"وجودها مهم".. ما النسبة المثالية للدهون في أجسامنا؟
ترتبط أهمية تواجد الدهون في أجسامنا مباشرةً بمدى النشاط البدني المبذول، والصحة العامة التي نتمتع بها، فبعد سنوات كثيرة تعرضت فيها الدهون للظلم بتصويرها كلعنة جالبة لأمراض القلب والجلطات، ظهرت الدراسات الطبية لتبرئة ساحتها مما نُسب إليها من تُهم.
واستندت تلك الأبحاث إلى مجموعة من الأدلة مثل معرفة نسبة الدهون المناسبة، ونوعها، ومصادرها، فهي عوامل تتداخل مباشرةً في لعب دور محوري في العمليات الحيوية مثل إنتاج الهرمونات، وعملية التمثيل الغذائي، وهي عمليات لا تتم دون تواجد النسبة المثالية من الدهون داخل الجسم.
ولكن كيف يمكننا تحديد نسبة الدهون المثالية داخل الجسم الذي يُطلق عليه "جسدًا صحيًا"؟، في الحقيقة جواب السؤال السابق أكثر تعقيدًا مما قد نتوقعه.
ماذا تعرف عن دهون الجسم؟
تحديد نسبة الدهون المثالية في الجسم تتطلب فهمًا عميقًا للدهون وتركيبها، إذ إن الأنسجة الدهنية هي خلايا مُكونة من الدهون الثلاثية التي تحتوي على مجموعة من الخلايا المناعية والضامة المسؤولة عن ربط العظام والأنسجة ببعضها، وتشكيل الأساس للخلايا الأُخرى، والسماح بارتداد أعضاء الجسم مثل الشرايين والرئتين.
وتمتلك الخلايا الدهنية القدرة على إنتاج الهرمونات المناعية، والهرمونات المُتحكمة في عملية التمثيل الغذائي والشعور بالجوع، ويحصل الجسم على الدهون الثلاثية عن طريق امتصاصها من الطعام، أو تصنيعها من الكربوهيدرات الزائدة والأحماض الأمينية.
ويقوم بعد ذلك هرمون الأنسولين بتخزين الدهون في الجسم بعد الوجبات، ولكن هذا الأمر لا يعني حدوث زيادة في الوزن، أو تراكم الدهون داخل الجسم، ما دام يحصل الجسم على النسبة المثالية من السعرات الحرارية اليومية.
المعادلة هنا بسيطة وتتلخص في حدوث زيادة حتمية في الوزن، وتراكم الخلايا الدهنية داخل الجسم مع مرور الوقت، أما فقدان الوزن يتم بإجبار الجسم على تكسير الخلايا الدهنية المُتراكمة داخله للحصول على الطاقة بعد إدخال عدد سعرات حرارية أقل من الاحتياج اليومي.
اقرأ أيضًا:قوانين مهمة للتغذية الضرورية لنمو العضلات.. التزم بها
ما هي الهرمونات التي تنتجها الدهون؟
تنتج الخلايا الدهنية داخل الجسم هرموني اللبتين والأديبونكتين للمساهمة في عملية التنظيم الغذائي، والتحكم في مستويات الدهون داخل الجسم، حيث تتناسب نسبة الدهون في الجسم طرديًا مع نسبة هرمون اللبتين، فكلما ارتفعت نسبة الأولى قابلتها زيادة في الثانية، وذلك لأهمية اللبتين في إرسال إشارات للخلايا الموجودة في الكبد والدماغ، لمنح الإنسان الشعور بالشبع، وزيادة تكسير الدهون لإنتاج الطاقة.
أما هرمون الأديبونكتين فهو يساعد على تعزيز تحلل الأحماض الدهنية، وتنظيم حساسية الجسم للأنسولين وسكر الدم، حتى لا يؤدي تراكم الدهون إلى الإصابة بمرض السُكري.
ما نسبة الدهون الصحية في الجسم؟
تعد نسبة الدهون المثالية في الجسم مفهومًا عامًا يختلف بين الجنسين، وتحدده عوامل كثيرة ترتبط بمدى النشاط البدني للشخص، تاريخه المرضي، طبيعته الجينية، بجانب العُمر، ولكن بالمفهوم الشامل نستطيع أن نقول إن نسبة الدهون المثالية للجسم هي تلك التي تنخفض معها قابلية الشخص للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، أمراض القلب، الأوعية الدموية، والسرطان.
وحددت المجلة الأمريكية للتغذية السريرية نطاق نسب الدهون الصحية للذكر البالغ الطبيعي ما بين الـ 12 إلى 22%، وترتفع لدى الأنثى وتتراوح ما بين الـ 20 والـ 33%.
وهناك مُفارقة علمية تتعلق بنسبة الدهون الصحية، والإصابة بالأمراض المُرتبطة بها، فحتى الأشخاص الذين يتمتعون بنسبة دهون مثالية وصحية لا يزالون عُرضة للإصابة بأمراض القلب، السكري، والمشاكل الصحية الأخرى في حالة الخمول وعدم بذل مجهود بدني بشكل منتظم.
