د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل»: متى نقفز من السفينة؟
حينما اصطدمت سفينة تايتانيك الشهيرة في الجبل الجليدي ظل الركاب ردحاً من الزمن يحاولون استيعاب خطورة الموقف. وكان فريق آخر يحاول تدارك الفاجعة لعل وعسى أن ينجوا جميعاً من أشهر حادثة غرق في العصر الحديث.
وهذا بالضبط ما يحدث في حياتنا فما أن يعترضنا أمر جلل حتى نحاول تخفيف تداعياته. غير أن الناس في التصدي لمشكلاتهم مذاهب، فهناك من "ينفذ بجلده" فوْرما تعترضه نائبة من نوائب الدهر، وهناك من يصبر. وقد رأينا كيف قفز الناس من شبابيك برجي التجارة العالمية بنيويورك في 11 سبتمبر 2021 بعدما اصطدمت بهما طائرات الهجوم الإرهابي الدامي. فمنهم من آثر القفز من الأدوار الخمسينية على مواجهة ألسنة اللهب، أو البحث عن مخارج، وهناك من حاول من دون جدوى، ومنهم من نجحت محاولاته في الهروب السريع إلى المباني المجاورة قبل الانهيار الكبير للبرجين.
محمد النغيمش يكتب للرجل: شخصيات تعرقل العمل
في ميادين الحياة والعمل، نواجه الأمر نفسه فهناك من يقفز بسرعة مبالَغ فيها فتفوته فرص النجاة، وهناك من يقفز قفزة مدروسة، كأن يرتدي سترة النجاة، أو يتأكد من أن قارب النجاة في انتظاره. فهو باختصار يحاول تقليل تداعيات قراراته. وهناك من لا يكترث بعواقب الأمور أو ينفد صبره بسرعة. ولذلك أخبرَني أحد الطيارين الحربيين العرب بأنه من أبجديات التعامل مع حريق في المحرك أو مكروه أصاب الطائرة أن يعدَّ الشخص من رقم واحد حتى رقم خمسة، والهدف لكي يهدئ من روعِهِ ويتجنب اتخاذ قرار متسرع قبل أوانه مثل القفز بالمظلة (الهروب)، في حين أنه كان في مقدوره حل المشكلة بقرارات أخرى متأنية. هذه الثواني الخمس الحرجة في غاية الأهمية، وهناك من لديه خمسة أيام أو شهور أو سنوات أو ساعات ليقرر قراراً مصيرياً، لكنه لا يستفيد منه استفادة قصوى. وكلَّما تمهَّل المرء ساعده ذلك على الاقتراب من القرار الرشيد.
محمد النغيمش يكتب لمنصة الرجل:تعمُّد التجاهُل
مشكلتنا في اتخاذ القرارات أننا نريد القفز بسرعة للنتائج أو الحلول وننسى أهمية تجميع المعلومات المتوافرة. وكما هو معروف في أدبيات اتخاذ القرار بأنه كلما قلَّت المعلومات زادت فرصة اتخاذ قرار يجانبه الصواب. غير أنه في الأزمات أو الخطر الداهم لا نتمتع برفاهية بحبوحة الوقت وهو أمر مفهوم ومقبول. لذلك عندما "يجتهد" أحدنا في أزمة كبرى تحت ضغط ضيق الوقت وضرورة اتخاذ قرار عاجل لا ينبغي أن نبالغ في معاقبته أو توبيخه. وإذا ما انتشرت هذه الصرامة في التعامل لن يجرؤ أحد بالمستقبل على اتخاذ أي قرار ولا حتى الاجتهاد في أبسط الأمور.
خلاصة القول إن هناك قواعد عامة للقفز من السفينة أو بيئة العمل. منها عندما يصل أحدنا إلى طريق مسدود، أو يواجه تقليصاً متعمداً لصلاحياته في محاولة لخنقه أو شلّه كلية.
فماذا يمكن أن يصنع مسؤول من دون صلاحيات؟! ربما يصبر أياماً أو أشهراً لكنَّ استمراريته ستفقده قيمته وهيبته في العمل. هنا لن يستغرب أحدٌ قفزَه من السفينة إلى أقرب قارب نجاة ينتظره.
ويقفز الموظف من السفينة حينما يستيقن بأنه صار مُحارَباً من الجميع، وفي مقدمتهم مديره الذي تحول إلى خصم شرس. ليس مؤقتاً كما هو الحال في جميع الوظائف لاعتبارات العمل وتحدياته لكنها الشراسة أو التصيّد المبالغ فيه لكل خطأ واختلاق مشكلات وهمية حتى يطفش الموظف. كل ذلك قد يُعدّ مؤشراً على أنه قد آن الأوان إلى المغادرة بأي ثمن.
واقع الحال يقول إن دوام الحال من المحال، ولذا كان من الحكمة البحث عن بدائل آمنة قبل قرار القفز الاضطراري من السفينة أو عبر الباراشوت. وذلك لأن بعض القفزات عواقبها وخيمة إن لم يراعَ فيها التوقيت المناسب والطريقة الملائمة.