خفايا انتقال السلطة: سيكولوجية تسليم القيادة بين المديرين التنفيذيين
لا يوجد حدث واحد له تأثير أكبر على نجاح أو فشل الشركات من حدث اختيار رئيس تنفيذي جديد. هذا الحدث أشبه بسباق تتابع حيث يتم نقل العصا وسط أجواء محمومة مليئة بالمخاطر والفرص في آن واحد. تنصبّ الأعين على الجائزة، وكما أنّ الفوز قريب، كذلك الخسارة، وكل ما يتطلبه الأمر هو الفشل في نقل العصا.
يمكن أن يعطل الفشل مسار العمل، ويلحق الضرر بسمعة الشركة، ويُسبب خسائر مالية كبرى. فقد تكبّدت شركات S&P 1500 خسائر قدرت بتريليون دولار بسبب فشل عملية نقل السلطة، وذلك وفقًا لدراسة تابعت أكثر من 1300 عملية تعاقب.
السؤال المطروح هنا: ما هي العوامل التي تؤدي إلى الفشل؟ وكيف يمكن لسباق يشارك فيه "نجوم" جميعهم بأجندات خاصة أن ينتهي بالفوز؟
فوضى التغيير
للغرابة، لا يعتمد نجاح أو فشل عملية التعاقب على ما هو بديهي، ألا وهو خبرة الرئيس التنفيذي الجديد. فكما أظهرت دراسة تحليلية شملت أكثر من 1000 عملية تعاقب لشركات S&P 500 و S&P 400، فإن الخبرة ليست معيارًا جيدًا لتوقع الأداء بعد عملية تسلم السلطة.
بدلاً من ذلك، أظهرت الدراسة أن العقبات النفسية تُخرج العملية عن مسارها بغض النظر عن حجم الشركة ومدى نضج قادتها. فعلى ما يبدو، تنطبق الحكمة القائلة "إن الجبال المنتصبة أمامك لا ترهقك بل الحصى في حذائك" تمامًا على هذا الوضع.
فيما يلي، سنُسلّط الضوء على العقبات النفسية الرئيسة التي تُشكل أساس سيكولوجيا نقل السلطة في جميع المؤسسات، مهما كان حجمها ونوعها.
اقرأ أيضًا: مهارات القيادة في العمل.. هكذا تكون قائدًا ناجحًا "كما يقول الكتاب"
العقبة الأولى: الهدف نفسه بأجندات مختلفة
إن كنتم من محبي الأحداث الرياضية، فلعلكم تدركون أن كثرة النجوم في الفريق الواحد قد تأتي بنتائج عكسية، فبدلاً من الفوز، يضعف الأداء.
ينطبق هذا الواقع على عالم المؤسسات أيضًا، ولكن خلافًا للرياضيين، فإن تعديل النتيجة ليس من الخيارات المتاحة.
هناك عدة جهات معنية بعملية اختيار الرئيس التنفيذي الجديد، تشمل الرئيس التنفيذي المغادر، والخليفة القادم، ومجلس الإدارة. ولكلّ واحد منهم أجندته الخاصة، تأتي جميعها تحت إطار الأجندة الموحدة، وهي عملية نقل سلسة للسلطة.
وبما أنّ الشيطان يكمن في التفاصيل، فإنّ الاختلافات غالبًا ما تؤدّي إلى عملية الفشل. سيسعى الرئيس المغادر إلى الترويج لإنجازاته والحفاظ على إرثه، بينما سيسعى مجلس الإدارة إلى اختيار من يمكنه كسب تأييد المستثمرين مع ضمان استمرارية قوة وتأثير المجلس.
وبطبيعة الحال، سيكون هدف الخليفة القادم هو إثارة إعجاب المجلس والحصول على دعم الرئيس المغادر، ما يعني تلقائيًّا ثقة اللاعبين الأساسيين بالمؤسسة.
يمكن أن تُحوّل الأجندات المتباينة التوترات إلى صراع. والنتيجة عملية انتقال عالية المخاطر وشديدة التعقيد، وصراعات حول القوة: من يملكها، ومن يريدها، وكيف يستخدمها كل طرف.
تكون عادةً لهذه المعضلة تأثير محدود في التعاقب القسري، أي عندما يغادر شاغل المنصب فجأة، ويتولى الرئيس الجديد المنصب على الفور.
أمّا التعاقب المخطط له، الذي يتضمن البحث عن بديل وتعيينه تحت إدارة الرئيس المغادر لفترة من الزمن، ثم تقييم الأداء وتسليمه السلطة، فهو معقد للغاية.
ورغم التعقيدات، فإنّ مقارنة نتائج الدراسات تُظهر أنّ مفتاح الحلّ، إلى حدّ ما، بيد الرئيس القادم. فتصرفاته هي التي تُؤثّر بشكل أكبر على نجاح عملية التسليم أو فشلها، حيث إنّه في نهاية المطاف لديه الكثير ليكسبه أو يخسره. فإذا انهارت العملية، يمكن للمجلس البحث عن شخص آخر أو إعادة تعيين سلفه، ولكنّ الفشل يعني ضررًا كبيرًا بسمعة الرئيس القادم.
