محمد النغيمش يكتب: أسئلة الإقناع الأربعة
كثيرا ما يتم استدراجنا من قبل موظف مبيعات محترف أو مفاوض ذكي إلى قبول منتجه أو خدمته أو تعديل مادة في عقده لم تكن أصلا في الحسبان. فكم من هذه الأمور التي وجدنا أنفسنا نخرج محفظة النقود لا شعوريا لشرائها والسبب أن الشخص الذي يحدثنا قد عرف كيف يصيغ بمهارة أربعة أسئلة بالصميم عجلت بقرار القبول أو الشراء.
ومن هذه الطرق البديهية في الإقناع تكنيك «الجدران الأربعة». هذا الأسلوب ليس عفويا فحسب، بل أثبتت دراسات علمية فعاليته. وهو يقوم على فكرة توجيه أربعة أسئلة متتالية إلى محاورك، تأمل أن يجيب عنها بالإيجاب لتقنعه بطلبك الأخير.
كأن تسأل شخصا شهيرا في مجال العمل التطوعي ما يلي: «ألم تقل إنك نذرت حياتك للعمل التطوعي»؟ فيجيب بنعم. «ألم تقل ذات يوم إنه يجب أن يخصص المرء جزءا من حياته لخدمة الناس»؟ فيقول نعم. «أما قلت ذات مرة إنه يسرك أن تقدم خلاصة خبرتك لأي مجموعة تطوعية»؟ فيقول نعم طبعا. بعدها يحاول السائل عبور «الجدار»، أو السؤال الرابع، فيقول: «إذن هل يمكن أن تشرفنا لمدة نصف ساعة لزيارة مجموعة شبابية تطوعية تبحث عن مرشد مخضرم في هذا المجال». الإجابة، هنا معروفة، وهي القبول طبعا. لأن المجيب حينما يرفض فإنه سوف يناقض نفسه أو يناقض إجاباته عن الأسئلة السابقة.
هذا الأسلوب يستخدم في معظم الحوارات في العمل والمنزل والشارع والأسواق، على أمل أن ندفع الآخرين إلى الإجابة بنعم على طلبنا. وهذا المسعى ليس مضمونا، فلا شيء مضمون في عالم الحوار، لكنه يرفع احتمالية الاستجابة لطلباتنا وأفكارنا وحلولنا.
والمهم أنه قد ثبت بالفعل عبر دراسة علمية فعالية الأسلوب، حيث حاول فيها الباحثان، د. سيالديني ود. ساقاران، توجيه أسئلة إلى مجموعة من المشاركين تتطلب الإجابة بنعم أو لا. فلاحظا أن الغالبية الساحقة ممن كانت إجاباتهم «بالإيجاب» يكونون أكثر استجابة للطلب الأخير، مقارنة بمن كانت إجابتهم بالنفي عن السؤال الأول. وهذا ما يدعم قصة الخبير في عالم التطوع، سالفة الذكر، الذي قَبِلَ فورا بطلب الالتقاء بنخبة الشباب المتطوع.
إن أسلوب «الحوائط الأربعة» ما هو إلا محاولة لقفز حواجز الحوار برشاقة، علنا نظفر بقبول أو إقناع محاورنا.
والمتأمل في ذلك يجد أن الحوار الإقناعي ما هو إلا سلسلة من «المحاولات» لإقناع من حولنا، لا تنجح دائمًا بالضرورة، لكنها أفضل من الصراخ والتسفيه والإقصاء و«الفهلوة».