هل يمكن للشركات الاستمرار في زمن كورونا دون تسريح الموظفين؟
مع انتشار فيروس كورونا اتخذت الدول حول العالم سلسلة من الإجراءات التي كان لها أثرها السلبي الكبيرعلى الاقتصاد العالمي. ومع إغلاق المؤسسات والشركات قدرت الخسائر العالمية بتريليونات الدولارات ووقعت الشركات في مأزق مالي كبير. الشركات تعاملت مع الضائقة المالية والخسائر الكبيرة بمقاربات مختلفة، بعضها قرر تخفيض الرواتب وبعضها أقدم على عمليات تسريح مؤقتة للعمال وبعضها الآخر قام بعمليات تسريح دائمة.
في عالمنا العربي ووفق تقرير لجامعة الدول العربية قدر عدد الذين سيفقدون وظائفهم بحوالى ٧,١ مليون عامل. رقم مخيف ومرشح للارتفاع مع استمرار فيروس كورونا بفرض «إيقاعه» على عالمنا.
رغم الضائقة المالية فإن الغالبية الساحقة لامت الشركات على قراراتها بتسريح العمال، معتبرين أنها تساهم في تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. ولكن هل بإمكان الشركات عدم تسريح العمال والاستمرار وإبعاد شبح الإفلاس عنها؟
المؤثرون الخمسة في قطاع الصناعات الأساسية في المملكة العربية السعودية
رسالة مفتوحة إلى قادة الأعمال
مؤخراً نشرت رسالة تحت عنوان «رسالة مفتوحة إلى قادة الأعمال» كتبها ٣ من طلاب كلية الأعمال في هارفارد ووقعها أكثر ١٢٠٠ شخص من حملة الماجستير في إدارة الأعمال في الجامعة نفسها. الرسالة هذه الموجهة إلى ٥٠٠ رئيس تنفيذي تبدو وكأنها تطلب المستحيل إذ أنها تطالب الرؤساء التنفيذيين بوضع الموظفين أولاً والمحافظة عليهم وإعادة توزيعهم وتكليفهم بمهام مختلفة إن تطلب الأمر شرط عدم التوقف عن دفع رواتبهم.
الرسالة تبدأ بالحديث عن امرأة تدعى فاليريا تعمل في «وول مارت» تبلغ الرابعة والستين من عمرها وتعاني من السكري وبالتالي هي في دائرة الخطر ومع ذلك قررت عدم التوقف عن العمل كي لا تتعرض للطرد. القصة هذه وفق الرسالة تمثل حالات أخرى في عدد كبير من أماكن العمل بحيث يخاطر الشخص بحياته لأنه لا يمكنه الاستمرار من دون راتب.
ثم تتوجه الرسالة بالحديث إلى المديرين التنفيذيين مشيرة إلى تفهم الجميع لصعوبة القرارات التي عليهم اتخاذها خلال الفترة الحالية. ولكن النبرة سرعان ما تتبدل لتصبح مطالبة بأن يكونوا «مثالاً» يحتذى به عالمياً من خلال اهتمامهم بالفئة الأقرب إليهم أي الموظفين. القيام بذلك، وفق الرسالة، يعني جعل الأداء المالي أقوى على المدى البعيد، بالإضافة إلى زيادة ثقة المساهمين ومضاعفة ولاء العملاء والموظفين أنفسهم للشركة. وتختم الرسالة بأن عدم طرد الموظفين هو واجب أخلاقي خلال الفترة الحالية.
إذاً، المطلوب وفق الرسالة هو وضع الموظفين أولاً، المحافظة عليهم وإعادة توظفيهم إن تطلب الأمر ولكن الأهم هو دفع رواتبهم.
هل يمكن للشركات فعلاً الاستمرار من دون تسريح العمال؟
النصيحة التي قدمتها الرسالة هي النقيض الكلي لممارسات عدد كبير من الشركات التي عادة تبدأ بتسريح الموظفين عند ظهور أول مشكلة مالية. «بوينغ» مثلاً من الشركات التي تعتمد النهج هذا فهي وبشكل دوري تقوم بعمليات تسريح جماعية كردة فعل للخسائر مع نهاية الدورة الاقتصادية، أما ردة فعلها بعد انتشار كورونا فكانت طرد ١٠٪ من الموظفين.
عمليات التسريح لم تقتصر على عدد قليل من الشركات ففي نهاية شهر مايو نشرت مجلة فوربس لائحة بالشركات التي قامت بتسريح العمال وهذه اللائحة كانت ضخمة للغاية.
وبالعودة إلى الرسالة فإن السؤال المطروح، هل هي «مثالية» أكثر مما يجب أم أن هناك إمكانية لاستمرار الشركات من دون تسريح العمال؟
في الواقع هناك إمكانية لاستمرار الشركات من دون تسريح العمال في حال قامت بالخطوات التالية.
تخفيض رواتب كبار المديرين
الفترة الاستثنائية حالياً تتطلب قرارات استثنائية. كما هو معروف رواتب الذين يشغلون مناصب عليا في أي شركة كانت هي أضعاف رواتب الموظفين وبالتالي يمكن الاقتطاع من هذه الرواتب الضخمة كي تتمكن الشركة من دفع رواتب الموظفين.
في الواقع بعض الرؤساء التنفيذين قاموا طوعاً بالتبرع برواتبهم كي تدفع الشركة رواتب الموظفين، فعلى سبيل المثال المدير التنفيذي لشركة خطوط «الاسكا أير» قام بالتبرع براتبه من تلقاء نفسه كي يتم دفع رواتب الموظفين.
