كيف تُدمّر القيادة غير الفعّالة فرق العمل والمؤسسات؟
لا تقتصر القيادة غير الفعالة على الزعماء النرجسيين فقط، بل تُخفي خطرًا أكبر يتمثل في الزعيم الغائب، الذي يُشغل منصبًا قياديًا دون المشاركة الفعلية مع فريقه.
يُسيطر هذا النوع من الزعماء على المناصب الإدارية ويستمتع بامتيازات القيادة، لكنّه يتجنّب التواصل والمشاركة الهادفة مع فريقه.
يُؤدّي هذا السلوك إلى نتائج كارثية مثل انخفاض ملحوظٌ في الإنتاجية، وإعاقة تحقيق أهداف الخطط، وشعورٌ باليأس والإحباط بين أعضاء الفريق، وكذلك تهديدٌ لوجود المؤسسة على المدى الطويل.
تُؤكّد الأبحاث خطورة هذا النوع من القيادة؛ فالتجاهل من قبل الزعيم يُؤثّر سلبًا على الموظفين أكثر من معاملتهم بشكلٍ سيئ، ويُؤثّر سلبًا كذلك على شعور الموظفين بالرضا الوظيفي أكثر من أيّ نوعٍ آخر من القيادة، وأن آثارُهُ السلبيةُ تدومُ لفترةٍ أطول من آثارِ القيادة البناءة أو المُدمّرة، لذا فإن الزعيم الغائب يُعدّ خطرًا خفيًا يُهدّد المؤسسات ويُعيق تحقيق أهدافها.
النماذج السلبية من القيادات الغائبة!
من المحتمل أن تكون مؤسستك غير مدركة لوجود مثل هذه النماذج السلبية من القيادات الغائبة بين صفوفها، لأن القادة الغائبون يتجنبون في الواقع القيام بأي شيء يجذب الانتباه. ومع ذلك، يجب أن ندرك أن تأثيرهم السلبي لا يُمحى بسهولة.
حسب الخبراء، فإن النماذج السلبية لا تتوقف عند هذا النوع من المديرين فقط، بل قد لاحظ خبراء الإدارة نماذج أخرى.
ومن بين هذه النماذج السلبية، يُعتبر المدير الذي يقدم لموظفيه ردود فعل مثل "أنت تقوم بعمل رائع" دون تقديم دعم فعلي وصادق هو من بين الأسوأ. على الرغم من أنه قد يكون ذلك محفزًا للموظف، إلا أنه قد لا يعكس الواقع، ويمكن أن يؤدي إلى فقدان الثقة في القيادة.
وفي الوقت نفسه، إذا كانت المنظمة تواجه فوضى أو ضغطًا أو خللًا في الإدارة، فإن الموظف يحتاج إلى دعم فعال وردود فعل صادقة وجوهرية. في مثل هذه الحالات، يُفضل الموظفون القادة الذين يكونون متواجدين ويقدمون المساعدة الحقيقية بدلاً من الثناء الفارغ أو الانتقادات غير البناءة.
اقرأ أيضًا: للمديرين التنفيذيين.. نظريات مشهورة تختصر خبرات الإدارة لاعتلاء قمة النجاح
خصائص الانحراف الإداري
درس الباحثون الانحراف الإداري -أو ما يمكن أن نطلق عليه الجانب المظلم للقيادة- لسنوات عديدة، فاكتشفوا أن خصائص الانحراف الرئيسية للمديرين السيئين واضحة، وتقع ضمن ثلاث فئات سلوكية، وهي:
سلوكيات الابتعاد: وتتمثل في السلوكيات التي تبعدها عن الآخرين من خلال الانفعالات المفرطة، وتقليل التواصل، والشك الذي يؤدي إلى تآكل الثقة.
التحرك ضد السلوكيات: وتشمل السلوكيات التي تسيطر على الآخرين وتتلاعب بهم، مع تعزيز الذات.
التحرك نحو السلوكيات: وتتضمن السلوكيات التي تشتمل على التملق، والامتثال المفرط، والتردد في استغلال الفرص أو دعم الفريق.
بالإضافة إلى هذه الفئات، يضيف الخبراء فئة خاصة تحت عنوان "القائد باللقب"، وهو المدير الذي يحمل هذا اللقب دون أن يظهر أي نوع من القيادة الفعلية.