ما المخاطر الصحية لارتفاع وانخفاض نسبة الدهون في الجسم؟
أوضحت دراسة قامت بها الجمعية الأمريكية للدواء بأن الأشخاص الذين تزيد نسبة دهون عن الـ 23% بالنسبة للذكور و33% للإناث ارتفعت نسبة خطر الوفاة بأمراض القلب والأوعية الدموية لديهم مقارنةً بالأشخاص الذين لديهم نسب دهون أقل في أجسامهم.
وفي الوقت نفسه أشار القائمون على الدراسة إلى أن الجسد البشري يحتاج من 3 إلى 5 % بالنسبة للذكور للقيام بالحد الأدنى من العمليات الحيوية داخل الجسم، والبقاء على قيد الحياة مقابل 8 إلى 12% لدى الإناث.
ولم يختلف الحال كثيرًا بالنسبة لأصحاب الدهون المنخفضة، ويأتي على رأسهم الرياضيون ولاعبو كمال الأجسام الذين يستهدفون الوصول إلى أقصى قدر ممكن من التنشيف والتخلص من الدهون.
وبحسبة علمية يُكلف الجسم مُنخفض الدهون صاحبه تثبيطًا في إنتاج هرمونات الغدة الدرقية، والهرمونات المُرتبطة بالقدرات الجنسية والمناعية، ومشاكل العظام نتيجة انخفاض معادنها، وبالطبع انخفاض القوة والنشاط البدني وقدرة الاحتمال.
اقرأ أيضًا:"سندك في الحياة".. لماذا لا تنمو عضلات الظهر كما ينبغي؟
ما طرق قياس نسبة الدهون في الجسم؟
على الرغم من عدم وجود طريقة دقيقة 100% فإن هناك العديد من الطرق التي تقدم تقديرات قريبة من الواقع لقياس نسبة الدهون في الجسم ومن أهمها:
1- تحليل المعاوقة الكهربائية الحيوية "BIA"
هي طريقة يُستخدم فيها التيار الكهربائي الضعيف عبر الجسم، حيث تنتقل الكهرباء بسهولة أكبر عبر الماء والعضلات عن انتقالها عبر الدهون، ليقوم الجهاز بتقدير كمية العضلات والماء والدهون بناءً على تجاوب جسم الشخص مع التيار الكهربائي.
وقد تعاني تلك التقنية - المُسماة "inbody" في بعض الدول- من القصور فيما يخص تقديرات نسبة الدهون، حيث قد تؤدي اختلاف نسبة المياه من جسم إلى آخر إلى غياب الدقة في تحديد نسبة الدهون.
2- اختبار ثنيات الجلد
تُستخدم أداة تشبه المسطرة مزودة بذراعين يطبقان على الجلد لحساب النسبة المئوية التقديرية للدهون داخل الجسم، حيث تعتمد تلك الطريقة على عدة عوامل لنجاحها، تتمثل في مدى كفاءة ومهارة المتخصص، وعدد أماكن الجسم التي تم قياسها.
3- جهاز Bod Pod
هو جهاز مُحوسب، بيضاوي الشكل، يجلس بداخله الشخص لقياس نسبة الدهون داخل الجسم باستخدام تقنية إزاحة الهواء "ADP" لتحديد نسبة الكتلة الدهنية في الجسم إلى الكتلة الخالية من الدهون.
وبشكل عام يعد الجهاز آمن الاستخدام لجميع الفئات من البشر، ولا يحتاج سوى 10 دقائق فقط لظهور تقارير نسبة الدهون في الجسم التي تتميز بأقل نسبة من الخطأ التقني، حيث لا تتجاوز نسبة الأخطاء الـ 5%، وهي نسبة مقبولة مقارنةً بالطرق الأخرى لقياس كتلة الدهون في الجسم.
4- اختبار الوزن الهيدروستاتيكي
هو اختبار يُجرى تحت الماء، حيث تحدد نسبة الأجزاء الطافية من الجسم فوق المياه التي يُنظر إليها باعتبارها الكتلة الدهنية، ونسبة الأجزاء المغمورة التي تُمثل الكتلة غير الدهنية وهي العضلات والعظام.
5- أشعة ديكسا
تعد أشعة ديكسا أحد أكثر تقنيات قياس نسبة الدهون دقة، حيث تعمل الأشعة السينية على فحص الجسم لمدة تتراوح ما بين 10 إلى 20 دقيقة لتحديد مكونات الجسم من دهون، وكتلة عضلية، وقياس كثافة المعادن في العظام.
في النهاية يجب التأكيد على أن العلاقة بين نسبة الدهون المثالية والصحة معقدة، وهناك عوامل لها تأثيرًا مباشرًا في تحديد تمتع الشخص بالحياة الصحية مثل معدل النشاط البدني، الجينات، وأماكن توزيع الدهون التي تحدد مخاطر الإصابة بأمراض القلب، الأوعية الدموية، والسرطان مثل الدهون الحشوية المتراكمة في البطن.