محمد النغيمش يكتب: تأثير "الطُّعم" في قراراتنا
احتار أحد العلماء عندما شاهد إعلانا لمجلة إكونومست يعرض للقراء خيارات الاشتراك السنوي بالمجلة على النحو التالي: الخيار الأول نسخة إلكترونية بسعر 59 دولارا، والثاني نسخة ورقية بسعر 125 دولارا، والثالث نسخة ورقية وإلكترونية بسعر 125 دولارا. فجلس الباحث يتأمل الخيار الثاني الغريب أو "الأقل جاذبية" والذي لا يبدو أنه يضيف شيئاً جديداً.
ثم قام بدراسات عدة على طلبته في معهد MIT الشهير في بوسطن باستخدام فكرة الإعلان. فقسمهم إلى مجموعتين حيث منح الأولى خيارين فقط الأول وهو عرض اشتراك بنسخة "إلكترونية" بقيمة 59 دولاراً شهرياً، والثاني "ورقية وإلكترونية" بسعر 125 دولاراً شهريّاً. وكانت النتيجة أن 68 في المائة قد اختاروا الخيار الأول (الأرخص) في حين اختار ثلث المشاركين (32٪) الخيار الثاني وهو 125 دولاراً.
ثم أدخل تغييرا بسيطا على المجموعة الثانية عندما أضاف خيارا ثالثا في المنتصف فصارت النتائج مختلفة عن المجموعة الأولى كما يلي: حيث اختار 16 في المائة خيار 59 دولارا (للنسخة الإلكترونية)، واختار 84 في المائة 125 دولاراً (للنسخة الورقية). فتبين أنه بإدخال الخيار الجديد "للتمويه" (125 دولارا للنسخة الورقية والإلكترونية) قد مالت المجموعة الثانية إلى الخيار المهيمن بوضوح على قرار المتلقي. وارتفعت مبيعات المجلة نفسها بنسبة 43 في المائة، بسبب إدخال الخيار الجديد "الطعم" وفقما ذكره الباحث الكويتي المميز د.عايد العجمي في فيديو جميل.
تأثير الفخ أو الطُّعم decoy effect يُسهم باختصار في تغيير قناعات الناس ويوجهم نحو خيارات أخرى بمجرد دخول خيارات "تمويه" مقصودة.
وهو باختصار ما يحدث حينما تحيرنا أسعار الكولا في مطاعم الوجبات السريعة عندما يقترح علينا الموظف شراء حجم أكبر بسعر دولارين في حين أن الأصغر سعره دولار واحد ثم تجدهم يضيفون خيارا ثالثا تمويهيا وهو بيع الكوب المتوسط بسعر 1.80 دولار فيدفع المرء تلقائيّاً لانتقاء الحجم الأكبر. واتضح كما يقول د. العجمي أن تأثير الطُّعم يؤثر أيضا على فئات أخرى غير الإنسان مثل الحشرات والدواب.
"أثر التمويه" أو "الطعم" كما تطلق عليه مجلة هارفارد بزنس ريفيو هو شكل من أشكال الانحياز المعرفي الذي "تم التطرق إليه أول مرة في عام 1982 من قبل الباحث جويل هوبر". ويُقصد به الوضعية التي يتردد بسببها العميل بين خيارين بسبب إضافة خيار ثالث لهما مختلف ليشكل دافعاً خفياً نحو ما يريد البائع تحقيقه وهو شراؤنا للأعلى سعرا مثلا.
ويقوم هذا "الفخ" على فكرة أن عقولنا لا تستند في كثير من التقييمات على قيم مطلقة بل على مقارنات بين أصناف متشابهة.
ومن الأمثلة الأخرى مثلا عندما يعرض علينا موظف مبيعات سيارتين الأولى أقل سعرا وأقل مميزات من السيارة الثانية الأغلى والأكثر مميزات. هنا يأتي البائع الذكي ويقدم لك خيارا ثالثا لا يرقى لمميزات السيارة الثانية ولكنه أقرب لمميزات الأولى ومقارب لسعرها. تأثير التمويه هذا يدفع المرء تلقائيا إلى الخيار الثالث لأن به مواصفات أكثر وسعره أفضل.
ويمكن استخدام تأثير الطُّعم في بيئات الأعمال من قبل المديرين الذين يخشون تردد البعض من القيام بمهام شاقة فيعرض عليهم خيارين كلاهما مر فيضيف خيارا ثالثا يدفع المتأمل تلقائيا إلى الخيار المرغوب من قبل المدير.
كان البشر منذ فجر التاريخ يمارسون حيلاً عديدة في توجيه الناس نحو قرارات شراء أو توجهات يرغبون بها. وجاء العلم الحديث ليظهر لنا أن بعضا من تلك المحاولات يمكن أن نجد لها أساسا علميا وجيها يدعمها.