ناصر بن هويشل كبير مرافقي خادم الحرمين: هذا ما يسعد الملك
علي المقبلي -الرياض
الحديث عن المواضيع التاريخية بل حتى عن الذكريات واسترجاع بعض منها، لا يمكن أن يكون إلا مع شخصيات لها حضورها الفاعل على مدى عقود من الزمن، وهم في هذا الوقت قلة، إلا أننا سعينا بقدر الإمكان للوصول إليهم لنتعرف إلى جوانب مخفيّة من حياة تلك الشخصيات، فكان ضيفنا شخصية وجهها مألوف لدى الشعب السعودي، يظهر في كل نشرة أخبار بالقرب من خادم الحرمين الشريفين لكنه نادرا ما يتكلم، إنه ناصر بن هويشل رئيس أخوياء خادم الحرمين الشريفين، الذي أمضى نحو 70عاماً في خدمة المملكة وحكامها، بدأها مع مؤسّس البلاد الراحل المغفور له الملك عبد العزيز، ليستمرّ في هذه المهمة حتى اليوم. يملك خبرة طويلة وعميقة ومخزوناً معرفيّاً وذكريات مهمة ومفعمة بحب الوطن، وغنية بالمواقف المتزامنة مع علاقات مميّزة مع ملوك الدولة السعودية. تحدث عن الحقبة الزمنية المهمة التي عايشها مع ملوك البلاد.
أسهب في الحديث عن مهنة "الأخوياء" التي تميّزت بها السعودية عن سائر الدول؛ هذه المهنة التي يقول عنها إنها قديمة وليست وليدة اليوم، فالمملكة منذ مئات السنين عرفت هذا النظام البروتوكولي لدى الأئمة والأمراء من آل سعود، حتى أصبح وجودهم لدى الملوك وأمراء المناطق والمحافظات سمة من سمات قطاعات الدولة. وكان أول ذكر للأخوياء ورد في الحديث عن الهجّانة التي تعدّ مزيجاً من التنظيم العسكري والتقاليد البدوية.
يستطرد ابن هويشل قائلاً يعمل حاليا أكثر من 150 خوياً ونعمل على شكل ورديات ومجموعات، ونقوم بالمهام التي تطلب منا من الديوان والمراسم الملكية، حيث نحضر في جلسات مجلس الوزراء في استقبال المواطنين، وكذلك في استقبال ضيوف الدولة من رؤساء الدول، وتوديعهم في المطارات.
يتحدث كذلك رئيس الأخوياء عن برنامج خادم الحرمين الشريفين اليومي قائلاً يجلس يومياً في الديوان الملكي ويكمل ذلك في قصره لإنجاز جميع ما يصل إليه من المواطنين، كما يقوم بذلك في إجازته، حيث يقوم بنفسه بالاطلاع على كل ما يتعلق بالمواطن كبيراً أو شاباً أو طفلاً.
ما يفرح الملك - حسب وصفه - إنجاز حاجات المواطن، حيث لا يرتاح عندما تصل إليه حاجة لمواطن دون النظر في حل لها، حيث أمر جميع الوزراء بخدمة المواطن وأنه الأهم لديه من أي عمل آخر.
يضيف نشاهد السعادة على وجه خادم الحرمين الشريفين عندما نراه يمزح ويبتسم ويتكلم مع الجميع، ويكون ذلك بعد أن يرى عملاً جيداً. ودائماً ما يسأل الملك عن أحوال المواطنين، وأقوم بالحديث معه عن كل ما يخصّ المواطن. يتطرق رئيس الأخوياء للحديث عن طفولته وقصة التحاقه بجيش المؤسس وتنقله في العمل، حتى أصبح في منصب رئيس أخوياء الملك. تفاصيل متعددة يسردها ناصر بن هويشل في حواره الخاص مع "الرجل"؟
* في البداية نودّ أن تحدثنا عن النشأة والميلاد؟
ولدت في الخرج – الدلم، ولا أذكر إن كان في أول العام أوفي نهايته، ولكن كان ذلك في عام 1344هـ. عشت طفولتي وصباي في تلك القرية، نشأت في أحضان أسرة معروفة ومن العائلات المشهود لها في الخرج، في ذالك الوقت كانت الحياة أقسى من القسوة نفسها.
* كيف كانت الحياة في ذلك الوقت؟
الحياة كانت بسيطة وكنا ننعم بالأمن والأمان في عهد الملك عبد العزيز، في ظل شريعة إسلامية وتقارب الناس في محبة الملك عبد العزيز.
* نحن نتحدث معك عن تاريخ قبل نحو 90 عاماً، كيف كان التعليم؟ وكيف تعلمت؟
كان التعليم يعتمد على تحفيظ القرآن في المساجد وعند الشيوخ، وكان لزاماً على من يريد تعليم ابنه أن يبعث به إلى المطوّع، ليدرس القرآن الكريم والخط. وكان الناس فئتين فئة ترى تدريس الأبناء غلطاً، وأخرى ترى تدريس الأبناء للقرآن والقراءة فقط. بعد ذلك حرص الملك عبد العزيز على إنشاء المعاهد ودور العلم، لنشر المعرفة ورفع المستوى التعليمي للمواطن رغم تردد كثير من الناس في إدخال أبنائهم، بسبب وساوس ما أنزل الله بها من سلطان. ولكن بعد ذلك اقتنع الناس وبدأ التعليم النظامي.
