مدير الحياة البرية في العلا: المحافظة تتجاوز حدود المعقول.. 5 مراحل ونطلق النمر العربي
ولد الدكتور ستيفن براون في "منطقة ريفية جميلة للغاية" بإنجلترا، كان شغوفًا بالحياة البرية ومراقبة الطيور، درس الطبيعة وحصل على الدكتوراه في حماية الطيور، قبل أن يعمل في المجال ذاته ويصبح مهنة حياته وعمله في بلده منذ ذلك الوقت.
قبل أن ينتقل إلى السعودية، عمل في آسيا نحو 15 عامًا، منها 5 سنوات في سنغافورة، عمل على مجموعة كاملة من الحيوانات: النمور، وإنسان الغاب، والفيلة، ثم انتقل إلى مشروعات صغيرة وكبيرة في جميع أنحاء آسيا، بدءًا من كمبوديا، مرورًا بإندونيسيا وميانمار، وصولًا إلى الصين، التي أحبها للغاية.
«الرجل» التقت الدكتور ستيفن براون المدير التنفيذي للحياة البرية والتراث الطبيعي بـ«العُلا»، لتبحر معه في جوانب المشروع الطموح، وتستكشف معه آفاق المحميات والحياة البرية وقصة النمور العربية.
كيف تلقيتَ اختيارك للعمل في السعودية، ماذا كنتَ تفعل؟
كان عمري 50 عامًا حين ظهر فيروس كورونا المستجد، مررت بالكثير من المشاعر والتجارب في الوقت نفسه، لكن تلك الأحداث الفارقة حين تقع في الخمسين من العمر، تصبح جرس إنذار للانتباه في الحياة، والاستيقاظ من الغفوة.
واختبرت ذاتي وما إذا كان لديّ طاقة كافية للقيام بالتحدي التالي أم لا.
وحين اتصلت بيَ الهيئة الملكية لمحافظة العلا بالمملكة العربية السعودية، لتولّي منصب المدير التنفيذي للحياة البرية والتراث الطبيعي بـ«العُلا»، قبل عام ونصف عام، انتهى بي المطاف هنا، في العُلا، حيث الجمال الطبيعي.
انطباعاتك الأولى عن العلا؟
«العُلا» مشروع كبير قادر على تغيير العالم، ظاهرة تتجاوز حدود المعقول، لاحتوائها على الكثير من فنون التراث الطبيعي الثقافي.
وحين اطّلعت على كل ذلك حين تلقيت عرض العمل بها، وجدت نفسي مباشرةً على متن الطائرة متّجهًا إلى المملكة العربية السعودية.
هناك أكثر من مبادرة للتنوع الحيوي في العلا مع إعادة الحيوانات المحلية لموطن أسلافها كالنمر العربي، ما هي تفاصيل تلك المبادرات؟
نعمل على تطوير النظام البيئي، والنمر جزء من ذلك النظام، وحين نستعيد النظام البيئي بشكل صحيح، سنعيد النمر، ونعدّه سفيرًا لعملنا لرفع معدل فخرنا الوطني.
وذلك لإيصال رسالة واضحة، وهي أن شعب العلا، وشعب المملكة العربية السعودية، وشعوب العالم يفهمون أهمية التنوع الحيوي.
هناك خمس مراحل أساسية في خطتنا لإطلاق سراح النمر العربي.
اقرأ أيضًا: الرئيس التنفيذي لـ مون بلان: افتتحنا 7 متاجر في المملكة وشبابها متحمس للأفكار العريقة والجديدة معًا
المرحلة الأولى ستكون للحماية، ماذا ستشمل؟ وكيف؟
قررنا الحفاظ على نحو 80% من مساحة العُلا البالغة 25 ألف كيلومتر مربع، أي نحو 20 ألف كيلومتر مربع أرض مخصصة للحفاظ على الحيوانات، وهي مساحة ضخمة، وحتى الآن، جرى تحديد 50% منها كمتنزهات وطنية ومحميات طبيعية، وتخضع تلك المنطقة للرعاية كمحميات طبيعية.
