تجربة يجب أن تُدرس.. ما الذي يمكن تعلمه من نجاح أكواب ستانلي؟
أكواب ستانلي في كل مكان، أينما تنظروا تجدوا الأكواب أمامكم، فالغالبية الساحقة تمتلكها، فيما تعج مواقع التواصل بآلاف الفيديوهات عنها، بين فئة تتحدث عن مميزاتها وأخرى تحاول تحليل أسباب نجاحها أو حتى التقليل من قيمته، وبغض النظر عن كل الأحاديث، فإن الشركة حققت نجاحًا لافتًا خلال السنوات الأربعة الماضية، وهو النجاح الذي سلط الضوء على استراتيجياتها، وقدم دروسًا قيمة في التسويق والتفاعل مع العملاء، وتطوير العلامة التجارية، التي تحولت من كوب إلى رمز لنمط حياة.
لمحة عامة .. هكذا كانت البداية
في عام 1913 أسس "ويليام ستانلي" شركة لتصنيع الأواني وحاويات الطعام والمشروبات، بعد اختراعه أول كوب "فاكيوم" -مفرغ من الهواء- مصنوع من الفولاذ، وفي عام 1915 تم الإعلان عن أول منتج "ذا بيركشاير كوريور The Berkshire Courier"، وحينها بدأت الشركة عمليات الإنتاج الضخم.
الشركة ولسنوات طويلة كانت تملك سمعة ممتازة، ولكنها لم تكن معروفة على نطاق عالمي كما هو الحال حاليًّا، فقد جاءت مجموعة "كوينشر Quencher" لتنقل الشركة إلى الواجهة، عندما طرحت في عام 2016.
ولكن الشهرة الواسعة وجنون المبيعات لم يتحقق حتى عام 2019، وذلك بعد أن قررت الشركة اعتماد مقاربة جديدة في التسويق، أدت إلى زيادة المبيعات بنسبة 275% خلال عام واحد بين 2020 و 2021.
مسار تصاعدي خالف كل التوقعات ولم يتراجع، وما اعتبره البعض هوسًا سينتهي، بات اليوم أسلوب حياة ينقل الشركة من نجاح إلى آخر، محققًا زيادة في الإيرادات بلغت 970% خلال السنوات الأربع الماضية، فما هي الدورس التي يمكننا تعلمها في نجاحات هذه الشركة؟
اقرأ أيضًا| دراسة تكشف: التسويق باستخدام الذكاء الاصطناعي يقلل المبيعات!
توسيع القاعدة الجماهيرية
نجاح أكوب "ستانلي" الفائق لا علاقة له بما تقدمه الشركة، فهي ما تزال تقدم المنتجات نفسها التي تقدمها منذ سنوات طويلة، ولكنه يتعلق بالجمهور المستهدف!
فالشركة ومنذ تأسيسها لم تكن تحاول استقطاب النساء، بل كانت تتوجه إلى جمهورها من الذكور، الذين يمارسون النشاطات الخارجية، كالتخييم أو الذين يعملون في وظائف خارج المكاتب
وفي عام 2019 أدركت الشركة أنها لا تحتاج الى إعادة تعريف نفسها، أو إلى تبديل هويتها بالكامل، أو القيام بتغييرات جذرية لاستقطاب فئات جديدة من الزبائن، ولكن ما عليها القيام به هو تحديد الجمهور المستهدف، وجعله يدرك بأن المنتج يتناسب تمامًا مع نمط حياته.
البداية بطبيعة الحال كانت بإنتاج الأكواب بألوان تجذب النساء، وكان الاستهداف الأولي هو للشريحة التي تحتاج إليها فعلاً كالمعلمات والممرضات، وهذه الخطوة كانت أشبه بجس النبض، ثم كان التوسع، من خلال إقناع الجمهور بأن المنتج يتناسب مع نمط حياته.
التوجه السائد حاليًّا هو الحياة النظيفة، والصحة والعافية، مع المحافظة على البيئة، والكل يسعى لتحقيق الهدف اليومي لشرب المياه، وقد تبنت "ستانلي" هذه الأهداف، وأعادت تصميم المنتجات لتتناسب مع الفئات التي تتمحور حياة النساء حولها.
وبعد عملية توسيع قاعدة العملاء، شهدت "ستانلي" زيادة هائلة في الإيرادات من 70 مليونًا إلى 750 مليون دولار خلال 4 سنوات فقط!
وهذا يدل على أهمية فهم الشركات لاحتياجات الجمهور المستهدف، وتكييف المنتجات وفقًا لذلك، فالشركة قامت بتحديث تصاميم الأكواب وأعادت تصميم موقعها الإلكتروني، مضيفة ألوانًا أنثوية، جعلها تبدو كمنتج عصري ضروري.
