ما الفرق بين الرهاب الاجتماعي والشخصية الانطوائية؟
يميل كثيرٌ من الناس إلى الوحدة وتجنُّب المواقف الاجتماعية، إذ يجد بعضهم راحته في العزلة والاستمتاع بقراءة كتابٍ، أو رسم لوحةٍ دون أن يعتريهم قلقٌ كبير من المواقف الاجتماعية، وهذه هي سمة الانطوائيين، أمَّا الرهاب الاجتماعي، فيميل المُصابون به إلى تجنُّب المواقف الاجتماعية خوفًا من الحرج ولإحساس القلق المُتنامِي في أعماقهم من حُكم الآخرين عليهم، فما هو الفرق التفصيلي بين الرهاب الاجتماعي والانطوائية؟ وهل يمكن للانطوائي أن يُعانِي الرهاب الاجتماعي؟
ما هو الرهاب الاجتماعي؟
أحد اضطرابات القلق الذي يعتري فيه الإنسان خوفٌ كبير من أن يُحرِجه الآخرون أو يُطلِقوا عليه بعض الأحكام، إذ يخاف المُصابون بالرهاب من التفاعلات الاجتماعية، وهو يُعدّ من أبرز الاضطرابات النفسية شيوعًا بعد الاكتئاب الشديد.
يلقى المُصاب بالقلق الاجتماعي صعوبةً في التفاعلات الاجتماعية، مثل عقد الاجتماعات، أو إجراء محادثة مع شخصٍ لا يعرفه جيدًا، كما أنَّ لديه حساسية زائدة بشأن ملاحظة من حوله لتصرُّفاته، مثل الأكل أو التحدُّث أو المشي.
وهذه الأعراض ليست هي الخجل، فالخجل عابر، أمَّا الرهاب الاجتماعي فقد يُؤثِّر في سير الحياة اليومية، وربَّما يشعر المرء بضغطٍ نفسيٍ كبير، حسب موقع "Psychcentral".
ما هي الشخصية الانطوائية؟
الانطوائية هي طريقة للعيش أو سمة شخصية يميل فيها المرء إلى أن يكون أكثر تحفّظًا، ويُفضِّل قضاء الوقت بمفرده على أن يكون بصحبة الآخرين، فمثلاً قد يُفضِّل الانطوائي قضاء يوم الجمعة في المنزل في قراءة كتابٍ بدلاً من الخروج مع الأصدقاء.
تعني الانطوائية أيضًا أنّ الشخص يستمتع بالتفاعل الاجتماعي مع الآخرين، ولكن إلى درجةٍ محدودة مقارنةً بالمُنفتحين "extroverts"، ولا تُعدّ الانطوائية اضطرابًا في الصحة العقلية، بل قد يكون ذلك صحيًا لبعض الناس.
الفرق بين الانطوائية والخجل
يختلف الخجل عن الانطوائية، فعادةً ما يرغب الخجولون في الانخراط في المواقف الاجتماعية، لكنّهم يكونون متوترين للغاية أو خجولين، وربّما يشعرون بالإحباط وخيبة الأمل بسبب تردُّدهم ذلك.
أمّا الانطوائيون فقد يبدون خجولين بسبب هدوئهم وانعزالهم عن الآخرين، فهم مرتاحون تمامًا لهذه العزلة، ولا يقسون على أنفسهم في الحكم عليها، كما يُدرِك الانطوائيون أنّ المواقف الاجتماعية تستنزفهم، ومِنْ ثَمّ فإنّ تجنُّبها قد يكون منطقيًا بكل تأكيد.
أعراض الرهاب الاجتماعي
تشمل أبرز أعراض الرهاب الاجتماعي ما يلي:
- الخوف من الإحراج، أو أن يحكم الآخرون على تصرُّفاتك.
- الخوف من التفاعل مع الغرباء.
- ضعف التواصل البصري مع الآخرين.
- احمرار الوجه، أو الارتجاف، أو التعرّق.
- الإحساس بفراغ العقل عند الانخراط في مواقف اجتماعية.
- تجنُّب المواقف الاجتماعية التي تستمر لأكثر من 6 أشهر.
- اجترار الأخطاء التي ارتكبها الإنسان في المحادثات.
أعراض الشخصية الانطوائية
تتضمّن أعراض اضطراب الشخصية التجنُّبية ما يلي:
- قلة الاهتمام بالتواصل الاجتماعي، والميل للانسحاب عنها، فسُرعان ما يسأم الانطوائيون من البيئات الصاخبة.
- اتخاذ قرارات أكثر تدبرًا، فقليلاً ما يتخذون قرارات متهورة أو تلقائية، وعادةً ما يُخطِّط الانطوائيون ويستعدون ويأخذون وقتهم لتقييم إيجابيات وسلبيات جميع الاختيارات.