سيحتاج أيّ رئيس تنفيذي جديد، بغض النظر عن آلية تولّيه لمنصبه، إلى معرفة كيفية التأثير على الآخرين من أجل ضمان تنفيذ أجندته وتعزيز فرص نجاحه. هناك العديد من أساليب التأثير التي يمكن اعتمادها، ولكنّ الإطار الذي طوره روجر هاريسون وديفيد بيرلو في السبعينيات لا يزال الأفضل.
النهج الأول: الإقناع الحازم: ينطوي على حشد الحقائق لتقديم حجة منطقية مقنعة، مثل "أ زائد ب يساوي ج. لذلك، لا يوجد خيار معقول آخر سوى أن تفعل ما أطلبه منك. الحقائق لا يمكن دحضها، والمنطق واضح".
النهج الثاني: الحوار والموانع: طريقة العصا والجزرة لشرح العواقب مثل "افعل ما أريدك أن تفعله، وسأعطيك شيئًا تريده. إذا لم تفعل، سآخذ منك شيئًا تملكه أو أحجب عنك شيئًا ترغب فيه." ولكن عليك أن تملك القدرة على تقديم أو أخذ ما يريده الأتباع.
النهج الثالث: أساليب الجذب: قائم على الرؤية المشتركة التي تخدم الجميع . تخيلوا كيف سيكون الوضع عليه حين نقوم بالمقاربة هذه تحفيزية قائمة على الانفتاح والمشاركة ودعوة الاخرين للمساعدة لوضع خطة تخدم مصالح الجميع.
العقبة الثانية: مفارقة الأهمية والفورية
تنطوي خلافة الرئيس التنفيذي على مفارقة جوهرية، فهي في الوقت ذاته المهمة الأكثر أهمية لمجلس الإدارة، ونادرًا ما تتصدر قائمة الأولويات. يميل المجلس إلى التعامل مع المسائل اليومية الملحة، بينما يؤجل القرارات والنقاشات المتعلقة بالرئيس الجديد.
تشير الدراسات إلى أن الشركات التي تنخرط في تخطيط منهجي للخلافة تتفوق على تلك التي لا تقوم بذلك. ومع ذلك، فإن العديد من الشركات تؤجل هذه العملية الحاسمة.
لماذا؟
التخطيط للخلافة يمكن أن يكون محرجًا وغير مريح. قد يشعر الرؤساء التنفيذيون الحاليون بالتهديد من المناقشات حول خلفائهم المحتملين، وقد يتردد أعضاء مجلس الإدارة في إثارة الموضوع خوفًا من الإساءة إلى الرئيس التنفيذي الحالي أو إضعاف سلطته.
لا يُعدّ تخطيط الخلافة أولوية ملحة دائمًا. غالبًا ما يتم تجنب المحادثات الصريحة حول الخلافة حتى تصبح ضرورة ملحة، وأحيانًا بعد فوات الأوان.
للتغلب على هذه المفارقة، على الشركات جعل تخطيط الخلافة عملية مستمرة ومنتظمة، وليس حدثًا لمرة واحدة. إليك بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها:
- إنشاء "خط أنابيب للمواهب" يحدد ويطور القادة المحتملين على مدى سنوات.
- إجراء مراجعات منتظمة لخطط الخلافة، حتى عندما لا تكون هناك حاجة فورية.
- جعل تخطيط الخلافة جزءًا من ثقافة الشركة.
- توفير التدريب والدعم لأعضاء مجلس الإدارة والرؤساء التنفيذيين حول كيفية إجراء محادثات حول الخلافة.
من خلال معالجة الخلافة بشكل استباقي، يمكن للشركات تجنب الاندفاع نحو قرارات متسرعة وضمان حصولها على أفضل رئيس تنفيذي ممكن للمستقبل.
العقبة الثالثة: سيكولوجيا المطابقة والتغيير
يقع مجلس الإدارة وأعضاء لجنة الخلافة، غالبًا عند اختيار الرئيس، في واحدة من مغالطتين مترابطتين ومتعارضتين في الوقت نفسه. يميل بعض أعضاء المجلس إلى تفضيل نسخة طبق الأصل عن الرئيس المغادر، خاصةً إذا كان سجله حافلاً بالإنجازات. بمعنى آخر، يبحثون عن "نسخة تقليدية". بينما يبحث البعض الآخر عن النقيض تمامًا.
لا يمكن الجزم بأنّ أحدهما صحيح والآخر خاطئ. فالأمر الأهم هو إجراء نقاش مستفيض والتوصل إلى قرار حاسم يحقق النتيجة النهائية التي تسعى إليها الشركة. أي نقاش دون غاية محددة هو بمثابة تخبط في الظلام.
يساعد المخطط أيضًا على تجنب التركيز بشكل مبالغ فيه على الخبرة. فبينما تُعدّ الخبرة مفيدة، إلا أنها لا توضح كيفية تحقيق الشخص للنتائج. ما تبحث عنه الشركات هو معرفة كيفية تحقيقه للأهداف، لأنّ ذلك يُظهر آلية تعامله مع المواقف المستقبلية. فالأهداف المُحققة في الماضي ليست مهمة بقدر آلية تعامله مع التحديات القادمة.