وضعنا لافتات لتحديد المناطق، وهناك قوة أمنية تجوب المحميات الطبيعية فيما بعد، لتمنع الضرر، ونتحدث إلى المجتمعات المحلية كي يفهموا ما هي المحميات الطبيعية، وأين توجد الحدود، وما الذي يمكنهم فعله، وما الذي لا يمكنهم فعله بها، وما الذي ينتظرهم حال انتهاك القانون.
ذكرتم أن المرحلة الثانية عنوانها عودة البيئة الطبيعية، كيف سيجري هذا؟
من خلال استعادة السمات الطبيعية للمنطقة وتقليل المخاطر والتهديدات التي كانت تجري عبر التاريخ في تلك الأماكن، وأبرزها الرعي الجائر الذي جلب الآلاف من الأغنام والماعز والجمال من مناطق أخرى بالمملكة العربية السعودية إلى هنا، رغم أنها ليست بيئاتها الأصلية.
بعد هطول الأمطار، كان العشب ينمو ويطلق الناس أغنامهم، والخراف تلتهم العشب، وتنشأ مشكلات الرعي الجائر، ولا ينمو العشب، ولذلك فالبدء دومًا بإزالة التهديدات حتى يمكن للمناظر الطبيعية أن تعودَ بشكل طبيعي، ونكمل ذلك بزراعة الأشجار، لذلك، نزرع الآن، وخطتنا تشمل زراعة ما لا يقل عن 10 ملايين شجرة.
وبالإضافة إلى ذلك، جرى زراعة نحو 20 مليون نوع آخر من النباتات في «العلا».
وبدأنا جمع البذور المتناثرة بالمحميات الطبيعية وتخزينها ونثرها مرة أخرى، ورعايتها، حتى تنمو لتصبح أشجارًا صغيرة، ثم نعيد زراعة تلك الأشجار في بيئتها الطبيعية.
ما الحيوانات المستهدفة في خطتكم لاستعادة تربيتها في المرحلة الثالثة؟
هي المها العربي، والوعل النوبي، وغزال الرمل العربي، وستنمو تلك الحيوانات بفضل منع الصيد.
كان معدل الصيد يزداد في السعودية، وقد أدى إلى تناقص الحيوانات البرية بالمنطقة إلى ما يقارب الصفر، لذلك علينا أن ننتظر عودة الطبيعة كي تستأنس الحيوانات تلك الأرض بعد حمايتها وترميمها وعودة الأعشاب والأشجار للنمو من جديد.
وهناك شروط لاختيارها نتحقق من نقائها، ونجري اختبارات جينية لها، ثم اختبارات الأمراض، وحال تخطت تلك الحيوانات مرحلة الاختبارات والفحوصات، يطلق سراحها بمدينة العلا.
أغلب الحيوانات ترتدي أطواقًا مربوطة بالأقمار الصناعية، التي تساعد على متابعتها ولدينا كاميرات تسجل حياة الحيوانات وسلوكياتها وتصرفاتها لمعرفة ما تفعله والتخطيط بناءً عليه، وتمكّننا من معرفة ما إذا كانت على قيد الحياة أم لا، وأسباب وفاتها، وما إذا كان لديها أطفال، وكذلك وتيرة تكاثرها.
وكيف يشارك المجتمع في مشروعكم وخطتكم؟
تاريخيًّا، كان النمر هو الحيوان الأكثر تميزًا بالمملكة العربية السعودية، ولكنه اضطُهد بشكل مباشر وغير مباشر، حتى أن موطن النمور جرى تدميره، فلم تتمكن من العثور على طعام، وظلّ الناس يزعجونها لأسباب مختلفة، فأحيانًا ما كانت الماعز التي يرعونها تؤكل، وكانت النمور من بين المتهمين، بينما كانت هناك حيوانات أخرى متورطة في الأمر كالضباع والكلاب الضالة والذئاب.
دورنا هو زرع وتنمية فكرة أننا سنقدم النمور العربية من هذه المنطقة، لأننا بحاجة إلى عودة الحيوانات المفترسة للسيطرة على الحيوانات العاشبة كالخراف والماعز والجمال، ولا سيما النمور، التي يجري تبنيها لإنعاش الفخر الوطني.
