أذية بلا ندم.. ماذا تعرف عن اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؟
أن يُعدَم الإنسان الإحساس بالآخرين، فلا يتعاطف معهم ولا يُبالِي بهم، ثُمّ هو على أذيتهم حريصٌ كأنّ هناك ثأرًا قديمًا بينه وبينهم، بل لا يتحمّل أي مسؤولية كما ينبغي، ولا يندم على كل تلك الأفعال. هذا هو اضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع، الذي يحمل جذورًا وراثية، وأخرى تتعلّق بالتنشئة والتربية، لكن إذا كان من بيننا مَن يمتلكون تلك الشخصية، فهل سيبقون كذلك إلى الأبد أم أنّ هناك طرق تُساعِد في استبدال تلك الشخصية بشخصيةٍ أخرى سوية؟
ما هو اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؟
هو اضطراب نفسي، يرتكب فيها الإنسان سلوكيات تضر الآخرين دون أي ندم، بل وقد يُظهِر عدم احترام تجاه الآخرين، وقد يكون عدوانيًا أيضًا.
وحسب شِدّة ذلك الاضطراب النفسي تكون أعراضه، إذ يصعب على المُصابِين به إظهار التعاطف المطلوب أو الاهتمام بالآخرين دون ندم على أفعالهم، كما تضطرب علاقاتهم مع الأصدقاء والعائلة، وغالبًا لا يبحث ذلك الشخص عن مُختص لمساعدته في التعامل مع حالته.
أعراض اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع
تُشِي بعض التقديرات إلى أنّ اضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع يظهر في 1 - 4% من السكان، وحسب الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5)، فإذا كان شخصٌ ما مُصابًا بذلك الاضطراب، فسيُظهِر ثلاثة أو أكثر من الأعراض الآتية قبل سن 15 عامًا:
- تجاهل الأعراف الاجتماعية والقوانين، فمثلًا قد يخرق قوانين المرور بانتظام دون أي قلق من ذلك.
- الخداع؛ إذ يميل هؤلاء إلى الكذب عليك وعلى غيرك، وقد يخدعون الناس بأنّهم مفلسون أو بحجب بعض المعلومات عنهم.
- سلوك اندفاعي، فقد يترك وظيفته فجأة لمجرد نزوة، أو يُفرِط في الشُرب أو السلوك الجنسي المحفوف بالمخاطر.
- العدوانية، فقد يكون سريع الانفعال، أو ينتقد غيره بطرق مسيئة لفظيًا أو جسديًا، كما قد ينفجرون في نوبات من الشتائم لغيرهم.
- تجاهل سلامتهم وسلامة الآخرين، فقد يتعامل مع الأسلحة النارية بلا مبالاة أو يتهوّر في القيادة مثلًا.
- عدم المسؤولية، فقد لا يُبالِي في رد الأموال التي اقترضها، أو يتخلّى عن المسؤليات بشعور من الغطرسة أو الاستحقاق.
- غياب الندم، فلا يبدو عليه أي انزعاج أو ضيق مِن الضرر الذي قد يُسبِّبه للآخرين.
وهذه الأعراض قد تُؤدِّي إلى صعوبة في التعامل مع الحياة ومع الآخرين عمومًا، خاصةً في غياب التعاطف مع أي أحد.
أسبابه
لا يُوجَد سبب معروف بدقة لاضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع، لكنّ هذه الشخصية تتشكّل مع تآزر العديد من العوامل سواء كانت متعلقة بالطبيعة أو التنشئة، ومن العوامل التي قد تجعل تلك الشخصية تُهيمن على الإنسان:
1. الجينات
اضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع أكثر شيوعًا بين الأقارب من الدرجة الأولى عند المُصابِين بذلك الاضطراب، وقد اقترح بحث، حسب موقع "verywellmind"، أنَّ ذلك الاضطراب مرتبط بشدة بالعوامل الوراثية، والتأثيرات البيئية قد تُفاقِمه إلى جانب ذلك.
اقرأ أيضًا: «إرهاق الشتاء».. ما هي أعراض الاضطراب العاطفي الموسمي؟
2. التنشئة والتربية
قد يكون للتنشئة الأثر الأكبر في تكوين شخصية الإنسان، خاصةً في حالة سوء معاملة الطفل أو إهماله، أو تعرّضه لصدمات، فكل ذلك مرتبط باضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع، خاصةً إذا أساء الأبوان مُعاملته، إذ يتعلم الطفل تلك السلوكيات، التي قد تظهر في سلوكه هو لاحقًا.
كذلك فإنّ الأطفال الذين يكبرون في منازل غير منظمة ومهملة لهم، يفتقدون الشعور بالانضباط والتعاطف مع الآخرين.
3. اختلافات الدماغ
هناك بعض العوامل التي قد تزيد خطر الإصابة باضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع، مثل التدخين في أثناء الحمل، أو اختلال وظائف الدماغ؛ إذ تُشِير الأبحاث إلى أنّ المُصابِين بذلك الاضطراب، لديهم اختلافات في الفص الأمامي للدماغ، وهي المنطقة المسؤولة عن التخطيط والحُكم على الأمور أو بالأحرى شخصية الإنسان.
طرق التشخيص
يعتمد تشخيص اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع على الأعراض الظاهرة على الشخص، وغالبًا ما تبدأ هذه الأعراض في مرحلة الطفولة، وإن كان تشخيصها قد يتأخر عن ذلك.
وبالنسبة إلى الأطفال المصابين بهذا الاضطراب، فغالبًا ما يُظهرون نوبات انفجارية من الغضب، وغالبًا ما يصفهم أقرانهم بأنهم متنمرون.
