الذكاء العاطفي.. سلاحك السري لقيادة نجاح الأعمال
من الإحصائيات الباهرة حول "الذكاء العاطفي"، أنه مسؤولٌ عما يصل إلى 70% من نجاحنا في هذه الحياة، وأن 90% من أنجح الأشخاص في أعمالهم يمتلكون درجةً عالية من هذا النوع من الذكاء، والذي يختلف تماماً عما نقصده عندما نلفظ كلمة "ذكاء"، فما هو الذكاء العاطفي؟ وممَ يتكون؟ وهل هو موهبة أم مهارة؟ وما أهميته في نجاح القيادة؟
ما هو الذكاء العاطفي؟
ظهر مصطلح "الذكاء العاطفي Emotional Intelligence" للمرة الأولى في عام 1990، عندما صاغه الباحثان "جون ماير" و"بيتر سالوفي"، ويُقصد به: "قدرتنا على فهم عواطفنا، والتحكم بها، وكذلك فهم عواطف الآخرين، والتأثير عليهم".
وحسب عالم النفس "دانيال جولمان"، الذي يُنسب له الفضل في انتشار مصطلح "الذكاء العاطفي"، فإن القادة الأكثر فاعلية يتشابهون في أنهم جميعاً يتمتعون بدرجةٍ عالية من الذكاء العاطفي، ويضيف: "هذا لا يُنقص من دور الذكاء المعروف والمهارات التقنية، ولكنهما من الركائز الموجودة في القادة على الأغلب، بعكس الذكاء العاطفي، والذي أثبتت دراستي ودراسات أخرى أنه شرطٌ لا غنى عنه في القيادة، وبدونه، لن يصبح القائد عظيماً، حتى وإن حظي بأفضل تدريب في العالم، وامتلك عقلاً تحليلياً ثاقباً، ومخزوناً لا نهاية له من الأفكار الذكية".
مكونات الذكاء العاطفي
بفضل الوعي الذاتي يُدرك القائد نقاط قوته وضعفه، ومن ثم يستطيع أن يتحكم في عواطفه في المواقف المستعصية، وفي الوقت نفسه يسعى للحل، كذلك يستطيع القائد الواعي أن يتواصل بشكلٍ أفضل مع فريقه، لأنه يفهم كيف تؤثر مشاعره عليهم، مما لا يساعد على اتخاذ القرارات الصائبة فحسب، بل يضمن أيضاً النمو الفردي والتنظيمي، ويتحقق ذلك من خلال توفر مكونات الذكاء العاطفي، والتي تتمثل في:
1. التحكم بالنفس: من مكونات الذكاء العاطفي التي لا غنى عنها، وتشير إلى قدرة الشخص على التحكم بعواطفه في أي موقف مهما كان مُستفزاً لمشاعر معينة، وهذا المكون تحديداً يعود بالنفع على كل أعضاء الفريق الذين سيتخذون مديرهم قدوة.
2. الوعي الاجتماعي: على المديرين والقادة أن يكونوا واعين ومدركين لطبيعة البيئات الاجتماعية التي يريدون أن يزدهروا فيها، فهذا يساعدهم على وضع الاستراتيجيات وتنفيذ الخطط اللازمة لتطوير القيادة وتطوير المنظومة بالكامل، وإذا كنت تتساءل عن علاقة ذلك بالذكاء العاطفي، فدعنا نوضح أن المقصود بالبيئات الاجتماعية هم العملاء المُستهدفون واحتياجاتهم، وذلك يُفهم بالذكاء العاطفي.
3. إدارة العلاقات: تقوي المكونات السابقة للذكاء العاطفي العلاقة مع الموظفين بشكلٍ غير مباشر، أما هذا المكون فيركز بشكلٍ أساسيّ على تشجيع الفرق وحل أي مشكلة أو نزاع قد يواجههم، ما يعود بالنفع على بيئة العمل في النهاية.
اقرأ أيضًا| مهارات المستقبل (6): الذكاء العاطفي طريقك لفهم ذاتك والآخرين
كيف يمكن للذكاء العاطفي أن يعزز القيادة؟
يُعزز الذكاء العاطفي القيادة عن طريق المساهمة بشكلٍ كبير في توطيد العلاقات، وتشجيع العمل الجماعي، وبث ثقافة العمل الإيجابية في المكان، لهذا نجد القادة الذين يتمتعون بذكاءٍ عاطفيّ مرتفع ماهرون في إلهام وتحفيز فرقهم، ويعرفون كيف يحلّون النزاعات متى وُجدت، فضلاً عن التكيف مع أي تغيير طارئ، وهذا ينقلنا إلى أهمية الذكاء العاطفي في نجاح القيادة.