هناك تقدم قانوني أيضًا، أصبح مجرمًا للغاية اصطياد النمور، وإذا جرى القبض على شخص ما يصطاد فهدًا، فستصل الغرامة المفروضة عليه إلى ملايين، إن لم يكن عشرات الملايين من الدولارات.
من جهة ثانية نطمح أيضًا إلى إنشاء شركات صغيرة، وإضافة مرافق بالعلا إلى «Airbnb» ليأتي السياح إلى المملكة العربية السعودية لرؤية الحياة البرية، ورؤية جمال المملكة.
اقرأ أيضًا: الرئيس التنفيذي لساعات زينيث لـ«الرجل»: افتتاح متجر الرياض مجرد بداية وتلقّيت ترحيبًا كبيرًا
إطلاق سراح النمور في المرحلة الخامسة والمثيرة من مشروعكم متى سيجري هذا؟
للوصول إلى النقطة التي يمكن عندها إطلاق سراح النمور لتهيمَ في البرية، الأمر يقتضي تربيتها أولًا، ولدينا مركز تكاثر للقيام بذلك، وبدأ خلال عام 2022، وسيتكاثر المزيد خلال العام الجاري.
حين نربي عددًا كافيًا، نضعها في معسكر، حتى تتعلم كيف تتحول إلى فهود برية، وتتعلم مهارات خاصة بالعيش في الحياة البرية كصيد الفرائس، وفي البداية سنقدم لها أرانب كي يصطادوها ويلتهموها، وربما نقدم في وقت لاحق غزلان الرمل العربية، ثم المزيد من الحيوانات.
بعد اجتياز تلك المرحلة، تتخرج في المعسكر، وتنطلق في البرية، وفي الوقت نفسه، تظل قادرة على الصيد حتى إذا أظهرت الفرائس سلوكًا وحشيًّا، وفي وجود مجتمعات جيدة، وحماية الموائل، وتأمين الطعام، يمكننا إطلاق النمور، ولدينا جدول زمني لتلك العملية ينتهي بحلول عام 2035.
كيف يمكن أن تتعاون كل هذه المشروعات معًا؟
نعمل جميعًا مع زملائنا في تلك المشروعات بالتوازي، كلنا نؤدي العمل نفسه بالكفاءة ذاتها، نزرع ملايين الأشجار، ونطلق سراح الحيوانات البرية، ونجلب وظائف، كي يتمكّن السياح والزوار من الحضور إلى هنا، ورؤية أماكن جميلة.
نحن نتشارك الأمر أيضًا مع منظمات رائدة حول العالم في مجال البيئة والتنوع الحيوي، ولدينا شراكة مع منظمة اليونسكو والاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة «IUCN» والبنك الدولي، وكذلك منظمة «Panthera» المعنية برعاية القطط البرية والحفاظ على حياتها.
كيف تستفيدون من نظام الخرائط لتتبع الحيوانات؟
عملنا بالكامل جرى تعيينه على الخريطة، وكل ما يتعلق بمشروعنا متاح على نظم المعلومات الجغرافية التابعة لنا، كالرسوم البيانية والخرائط، وجميع محمياتنا الطبيعية مُدرجة على ذلك النظام بكل تفاصيلها، وكذلك جميع بياناتها وتفاصيلها، كالمعلومات الكاملة والدراسات والأبحاث حول الموائل الخاصة بنا، علاوة على قاعدة بيانات ضخمة مرتبطة بنظام المعلومات الجغرافية، وبوضوح، أستطيع أن أؤكد لك أننا نعرف أين توجد الحيوانات بالضبط، فجميع الحيوانات هنا يجري تعقبها باستمرار عبر نظام «GIS» الخاص بنا.
إذا أتيت إلى العُلا، وغرست شجرة، سيجري ترقيمها، وسيكون لها نقطة مرجعية في نظام تحديد المواقع العالمي «GPS»، وبعد ذلك ستوضع في قاعدة بيانات لمراقبتها، وفي المستقبل، ستتمكّن من الاتصال بالإنترنت، والبحث عن مكانها ومعرفة التطور الذي حلّ بها، والحوادث التي تعرضت لها، وإلى أي مدى تكبر، وما إذا كانت تحتوي على ثمار أم لا؟