- الشعور بالاستنزاف عندما يُوجَد الناس من حولك، كما قد يشعرون بالإرهاق بعد التفاعل مع الناس والانغلاق مع أحبائهم لتعويض ذلك الاستنزاف.
- تفضيل الوحدة والهوايات، مثل القراءة، أو الكتابة، أو المشي على العلاقات والأصدقاء.
- تجنُّب النزاعات.
- تفضيل مشاركة المشاعر من خلال الفن أو الكتابة.
- الميل إلى التواصل بطرق غير لفظية أو غير مباشرة.
- الحساسية العاطفية، بمعنى أنّ مشاعرهم تكون شديدة عن غيرهم، فالألم والمتعة قد يكون الشعور بهما أشد عند الانطوائيين.
اقرأ أيضًا: أعراض «الرهاب الاجتماعي» الأكثر شيوعًا.. وطرق فعّالة للتغلب عليها
ما الفرق بين الرهاب الاجتماعي والشخصية الانطوائية؟
الانطواء سمة شخصية في نهاية المطاف، أمَّا الرهاب الاجتماعي يُعدّ اضطرابًا في الصحة النفسية؛ إذ يُؤدِّي القلق الاجتماعي إلى خوفٍ شديد بشأن انتقاد الآخرين أو إحراجهم لك، بينما الانطوائي لا يُعانِي أي خوفٍ أو قلق بشأن التجارب الاجتماعية عمومًا.
قد يكون الفرد أيضًا انطوائيًا ويُعانِي الرهاب الاجتماعي في نفس الوقت، وفي تلك الحالة يُفضِّل أن يكون وحيدًا بعيدًا عن المواقف الاجتماعية، كما قد يخاف بشدة من التعرّض للإحراج في هذه المواقف.
متى يتحوّل الانطواء إلى رهاب اجتماعي؟
إذا كان مجرد التفكير أو التواجد في مواقف اجتماعية، يُصِيبك بالخوف الشديد والقلق، فقد يكون ذلك اضطراب الرهاب الاجتماعي، فذلك يتحدّد بحسب درجة الانزعاج في المواقف الاجتماعية.
ومن العلامات الدالّة على تحوّل سلوك الانطواء إلى رهاب اجتماعي، حسب "Choosingtherapy" ما يلي:
- تجنُّب حضور المناسبات الاجتماعية مع المعاناة من الوحدة عندما تكون بمفردك: يتوق الأفراد الذين يعيشون مع اضطراب الرهاب الاجتماعي إلى التفاعل الاجتماعي؛ لذا إذا لم تكن تستمتع بوقتك منفردًا، وتشعر بهذه الرغبة، فقد تُعانِي الرهاب الاجتماعي.
- تجنُّب إنشاء خطط مع المجموعات لأنّك تظنُّ أنَّك وحيد: إذا كانت هناك أنشطة ترغب في المشاركة فيها، ولكنّك تتجنّبها لطبيعتها الاجتماعية، فقد يكون ذلك أحد أعراض الرهاب الاجتماعي، فالانطوائي لا يميل إلى المشاركة في أنشطةٍ مع الآخرين ابتداءً.
- الخوف الشديد من تقديم عرضٍ تقديمي في العمل: سواء كان ذلك أو نشاط قائم على أدائك الفردي أمام الآخرين، فهذا من دلائل الرهاب الاجتماعي؛ لأنّ الانطوائي لا يشعر بالقلق غالبًا وإن كان يُفضِّل الوحدة بكل تأكيد.
اقرأ أيضًا: أعراض الخجل السلوكية.. هل تدل على ضعف شخصية الرجل؟
هل يُمكِن أن يكون الانطوائي قلقًا اجتماعيًا؟
نعم، قد يُعانِي الانطوائيون الرهاب الاجتماعي، وصحيحٌ أنّهم يشعرون بالاستنزاف في العلاقات الاجتماعية إلّا أنَّ ذلك مختلف تمامًا عن الإحساس بالخوف الشديد أو تجنُّب المواقف الاجتماعية.
وقد يُعانِي بعض الناس كلا الأمرين معًا؛ الاستنزاف من التجارب الاجتماعية والقلق الشديد من الأحكام أو التعرّض للإحراج خلالها، ومن العلامات الدالّة على الانطوائية والرهاب الاجتماعي معًا ما يلي:
- تفضيل الوحدة وقضاء الوقت مع نفسك؛ لأنّك قلق من نظر الآخرين لك أو حكمهم عليك.
- خلال الاجتماعات، ترغب في ألا يلاحظك أحد كأن تودّ الجلوس بهدوء في الزاوية.
- تجنُّب المواقف الاجتماعية بسبب الخوف أو القلق، لا لمُجرّد تفضيل قضاء الوقت وحيدًا.