أهمية الذكاء العاطفي في نجاح القيادة
تتمثل أهمية الذكاء العاطفي في نجاح القيادة في تحقيق ما يلي:
1. التواصل الفعال: يعرف القائد الناجح كيف يتواصل بشكلٍ فعال مع فريقه، وذلك لتوصيل رؤيته، وأهدافه، وتوقعاته بوضوح، ولا يعني التواصل الفعال تَمَكُن القائد من إيصال أفكاره للفريق فحسب، بل الاستماع لهم أيضاً، والأخذ بمشورتهم كلما اقتضت الحاجة، كذلك يستطيع القائد ذو التواصل الفعال أن يفهم مشاعر فريقه بوضوحه، وبالتالي يساعدهم على الإنتاجية والمشاركة الإيجابية.
2. بناء علاقات قوية: لا يمكن لأي عملٍ أن ينجح إذا كان فريقه مُفككًا، والنجاح هنا يعني الاستمرارية، ولأن النزاعات واردة، يجب على القائد الناجح أن يتحلى بالذكاء العاطفي الذي يُبدد الخلافات ويقوي أواصر العلاقات، وذلك عن طريق فهم مشاعر واحتياجات كل فردٍ على حدة وخلق بيئة عمل إيجابية وداعمة تُشعر كل شخصٍ أنه في بيته، وعليه، يزداد الرضا ويدب الحماس في الجميع، مما ينعكس على العمل بالإيجاب.
3. اتخاذ القرارات: الذكاء العاطفي مهمٌ جداً في عملية اتخاذ القرار، لأنه يساعد القادة على فهم المواقف بشكلٍ جيدٍ ومنطقي، ودعونا نأخذ مثالًا: شركة "س" تواجه أزمة مالية وتحتاج إلى اتخاذ إجراءٍ سريع لتقليل النفقات، إما عن طريق خفض رواتب الموظفين أو تسريح بعضهم، المدير غير الذكي عاطفياً سيتخذ قراراً سريعاً دون مشاورة فريقه ودون مراعاتهم، أما القائد الفعال، فسيتواصل مع الجميع بوضوحٍ وشفافية حول الوضع، موضحاً التأثير المحتمل لكل خيار، وبدلاً من اتخاذ القرار بشكلٍ عشوائي متبلد المشاعر، سيفكر في كيفية الحفاظ على الروح المعنوية للفريق وربما يعطيهم بدائل.
4. تحفيز الفريق وإلهامهم: القائد الذكي عاطفياً يفهم مشاعر الآخرين بوضوح، ويضع نفسه مكانهم، ومن ثم يستطيع أن يشجعهم على تحقيق أهداف العمل، ويُلهمهم لتحقيق أهدافهم الشخصية على المدى البعيد، على سبيل المثال، يلاحظ قائد أن فريقه قد تأخر في تسليم المشروع الذي طلبه منهم، وبدلاً من توبيخهم، سألهم عن السبب فوجد أنهم مضغوطون نفسياً، فقدّر مجهوداتهم وأعطاهم فرصةً أخرى بعد أن شجعهم ورفع من معنوياتهم، ليحصل في النهاية على نتيجةٍ أفضل مما كان يتوقعها، وإن تأخرت قليلاً.
اقرأ أيضًا: كيف تُدمّر القيادة غير الفعّالة فرق العمل والمؤسسات؟
استراتيجيات لتعزيز الذكاء العاطفي لدى القادة
الذكاء العاطفي ليس صفة وراثية، وإنما مهارة يمكن تطويرها عن طريق بذل الجهد والممارسة المستمرة، وإليك بعض الاستراتيجيات التي من شأنها أن تُعزز ذكاءك العاطفي، كقائد أو كشخصٍ عادي:
1. التعاطف: القدرة على وضع نفسك مكان الآخرين لفهم مشاعرهم بأفضل شكل ممكن، وغالباً ما يتمتع المُستمع الفعال بقدرة كبيرة على التعاطف، ولذلك إذا أردت أن تحسن من درجة التعاطف لديك، فحاول أن تكون مستمعاً جيداً للآخرين، ركز معهم بكل جوارحك، واجعلهم يشعرون بذلك، لا تُقاطعهم ولا تقطع تواصلك البصري معهم، ولا بأس من الأسئلة المفتوحة المطالبة بالتوضيحات، بذلك تُصبح مستمعاً جيداً، وتزيد درجة تعاطفك وذكائك العاطفي.