* بعد مرحلة الصبا وتعلّمك للقرآن، نودّ أن تحدثنا كيف بدأت قصة عملك مع المؤسّس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن طيّب الله ثراه؟
بدأت مع الملك عبد العزيز، وعمري 18 سنة، أنا ووالدي كأخوياء، وبقيت عنده حتى وافته المنية طيّب الله ثراه. أما قصتي فكانت عندما تحركت القوات أثناء حرب فلسطين، ومكثنا في الجوف عاماً كاملاً، وبعد ذلك أتى أمر الملك عبد العزيز بالعودة إلى الرياض.
* هل تذكر مواقف معيّنه مع المؤسس الملك عبد العزيز طيب الله ثراه؟
كان في مكة المكرمة ودخل الحرم، وسأل عن الإمام عبد الرحمن بن فيصل والده رحمه الله، وعندما لم يجده ذهب وكان ينتظره عند باب الحرم، فلما وصل حضنه وطاف وسعى معه، ثم أوصل والده حتى غادر الحرم الشريف. وفي موقف آخر قبل وفاة الملك عبد العزيز بأسبوع، كنا ننتظره في الأسفل، وطلب من المرافق الخاص سعود بن مسلم أن يأتي بالأخوياء للسلام عليه في غرفته الخاصة.
* عاصرت بداية تأسيس الدولة، كم كان راتبك في ذلك الوقت؟
كنا في ذلك الوقت نتقاضى 100 ريال مرتباً شهرياً، وكان يكفي مصاريف شهر كامل، وكان بمقياس ذلك الوقت رقماً كبيراً جداً. والحمد لله كانت الحياة في ذاك الزمن رغم قسوتها، إلا أن كل الأمور ميسّرة وتستطيع أن تعيش بأقل من ذلك الرقم الذي كنا نحصل عليه.
* ما أول مهمة قمت بها، وكانت من توجيه الملك عبد العزيز طيّب الله ثراه؟
أول مهمة لي كانت من الملك عبد العزيز طيّب الله ثراه، أثناء حرب فلسطين، كرئيس لأهالي مدينة الخرج والدلم وعددهم 1000 رجل. وكان عمري حينها 45 سنة، حيث توجهنا إلى الجوف، وقد أولى الملك عبد العزيز رحمه الله، قضية فلسطين جلّ اهتمامه، وهو الملك العربي المسلم الوحيد الذي حمل وحده دون سائر حكام العرب والمسلمين، عبء قضية فلسطين، ورغم انشغال الملك عبد العزيز في تأسيس دولته الحديثة، فإنه انطلاقاً من عقيدته الدينية كان متعاطفاً ومنحازاً تلقائياً وفطرياً لقضايا الأمة الإسلامية، ولاسيّما قضية فلسطين، وهي حقيقة تشهد بها المواقف والوقائع، وتسجلها الوثائق الدولية بما لا يترك مجالاً للشك.
*بعد أن عدت من الجوف عملت لدى الملك المؤسّس، هل لديك قصة عالقة في فكرك عن الملك عبد العزيز طيّب الله ثراه؟
كان الملك عبد العزيز رحمه الله في الرياض، يقوم بالصدقة بنفسه للأهالي المحتاجين كفاعل خير في آخر الليل، وكان يرافقه موسى العبد العزيز، وفي أحد الأيام ذهب إلى امرأة، وقالت من أنت؟ قال: فاعل خير. فعرفت أنه الملك عبد العزيز، ورفعت يدها داعية "الله يفتح لك خزائن الأرض". وبعدها خرج البترول والنفط، وهذه القصة عرفناها في ذاك اليوم. وكان المؤسّس يحضر احتفال المواطنين، وأذكر أن أول احتفال للأهالي حضرته كان تكريماً للملك عبد العزيز - رحمه الله - عند قدومه من أول زيارة إلى جمهورية مصر العربية ولقائه الملك فاروق، حيث أقام أهالي مكة المكرمة وأهالي جدة احتفالاً بمقدمه رحمه الله. وكان الأهالي يحتفون بالملك عبد العزيز أثناء توجهه للرياض قادماً من مكة، وذلك مروراً بالمدن والقرى ابتداء بلزيمة والسيل وعشيرة، ويجلس فيها ثلاثة أيام، ثم إلى الركبة، ثم إلى المويه مروراً بالدفينة إلى عفيف وإلى القاعية والدوادمي، ثم نفود السر ومرات إلى الرياض. وكان خلال مروره بتلك المدن يلتقي الأعيان والقضاة والمواطنين والطلاب، وهذه كانت طريقته وديدنه دائماً.
