محمد النغيمش: كن مثل رسام الملك
رأي 20 مارس 2014
الرجل-دبي:
محمد النغيمش*
يُروى أن ملكاً كان لديه ساق واحدة وعين واحدة، دعا كل رسامي بلاده، ليرسموا له صورة جميلة لا تظهر فيها إعاقته، فعجزوا إلّا واحداً، حيث نجح هذا الفنان في رسم صورة بديعة لجلالته، فاجأت الجميع، وذلك بأن رسمه وهو يهمّ باصطياد طير ببندقيته، وقد أغمض عينه العمياء وكأنه يصوّب بدقة نحو هدفه، وثنى ساقه المبتورة، بحيث لا تظهر إعاقته. فصارت لوحته تحفة فنية رائعة.
المغزى من هذه القصة، أن الفنان بشر مثلنا، لكنه يمكن أن يستخدم عقله في تخيّل الشخص من دون نقاط ضعفه أو عيوبه، فيرسم في ذهنه صورة جميلة عنه. وهذا ليس أمراً مثالياً، ولكنه قابل للتطبيق، حيث يمكن لكل فرد أن يظهر الجانب المشرق في الشخص الذي يحاوره أو يتعامل معه، ويغضّ الطرف عن نقاط ضعفه، تماماً مثل الرسام.
وهذه مسألة مهمة للغاية، لأن الإنسان لايمكن أن يغيّر عيوب الآخرين، ولكنه يستطيع أن يغيّر من نفسه، كأن يكون قدوة حسنة بحواره ولباقته، التي ربما تنتقل كعدوى صحية إلى الآخر، فيعاملنا بلطف وكياسة. بمعنى أن التغيير يبدأ منّا نحن. ولذا قال الزعيم الهندي غاندي "كن أنت التغيير الذي تنشده في هذا العالم". وكذلك الفيلسوف الفرنسي فولتير الذي قال في معرض تعليقه على موضوع النظافة العامة: أولاً، فليبدأ كل فرد بحديقة منزله، قبل أن يتحدث عن النظافة العامة.
والناس عموماً نوعان: نوع يؤمن أن الحياة أمر واقع، كلّ ما علينا هو أن نحسن التعامل مع تحدياته. ونوع آخر يرى في أحداث الحياة وعيوب البشر مشجباً نعلق عليه همومنا.
والملاحظ أن التعامل مع الناس كثيراً ما يتحكم فيه الجانب النفسي. فإذا ما أطلقنا على محاورنا أحكاماً مسبقة أو صدقنا اتهامات وجهت إليه، قبل أن نسمع منه الجانب الآخر من الحقيقة، فسوف نجد صعوبة في قبول جليسنا بسبب تأثرنا بذلك الحكم المسبق.
وإذا ما ذكّر الإنسان نفسه بأنه يتعامل مع بشر تحكمهم مزاجية وخلفيات ثقافية وتنشئة بيئية مختلفة، فإن حجم المعاناة يهون عليه أثناء الحوار. لذا يتوقع من الإنسان دوماً أن يكون هو أفضل من محاوره، ويتفوق على نقائص خصمه، لا أن يتلاسن معه، ويعدّها معركة حياة أو موت. فالمواجهات الكلامية لا تولّد سوى مزيدٍ من الشحناء والبغضاء.
وأفضل وصفة في التعامل مع اختلافات الناس، هي ألّا نبالغ في توقعاتنا، حتى لا يكون الواقع أسوأ من الصورة الذهنية المتوقعة، فتكون الصدمة بمقدار الفارق. والحوار عموماً لا بدّ أن يتخلله مبدأ التغافل عن عيوب الناس، والتركيز على مميّزاتهم، وإلا فلن نجد أحداً نحاوره في هذا العالم. ومن منّا يخلو من العيوب؟ وهذا هو الدرس الذي نتعلمه من رسام الملك.