وتلغي المساحات البسيطة التي تمنح التفاؤل لعودة الأمور إلى مجاريها. والحياة ليست آلة نتعامل معها بحسابات المصالح والخسائر فقط، بل هي عمق إنساني وقيم ومشاعر. في لحظة ما نكتشف أن الأشياء أعمق وأشمل مما كنا نتخيل، ثم ندرك أن كثيراً من معاركنا التي خضناها، لم يكن لها داعٍ أصلاً، بل هي اختطفت العمر ظلماً وبهتاناً. لو نرى الماضي بعين الحاضر، لاختلفت حساباتنا كثيراً، ولغيّرنا مسارات أكثر.
هناك من يعيش القلق في حياته، ويراقب الآخرين، ويتصيّد الأخطاء والزلّات، وإن لم تكن لاختلقها؛ يعيش حياته رهينة لرصد الآخرين، وكأنه يغطّي إخفاقاته، مع أن الحياة فضاءاتها واسعة، وفرصها متاحة تنتظر من يبادر. لا تقف عند هؤلاء، لا يشغلوك بأقاويلهم وترّهاتهم، تجاوزهم برقيّك، وتسامح معهم، فهم ضحايا أنفسهم. اجعل معيار حكمك عليهم، انهم يستحقون الشفقة أكثر من الانتقام.
كلما كانت نظرتنا متسامحة ومتعالية عن الحسابات الضيّقة، وردود الفعل والحساسية المفرطة، كانت حياتنا أسعد وأكثر قيمةً ومعنىً. حتى السلبيون إذا عرفنا كيف نتعامل معهم، ونضعهم في الإطار الذي يناسبهم، استطعنا أن نغيّرهم، أو على الأقل نحيّدهم.
التجربة والنضوح يكشفان مساحات هائلة في العلاقات الإنسانية، ويقوداننا إلى اكتشاف أنفسنا، قبل اكتشاف غيرنا. ولذلك فإن القادرين على إدراك هذا المفصل المهم، تجدهم أكثر تصالحاً مع أنفسهم ومع الآخرين، وهم في الأغلب أكثر من يتمتعون بمشاعر السعادة الحقيقية.
السطر الأخير:
كلما تسامحت وتجاوزت مع الآخرين..
زادت حسابات السعادة في رصيدك