وعلى الرغم من ندرة ظهور القيادة الغائبة في أدبيات القيادة أو الأعمال اليوم، فإن الأبحاث تظهر أنها الشكل الأكثر شيوعًا للقيادة غير الكفؤة. تشبه القيادة الغائبة مفهوم البحث عن الريع في الاقتصاد، حيث يعمل هؤلاء المديرون على أخذ القيمة من المنظمة دون تقديم أي قيمة في المقابل. ومن ثم، فإنها تمثل حالة خاصة من القيادة التي تعتمد على مبدأ عدم التدخل، ولكنها تتميز بقدرتها التدميرية العالية.
القيادة الغائبة
قد يبدو وجود مدير يسمح لك بفعل ما تود القيام به أمراً مثالياً، خاصة إذا كنت تتعرض للمضايقات من قبل مديرك الحالي، ومع ذلك، أظهرت دراسة استقصائية أجريت عام 2015 على 1000 موظف، أن ثمانية من أهم تسع شكاوى بشأن القادة كانت تتعلق بسلوكيات غائبة. فقد كان الموظفون أكثر قلقاً بشأن ما لم يفعله رؤساؤهم، وبدا من الواضح -من وجهة نظر الموظفين- أن القيادة الغائبة تمثل مشكلة كبيرة، بل إنها بدت أكثر إزعاجاً من الأشكال الأخرى الأكثر وضوحاً للقيادة السيئة.
ويعتقد الخبراء بأن القيادة البناءة تعمل على تحسين الرضا الوظيفي بشكل فوري، إلا أنهم يعتقدون كذلك أن تأثيراتها سرعان ما تتضاءل. وفي المقابل، تؤدي القيادة المدمرة إلى تدهور الرضا الوظيفي على الفور، ولكن آثارها لا تتبدل سريعاً، حيث تحتاج إلى أكثر من ستة أشهر للتعافي. ويستغرق تأثير القيادة الغائبة وقتاً أطول للظهور، لكنه يقلل من الرضا الوظيفي لدى المرؤوسين لمدة عامين على الأقل.
وترتبط القيادة الغائبة بعدد من النتائج السلبية الأخرى للموظفين، مثل غموض الدور، والشكاوى الصحية، وزيادة التنمر من أعضاء الفريق، والضغوطات على الموظفين، مما يمكن أن يؤدي إلى نتائج صحية سيئة. وفي الوقت نفسه، تؤدي القيادة الغائبة إلى استنزاف المواهب، مما يؤثر على المؤسسة ويمنع تطورها أو تحقيقها للنجاح المنشود.
والحقيقة أن العديد من المنظمات لا تواجه القادة الغائبين، ربما لأن لديهم مديرين آخرين يكون سلوكهم أكثر تدميراً بشكل واضح، ونظراً لأن القادة الغائبين لا يقومون في الغالب بإثارة المشاكل بشكل فعال، فقد يكون من الصعب اكتشاف تأثيرهم السلبي على المؤسسات. وعندما يتم اكتشافه، غالباً ما يُعتبر مشكلة ذات أولوية منخفضة، وبالتالي فإن القادة الغائبين غالباً ما يكونون قتلة صامتين، إذا تُركوا دون رادع فإنهم يسدون شرايين التجدد والنمو في المنظمة، مما يمنع الأشخاص الأكثر فعالية من الانتقال إلى أدوار مهمة، ويعطل إحداث أي إضافة حقيقية إلى الإنتاجية.
إذا كانت مؤسستك واحدة من المنظمات القليلة نسبياً التي لديها أساليب اختيار وترقية فعالة، فقد تكون قادرة على تحديد القادة الفعالين والمدمرين. حتى إذا لم تكن مؤسستك جيدة في تحديد المواهب، فمن السهل اكتشاف كلا النوعين من القادة بمجرد توليهم الوظيفة، مع مراجعة هذه المناصب واتخاذ مواقف حيالها، بما يحسن من إدارة المواهب، مع مراقبة النتائج التنظيمية التي يمكن التنبؤ بها. فالقيادة البناءة تخلق مستوى عالٍ من المشاركة والإنتاجية، في حين أن القيادة المدمرة تقتل المشاركة والإنتاجية. وفي النهاية، المؤسسات والشركات التي لديها أفضل القادة هي التي ستفوز وتحقق النجاح والاستمرار.