2. التحكم بعواطفك: لا تمسك عواطفك ولا تجعلها جياشة، فقط تعلم متى تُبديها وبأي قدر، وإذا كنت لا تستطيع أن تتحكم بمشاعرك، فأغلب الظن أنك مضغوط عاطفياً، وبالتالي حاول أن تتعلم أساليب إدارة التوتر والقلق، مثل التأمل والتنفس العميق، وطبعاً مارس الرياضة وأفرغ فيها طاقتك، وتذكر دائماً أن تُفكر في كلامك وتقلّبه في ذهنك جيداً قبل أن تتفوه به.
3. التحلي بالمهارات الاجتماعية: يُمكن تلخيص المهارات الاجتماعية في القدرة على التواصل الفعال وبناء علاقات وطيدة مع الآخرين، كما تشمل القدرة على حل النزاعات، والحزم، والاستماع الفعال، ولتطوير مهاراتك الاجتماعية، حاول أن تتعرف على أشخاصٍ من خلفيات متنوعة، لتوسيع منظورك وتقبُل الاختلافات.
4. عدم التوقف عن التعلم: يتطلب الذكاء العاطفي تعلماً مستمراً، اقرأ كتباً ومقالات، واحضر ورشاً تعليمية وندوات، والأهم من كل هذا تواصل مع الآخرين، وحاول أن تُطبق ما تعلمته معهم، واعلم أن اليوم الذي لن تحتاج فيه إلى الذكاء العاطفي، ستكون قد فارقت الحياة، أو على الأقل لم تخرج من غرفتك.
اقرأ أيضًا| الذكاء العاطفي وطرق تنميته.. كيف يكون سببا في نجاحنا اجتماعيا؟
دور الذكاء العاطفي في بناء فرق عمل فعّالة
بعد أن بيّنا أهمية الذكاء العاطفي في الأعمال بشكلٍ عام، نتحدث عن أهميته في بناء فرق عمل فعالة، إذ يُساعد الذكاء العاطفي على بناء الثقة ويزرع روح التعاون بين فرق العمل بشكلٍ واضح، وفي دراسة حديثة تبين أن أداء المؤسسات التي يتمتع العاملون بها بنسبة عالية من الذكاء العاطفي أعلى بنسبة 20% من غيرها، وأن 80% من الموظفين يفضلون العمل مع أفراد ذوي درجات مرتفعة من هذا النوع من الذكاء.
إذا تخيلنا فريق مبيعات مكونًا من 4 أفراد؛ يتمتع اثنان منهما بذكاء عاطفي مرتفع، بينما يمتلك الآخران درجة متواضعة، في بيئة محاكاة، سيحقق الثنائي ذوا الذكاء العاطفي المرتفع -غالباً- مبيعات أكثر بنسبة 25% مقارنة بزميليهما الآخرين الأقل ذكاءً عاطفياً، ولكن من خلال التعامل الفعال يُمكن للقادة أن يخلقوا بيئةً تُشجع على الإنتاجية التي تقود العمل في النهاية إلى النجاح.
مثالٌ آخر، تخيل شركةً تقنية متوسطة تُعاني من نسبة عالية من الـ "Turnover"، (مُصطلح يشير إلى نسبة الموظفين الذين يغادرون الشركة مقابل الموظفين الجدد خلال فترة زمنية محددة)، نتيجة لذلك، يستثمر الرئيس التنفيذي في تدريب موظفيه على الذكاء العاطفي، وبعد عام، يُلاحظ تحسن معدل الـ "Turnover" بنسبة 40%، وارتفاع درجات رضا الموظفين من 58 إلى 85%، وهي النسب التي تختلف حسب عوامل عدة، إلا أنها توضح دور الذكاء العاطفي في بناء فرق عمل فعالة؛ تبذل قصارى جهدها لتحقق المطلوب، وترتبط ببيئة العمل التي تنتسب إليها.
في النهاية يجب التأكيد على أن الذكاء العاطفي يشير إلى مهارات الفرد الاجتماعية وقدرته على التعاطف مع الآخرين ووضع نفسه مكانهم، وهذا يختلف كلياً عن الذكاء العادي أو الـ "IQ"، الذي يقيس مهارات الفرد على المستوى المعرفي والفكري البحت، مثل قدرته على تذكر الأشياء، والتفكير التحليلي، والاحتفاظ بالمعرفة.
وعلى الرغم من أهمية الذكاء بمفهومه التقليدي في كل جوانب الحياة تقريباً، فإن الذكاء العاطفي هو المفتاح الحقيقي للقيادة الفعالة، وباستغلاله، يمكنك أن تنجح في إدارة أعمالك.