المرونة هذه في الأعمال هي نتيجة لتكييف الاستراتيجيات بسرعة، بناء على الاتجاهات السوقية وتفضيلات المستهلكين، وقدرة "ستانلي" على الابتكار مع المحافظة على الجودة، هي نتيجة لقيادتها الفعالة والبنية التنظيمية المرنة، وهذا ما على الشركات التي تعمل في أسواق تنافسية الحرص على تحقيقه.
اقرأ أيضًا| تأهيل 23 شركة لاستخدام منصة "علي بابا" في التسويق للتمور السعودية عالميًا
الترويج الصحيح.. قصص ملهمة وتوصيات الطرف الثالث
حين قررت الشركة استهداف جيل الألفية توجهت إلى المنصة التي يتواجدون عليها "تيك توك"، ومن خلال التعاون مع مؤثرين وحملات التسويق حقق وسم تابع لها مليارات المشاهدات، ترافق مع زيادة 275% في المبيعات خلال عام.
"ستانلي" أدركت وبشكل مبكر القوة الكامنة في التوصيات الصادرة عن طرف "ثالث" لا علاقة له بأي خطط ترويجية، ومن أبرز القصص التي أدت إلى مقاربة جديدة للتسويق، هي قصة تعرض سيارة إحداهن للحريق، ونجاة كوب "ستانلي" الخاص بها، ومحافظته على برودة المياه!
السيدة هذه قدمت شهادة "حقيقية" عن متانة الكوب، ووفرت للشركة ترويجًا لم تكن تحلم بتحقيقه، وهذا ما دفعها إلى تبني المقاربة الواقعة، فشجعت عملاءها على مشاركة قصصهم. وهنا كان التحول الثاني، فالقصص لم تعد تتحدث فقط عن المتانة، بل انتقلت للحديث عن نمط حياة محوره كأس "ستانلي".
وهنا تبرز أهمية وقوة السرد كأداة تسويقية، فأكواب "ستانلي" يتم ترويجها ليس فقط لوظائفها، بل كجزء من نمط حياة يتم مشاركة تفاصيلها على مواقع التواصل، والنهج السردي هذا جعلها تقترن بأسلوب حياة صحي، وبالتصميم والعزيمة لإحداث التغييرات الإيجابية نحو ما هو أفضل.
الشركة احتضنت كل هذا وشجعت العملاء على مشاركة تجاربهم، وهذا لم يوفر لها مخزونًا هائلاً من الدعم فحسب، بل خلق مجتمعًا حول العلامة التجارية، ما زاد من قدرتها على الترويج لنفسها بشكل عضوي.
اقرأ أيضًا: ما هي استراتيجية كانبان وكيف تُحسن الإنتاجية وتقلل الهدر؟
الندرة والحصرية.. وخلق الحاجة
ما الذي يمكن لعلامة تجارية تبيع منتجاتها بكميات جنونية أن تفعله لزيادة مبيعاتها؟
الإجابة بسيطة للغاية: خلق الندرة والحاجة!
المقاربة هذه لم تكن لزيادة المبيعات، ففي الواقع الخطة تم اعتمادها لأن الشركة لم تكن متأكدة تماماً بأن الأنماط الجديدة سيتم بيعها بالكامل، ومن ثم فقد عمدت لإنتاج محدود لمجموعات محدودة، بدلاً من إنتاج خط جديد بكميات ضخمة لا تضمن بيعها!
وتبين لاحقاً بأن المقاربة هذه ليست فعالة فحسب، ولكنها مفيدة على كل الأصعدة، ولعل لائحة الانتظار لكل كوب ضمن الإصدارات المحدودة، التي تصل إلى 150 ألف شخص، خير دليل على صوابية القرار.
وإليكم الفكرة الجنونية التي نجحت تماماً، فالإصدارات المحدودة زرعت فكرة أن الأكواب هذه باتت قابلة للجمع، وحالياً هناك سوق رديف لشراء وبيع وتبادل منتجات "ستانلي" ذات الألوان النادرة والمحدودة!
اقرأ أيضًا| نقاط التسويق العمياء.. أبرز 3 أزمات تعيق نمو شركتك وطرق تجاوزها
الارتكاز على نقاط القوة.. والاستماع للجمهور
كل ما ذكرناه لم يكن بالإمكان تحقيقه، ما لم يكن المنتجات أصلاً ذات جودة عالية، فالسمعة الممتازة للشركة، وقدرتها منذ تأسيسها على إنتاج منتجات عالية الجودة، هو حجر الزاوية لنجاحها، ومن خلال المحافظة على المعايير العالية بنت الثقة والولاء بين عملائها.
وغم إيمانها بجودة منتجاتها فإنها قررت الاستماع لعملائها، من خلال التفاعل معهم، ووضع ملاحظاتهم بالحسبان، والتعديل وفقها.
الشركة وبعد نجاحها المذهل كان من المفترض أن تشهد على انتكاسة ما، أو حتى انخفاضًا في المبيعات، ولكن ذلك لم يحدث، لأنها تستمع لجمهورها، وتقدم لهم ما يريدونه.