- البقاء في المنزل في الليالي التي ترغب في الخروج فيها لقضاء وقتٍ مع الآخرين.
- تجنُّب فرص العمل بسبب الأداء الاجتماعي الهزيل.
- المعاناة من أعراضٍ جسدية للخوف والقلق عندما يخطر على بالك فكرة الذهاب إلى حدث اجتماعي، مثل التعرّق والغثيان وزيادة مُعدَّل ضربات القلب.
علاج الرهاب الاجتماعي
ليست الانطوائية مرضًا نفسيًا، بل هي سمة شخصية، ومِنْ ثَمّ لا تحتاج إلى علاج، بينما قد يحتاج الرهاب الاجتماعي إلى علاجٍ خاصةً إذا أثّر بدرجة بالغة في حياة الإنسان، وتشمل الخيارات العلاجية المتاحة ما يلي:
1. العلاج المعرفي السلوكي
يُعدّ العلاج المعرفي السلوكي أحد الخيارات العلاجية للرهاب الاجتماعي؛ إذ يتضمّن استهداف الأفكار والسلوكيات المُسبِّبة لذلك القلق، بهدف احتوائها وتقليل الخوف الذي يُحِيط بالإنسان في المواقف الاجتماعية.
2. العلاج بالمواجهة
أحد العلاجات السلوكية، ويتضمَّن تعريض الفرد بصورة منهجية للمواقف المُسبِّبة للخوف والقلق من أجل إخماد ذلك القلق المرتبط بهذه المواقف في النهاية، ما يُساعده على مسايرة المواقف الاجتماعية دون خوف ولا وجل.
3. الأدوية
قد يصف الطبيب بعض الأدوية المُضادة للقلق لتخفيف أعراض الرهاب الاجتماعي، وربّما تكون جزءًا من خطة علاجية مبنية على الأدوية والعلاج السلوكي معًا.
نصائح للتعامل مع الرهاب الاجتماعي
إلى جانب العلاج السلوكي والدوائي، يُفضَّل اتّباع النصائح الآتية للتغلُّب على الرهاب الاجتماعي:
- رصد الأفكار السلبية القابعة وراء شعورك بالخوف وتفاديك للمواقف الاجتماعية.
- تحليل هذه الأفكار جيدًا ومواجهتها، بأن تسأل نفسك مثلاً: "حتى لو كُنت عصبيًا أو خائفًا، هل هذا سيظن الناس بالضرورة أنني غير كفء؟" فمع هذا النمط المنطقي من مواجهة الأفكار السلبية، ستحل مكانها أفكار إيجابية وواقعية.
- ركّز مع الآخرين لا مع نفسك، فسبب القلق ابتداءً هو التركيز الزائد على النفس وما يظنّه الآخرون بشأنك.
- حاول أن تُواجِه مخاوفك بشأن المواقف الاجتماعية. ما رأيك مثلاً أن تُقدِّم نفسك لشخصٍ أول مرة تُقابله؟ ربّما تكون هذه قفزة هائلة، لكن يمكنك التدرّج إلى أن تصل إلى مثل ذلك.
- التفاعل التدريجي مع زميل العمل؛ مثلاً قل له "مرحبًا"، ولاحقًا سلْه بعض الأسئلة فيما يتعلّق بالعمل، ثُمَّ جرِّب أن تتناول الغداء معه، وهكذا تدريجيًا إلى أن يزول الخوف والقلق.
- تجنُّب مُحفِّزات القلق، مثل القهوة والتدخين، والحصول على قسطٍ وافرٍ من النوم، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام.
هل الانطوائية جيدة أم سيئة؟
تحمل الانطوائية فوائد كثيرة؛ إذ بإمكان الانطوائيين الاستمتاع بحالتهم هذه في ضبط مزاجهم وطاقتهم، والقدرة على اتخاذ القرارات بحكمةٍ وروية بالغة، فمن الأمور المُلاحظة بشدة أنَّهم يُفكِّرون كثيرًا في اختياراتهم، ويتجنَّبون القرارات العفوية أو المتهورة.
كذلك قد يلجأ الانطوائيون إلى الكتب، أو الفنون الإبداعية للشعور بالرضا بدلاً من الاعتماد على الآخرين، كما أنَّهم يهتمون بمن حولهم، ويُمكِنهم توفير الحب اللازم لهم.
والانطوائية سمة شخصية لا تُوصَف بالسوء أو الحُسن، ومع ذلك فإنّ الانطوائية إن زادت عن حدِّها ولم تكن متوازنة، فقد يُعانِي بعض الانطوائيين الرهاب الاجتماعي، وربّما يُفرطون في التفكير في كل قرار بشأن المواقف الاجتماعية.