يعتمد التشخيص على ظهور 3 أو أكثر من الأعراض السبعة المذكورة سابقًا قبل سن 15 عامًا، كما يُشترط ألا يكون سلوكه المعادي للمجتمع ناتجًا عن اضطرابات أخرى، مثل الفصام أو اضطراب ثنائي القطب.
سبل العلاج
من الصعب علاج اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؛ إذ نادرًا ما يبحث هؤلاء عن العلاج بمفردهم، ومع ذلك فقد تُساعِد بعض الوسائل في علاج ذلك الاضطراب، واستعادة الشخصية السويّة للإنسان:
1. العلاج النفسي
يُساعِد العلاج المعرفي السلوكي الإنسان في معرفة أفكاره وسلوكياته ومحاولة تغييرها لاتجاه أفضل، لكن النتائج الفعالة لا تظهر إلّا بعد فترة من الوقت، ويُمكِن للآخرين ملاحظة تحسُّن المريض مع مداومته على جلسات العلاج النفسي مع المُختصين.
اقرأ أيضًا: اضطراب القلق الاجتماعي.. ما هو؟ وكيف تقي نفسك منه؟
2. الأدوية
قد تُستخدَم الأدوية في علاج بعض الأعراض المُصاحبة لاضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع، مثل:
- أدوية القلق.
- أدوية الاكتئاب.
- مضادات الذهان.
التعامل مع اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع
إذا كان أحد أقربائك أو شخصًا عزيزًا عليك يمتلك تلك الشخصية، فقد تعيش في خوفٍ دائم من سلوكه غير المتوقع، وهذه بعض الخطوات التي تُساعِدك في التأقلم والتعامل معه:
1. لا تأخذ تصرُّفاته على محمل شخصي
المُصاب باضطراب الشخصية المُعادية لا يعني أذيتك أنت تحديدًا، ولا يكذب عليك لأنّك ساذج مثلًا، ولكنّه يتعامل هكذا مع الجميع تقريبًا، فحاول ألّا تأخذ أفعاله على محمل شخصي.
2. تجنّب الإساءة قدر المُستطاع
من الضروري أن تعرف متى تتجه العلاقة ناحية الإساءة، والحفاظ على سلامتك أهم من أي شيء، والإساءة قد تكون لفظية وعاطفية في شكل شتائم وترهيب أو حتى جسدية، وكلُّ ذلك يجب تجنُّبه.
3. تشجيعه على العلاج
عادةً لا يميل المُصاب إلى الحصول على علاج، ومع ذلك يجب ألّا تيأس من محاولة دفعه للحصول على العلاج المناسب، خاصةً مع تفاقُم ذلك الاضطراب يومًا تلو الآخر.
اقرأ أيضًا: اضطراب الشخصية الحدية.. الأسباب والأعراض والمخاطر
4. وضع حدود في العلاقات
تُساعِد الحدود الواضحة في العلاقات في حمايتك من السلوك المتهور لأحبائك، ولذلك أخبره بالأفعال التي لن تتسامح معها، مثل الصراخ في وجهك أو أذيتك لفظيًا أو غير ذلك، والمهم أن تكون الحدود واضحة في التعامل.
كيف تتغلب على شخصيتك المعادية للمجتمع؟
بقي أن يُحاوِل المرء إنجاد نفسه من قيد تلك الشخصية العدوانية، وما دام يرفض العلاج غالبًا، فهناك سبل أخرى يمكن اتّباعها لإزاحة تلك الشخصية بعيدًا، وذلك من خلال:
1. ممارسة التعاطف
التعاطف ضروري لفهم وجهة نظر الآخرين بصورةٍ أفضل، وذلك قد يأتي في البداية من خلال الاستماع لهم جيدًا، ومحاولة أن تضع نفسك مكان الآخرين والنظر بمنظورهم هم، كما يُمكِنك فهمهم من خلال لغة الجسد، فهل من أمامك يبتسم ابتسامة زائفة؟ هل هو متوتر؟ فتفسير تلك الإشارات غير اللفظية مِمّا يدل على الحالة العاطفية للآخر، ويُساعِدك في التعامل معه بأفضل طريقة.
2. الذكاء العاطفي
يعني الذكاء العاطفي قدرتك على فهم وإدارة المشاعر بطريقة صحية وبنّاءة، وذلك يُساعِدك في تقوية علاقاتك وقدرتك على اتخاذ القرار، ويُمكِن تعزيز الذكاء العاطفي من خلال الاعتراف المشاعر الحالية لديك، وتحديد أنماط التفكير السلبية التي تُؤدِّي إلى السلوك العدواني، ومحاولة تحسين تركيز في أثناء المحادثات مع الآخرين دون الاهتمام بالأحكام والانتقادات الشخصية في أثناء حديث الشخص الآخر.
3. تهدئة الغضب والاندفاع
وذلك من خلال رصد العلامات الباكرة للغضب، فقد تشعر بانقباض الفك أو توتر الكتف أو ضيق الصدر، ثمّ اتخذ الخطوات اللازمة لنزع فتيل ذلك الغضب، وذلك من خلال التنفس العميق مثلًا، أو المشي السريع، أو أي نشاطٍ يُناسِبك ويُساعِدك على الهدوء.
كذلك لا تأخذ قرارًا وأنت في فورة غضبك، بل أجِّل القرارات خاصةً إذا كانت مهمة، وفكِّر في خياراتك المتاحة ما دام في الوقت متسع.