في المقابل على الشركات أن تدرك بأن هناك واجبا أخلاقيا تجاه الموظفين وبالتالي قبل البدء بعمليات تسريح جماعية للعمال ربما يجب إلقاء نظرة على حجم رواتب كبار الموظفين وخلق توازن من نوع ما. ورغم أنه لا يوجد إحصائيات دقيقة ولكن عدد الموظفين الذي طردوا من وظائفهم هو أكبر بكثير من عدد المديرين الذين خسروا وظائفهم.
ليست الأزمة الاقتصادية الأولى التي تواجهها الشركات
الشركات وخصوصاً الضخمة منها والتي تملك خبرة واسعة اختبرت أزمات اقتصادية من قبل. فأزمة كورونا الاقتصادية ليست الأولى التي تواجهها المؤسسات حول العالم وإن كانت أكثرها حدة. الشركات بطبيعة الحال تملك خططاً وضعتها من أجل مواجهة أي أزمة اقتصادية جديدة انطلاقاً من التجارب السابقة.
الغالبية الساحقة من المؤسسات عدلت الكثير في آلية عملها كي تتمكن من مواجهة أي أزمة وهذه الشركات يمكنها وبكل سهولة الاستمرار من دون تسريح العمال.
ولكن ماذا عن الشركات التي لم تحضر نفسها لأزمة اقتصادية؟
في الواقع إن كنا نتحدث عن مؤسسة ضخمة اختبرت الأزمات الاقتصادية السابقة ولم تضع الخطط لأزمات مستقبلية فحينها على الجهات المعنية في هذه الشركة القيام بإعادة هيكلة كاملة وشاملة بعد انتهاء الأزمة الحالية وإعادة النظر في كل ما تقوم به. الشركات لا يمكنها العمل من دون شبكة أمان خصوصاً وإن كانت قد نجت من الغرق سابقاً.
الشركات الصغرى لم تسرح عمالها
للغرابة، الشركات الصغرى لم تقم بتسريح عمالها في الوقت الذي شهدنا على عمليات تسريح جماعية في الشركات الكبرى. ما قامت به المؤسسات الناشئة هي أنها لجأت إلى الموظفين من أجل الخروج بحلول مبتكرة ومبدعة تمكنها من الاستمرار. أي أن الشركة من أعلى الهرم إلى أسفله باتت جبهة واحدة لمواجهة العدو الواحد والهدف هو المحافظة على وظائف الجميع وضمان استمرارية الشركة.
في استطلاع أجرته مجلة «هارفرد بيزنس ريفيو» تبين بأن الشركات الصغرى التي لا تملك رؤوس المال الضخمة أو القدرة على اقتراض مبالغ ضخمة من البنوك لم تقم بتسريح عمالها أو على الأقل لم تقم بتسريح أعداد كبيرة من العمال.
على سبيل المثال، شركة «غرافيتي بيمنتس» أثارت ضجة إعلامية في العام ٢٠١٥ حين قرر الرئيس التنفيذي داني برايس رفع الحد الأدنى للأجور في الشركة إلى٧٠ ألف دولار سنوياً. ولكن قراره كان صائباً لأن الشركة حققت أرباحاً ضخمة بعد أن ضمن رضا وسعادة الموظفين.
منذ بداية أزمة كورونا انخفضت عائدات الشركة بأكثر من ٥٠٪ وباتت تواجه خطر الإفلاس، لذلك قام برايس بالحديث مع جميع الموظفين ووضعهم في أجواء الخسائر والوضع المالي المتردي للشركة وطلب منهم تقديم الاقتراحات. جميع الموظفين وبشكل طوعي اقترحوا تخفيض رواتبهم وكان نصيب الذين يتقاضون رواتب ضخمة من التخفيض هو الأكبر. وهكذا ما تزال الشركة مستمرة ولم تقم بطرد موظف واحد.
تغيير نظرة الشركات إلى الموظفين
أزمة كورونا كشفت عن نوعين من الشركات، النوع الأول الذي يعتبر الموظفين من الأمور التي يمكن التخلص منها والنوع الثاني الذي يعتبرهم شركاء يمكن الوثوق بهم. النوع الأول بطبيعة الحال لم يتردد قبل طرد مئات الموظفين بينما النوع الثاني كان شفافاً مع الموظفين ولجأ إليهم من أجل العمل كوحدة متكاملة.
بطبيعة الحال الخيار الثاني ليس دائماً سهلا إذ أن العقبات التي ستواجه رحلة البحث عن الأفكار المنقذة عديدة. على سبيل المثال، «كانيلي» مطعم فاخر في سياتل وجد نفسه في أزمة غير مسبوقة ولكن عوض البدء بطرد الموظفين قام صاحب المطعم بالطلب منهم بتقديم الأفكار التي تنفذ المطعم ووظائف الجميع.
الفكرة الأولى كانت تقديم المطلعم للبيغل والقهوة، والثانية تقديم البرغر خلال خدمة الدرايف أب، والثالثة خدمة توصيل العشاء الفاخر للزبائن على أن يكون عمال التوصيل هم النادلون والنادلات. الفكرة الأولى فشلت لأن المطعم لم يتمكن من مواكبة حجم الطلبات، أما فكرة البرغر فأدت الى حدوث ازدحام وبالتالي تم التخلي عنهما. ولكن فكرة خدمة توصيل العشاء الفاخر لاقت نجاحاً كبيراً ومكنت صاحب المطعم من دفع رواتب جميع العاملين.
الخلاصة هي أن الشركات يمكنها الاستمرار من دون تسريح العمال وذلك من خلال خلق التوازن ومن خلال العمل مع الموظفين ككيان واحد.
إتيكيت الاجتماعات عن بعد.. ما يجب فعله وما يجدر تجنبه خلال مكالمات الفيديو