* كيف كان تعامل الملك المؤسس مع من حوله، خصوصاً معكم أنتم "الأخوياء" القريبون منه؟
كان يحب الذين حوله، وكان يعطف عليهم ويلتمس حاجاتهم. وكان محباً صادقاً للمواطن، وعندما يواجه في حلّه وتر حاله أي ضعيف يسدّ حاجته ويزيد عليها. وكان دائماً يعطي بنفسه، ويقول إن المعطي الله والله سبحانه وتعالى أعطاه، وليس أنا. كما كان هناك اجتماع مع المواطنين من جميع المناطق وكانوا يكرمون ويعطون حاجاتهم وطلباتهم.
* أنتقل معك إلى محور العمل مع ملوك البلاد، كيف تدرّجت مع أبناء المؤسّس في هذا العمل؟ نود التحدث عن مواقفك مع كل واحد منهم.
عمل أبناء المؤسس عمل أبيهم مع من كانوا يعملون معه، فتدرجت مع الملك سعود والملك فيصل والملك خالد والملك فهد - رحمهم الله - وحالياً مع الملك عبد الله - حفظه الله ورعاه، وأمدّ في عمره. والمواقف التي واجهتني مع أبناء الملك عبد العزيز هي كالتالي: الملك سعود رحمه الله، حادثة في الخرج، وكان الأهالي ينتظرون حضوره، وقد علموا اعتذاره لظروفه، وكانوا مستعدين وفرحين لمجيئه. فذهبت إليه وقلت له إن أهالي الخرج ينتظرونك. فقال لي: دخلت فيك الحميّة. فقلت: الحمية حفظك الله. فقال أبلغهم بأني سآتي لهم بعد 15 يوماً. أما الملك فيصل رحمه الله، فكنت أحضر مجالسه وأسمع وأتعلم من حكمته، فقد كان معلماً وأديباً. والملك خالد رحمه الله، كنت مرافقاً له، حيث كان محباً للصيد والجلوس في البرّ مع المواطنين في المخيّم فترة الربيع. والملك فهد رحمه الله، كان يأمرني دائماً بالأذان للصلاة في كل مكان يكون موجوداً فيه. أما الملك عبد الله فكان - حفظه الله - وهو صغير يذهب للمقناص، وصادفه شخص يدعى علي الهاجري وكان ذلك على حدود العراق، وكان هناك شخص محتاج وكلّف أحد الأخوياء بخدمته خدمة كاملة في جميع الأمور.
* تعمل حالياً رئيس أخوياء خادم الحرمين الشريفين، نودّ التحدث عن المهام التي تقوم بها.
مهامي رئيس أخوياء الملك، تتمثّل في تنظيم الأخوياء في المناسبات والزيارات والحراسات، والمشاركة في استقبال رؤساء الدول. ومهنة أو وظيفة "الأخوياء" تميّزت بها المملكة عن سائر الدول، حيث نشارك في استقبال القادة القادمين إلى المملكة في الزيارات الرسمية، حيث نقف تشكيلة من الرجال في أرض المطار بملابس بيضاء، ومتقلدين أحزمة جلدية سوداء، تحمل أسلحة بيضاء وخفيفة من نوع الفرد، ونحمل في أيدينا سيوفاً ذات ألوان زاهية، وهي تعدّ من ضمن بروتوكولات استقبال القادة.
* تاريخياً، حدثنا عن مهنة "الأخوياء" كيف بدأت واستمرت إلى هذا اليوم؟
هذه المهنة قديمة وليست وليدة اليوم، فالمملكة منذ مئات السنين عرفت هذا النظام البروتوكولي لدى الأئمة والأمراء من آل سعود، حتى أصبح وجودهم لدى الملوك وأمراء المناطق والمحافظات سمة من سمات قطاعات الدولة، وداخل قصورالأمراء من آل سعود،. وكان أول ذكر للأخوياء ورد في الحديث عن الهجّانة التي تعدّ مزيجاً من التنظيم العسكري والتقاليد البدوية، حيث تقوم وحدات الهجّانة التي أنشئت سنة 1925 بمهام عسكرية، وبدأت نواة تشكيل هذه القوات كقطاع عسكري، وتطورت بعد أن تم تشكيل القوات النظامية والشرطة في مدن الحجاز الرئيسة.
* حاليا وبعد هذا التاريخ العريق لهذه المهنة كم عدد أخوياء الملك؟
هم في حدود 150 خوياً، ونعمل على شكل ورديات ومجموعات، ونقوم بالمهام التي يطلبها منّا الديوان والمراسم الملكية، حيث نحضر في جلسات مجلس الوزراء في استقبال المواطنين، وكذلك في استقبال ضيوف الدولة من رؤساء الدول وتوديعهم.
*ما أهم الصفات التي يتصف بها "الخوي"، لينضم إلى هذه المهنة؟
أن يتصف بالدين أولاً وأخيراً ومن ثم الصدق - الأمانة الطاعة - الانضباط وحسن الخلق، فمهنة الأخوياء تمثل تشكيلة من رجال يتمتعون بثقة الحاكم ولهم زيّ خاص ويؤدون عملاً معيناً.