قبل أن تحدد ثقافة العمل.. تعرف على مخاطر تصنيف شركتك كـ"عائلة"!
"نحن عائلة.. مرحبًا بكم في عائلة شركة...." جملة تكررها معظم الشركات عند الحديث عن ثقافتها، فيما تستخدم كلمة "عائلة" للتدليل على الأجواء الإيجابية، حيث تستحضر صوراً من الدفء والولاء والعلاقات المتماسكة.
إلا أن هذا الاستخدام لهذه الكلمة غالبًا ما يُخفي خلفه حقيقة معقدة، يمكنها أن تؤدي إلى عواقب سلبية للمؤسسة وللموظفين، والاستراتيجية التي وضعت لبناء ثقافة عمل إيجابية وتعزيز شعور الانتماء، حيث تخلق في بعض الأحيان مشكلات عديدة أخرى، قد تؤدي إلى تجاوز الحدود وزيادة التوترات والمواجهات.
ففي الواقع، وخلافاً للصورة الوردية لفلسفة "العائلة" في الحياة المهنية، فإن التوقعات من هكذا فلسفة تضع الكثير من الضغوطات على الموظفين، ما يخلق ديناميكيات غير صحية، تؤدي إلى إنخفاض معدلات الرضا الوظيفي، وزيادة معدل الدوران وانخفاض الإنتاجية، بالإضافة إلى التداعيات التي تطال العملاء أيضاً وعلاقتهم بالشركة.
الآثار السلبية على ثقافة العمل
أصحاب العمل يريدون موظفين بإنتاجية مرتفعة، التي هي عادة نتيجة مباشرة للأفراد الذين يعلمون بتناغم مع بعضهم، وقد لا يبدو إضافة ثقافة العائلة إلى المعادلة فكرة سيئة، خصوصاً أنها ستعزز العلاقات وتجعلها أقوى، ومن ثم ستخدم غاية الحصول على أداء أفضل من الموظفين، ومن ثم فإن هذه المقاربة من الناحية النظرية تبدو إيجابية ومنطقية، ولكن من الناحية العملية هناك عقبات عديدة.
ولعل المشكلة الأساسية تكمن في واقع أنه نادراً ما يتم إعداد الموظفين للنجاح في هذه البيئة، بل يتم ترك الموظفين للتعامل مع هذه "الثقافة" بمفردهم، وهنا تبدأ الحدود الشخصية والمهنية بالتداخل، ما يؤدي إلى خلق مجموعة مختلفة من المشكلات بين الموظفين داخل المؤسسة وبين المؤسسة وعملائها.
- تداخل الحدود المهنية والشخصية:
تشير الأبحاث إلى أن المؤسسات التي تستخدم كلمة "العائلة" في الأعمال التجارية، تخلق ثقافة إيجابية محفزة، كما أنها ترفع من الروح المعنوية، حيث لا ينظر الزملاء إلى بعضهم البعض على أنهم زملاء فحسب، بل يصبحون أقرب إلى الإخوة والأخوات، ما يؤدي الى الارتباط عاطفياً بالمؤسسة أيضاً، ولعلكم تفكرون حالياً بأن هذا أمر إيجابي كيفما نظرنا إليه، ولكن الواقع هو أن "الإيجابية" هذه يمكنها أن تترك أثراً سلبياً.
إليكم الصورة الواقعية، في مكان العمل الذي يصنف "كعائلة"، غالباً ما يكون هناك توقعات غير معلنة بالمشاركة الشخصية والاستثمار العاطفي، فقد يشعر البعض بالضغط للمشاركة، خصوصاً أن المحادثات الشخصية ليست مقبولة فحسب، بل غالباً ما يتم تشجيعها في إطار التفاعل الاجتماعي.
البعض قد لا يريد القيام بهذا الأمر، والبعض قد يشارك بأكثر مما ينبغي، وهذه الجزئية تطرح مشكلة جديدة حول حدود المشاركة، وما الذي يصنف كذلك، ومن هي الجهة التي تحددها؟
المعضلة الثانية تكمن في واقع أنه حتى في حال تمكن الزملاء من رسم حدود معينة، وشاركوا بالقدر الذي يجعلهم يشعرون بالراحة، فهم لن يتمكنوا من القيام بذلك مع مديرهم، فالموظف سيكون في حالة من القلق حول حجم المشاركة، وقد يشعر بأن عليه القيام بذلك سواء أراد ذلك أم لم يرد، خوفاً من تداعيات تصرفاته على العلاقة مع المدير.
- العزلة والاستبعاد:
مفهوم العائلة يختلف بين شخص وآخر، وعليه فإن ثقافة الشركة قد لا تكون إيجابية للجميع، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن بعض العاملين لا يريدون التواصل مع الزملاء في مكان العمل أو مع المديرين على مستويات أعمق، هم يريدون العمل في سياق مهني بحت، مع الاحتفاظ بتفاصيل حياتهم الشخصية خارج نطاق العمل.
ورغم أن الغاية من الثقافة العائلية هي خلق الشمولية، لكن يمكنها كذلك أن تؤدي إلى عزل واستبعاد الموظفين الذين لا تناسبهم المعايير السائدة، من هؤلاء الذين يفضلون العمل ضمن حدود مهنية أكثر تقليدية.
الثقافة هذه ستصبح عقبة ومشكلة، خصوصاً عند توظيف أشخاص جدد، والذين سيكونون خارج "دائرة الثقة" بشكل أتوماتيكي، فيما سيتطلب دخولها واكتساب ثقة الآخرين وقتاً أطول من المعتاد، بحكم أن نوعية العلاقات هنا تتجاوز المهنية.
اقرأ أيضًا: لماذا يجب على الشركات أن تمتثل للأخلاقيات؟
- الولاء المبالغ به:
عندما يحتاج أحد أفراد الأسرة إلينا، أو حين تطلب العائلة منا التزاماً كبيراً، نادراً ما نفكر بالأمر مرتين قبل الموافقة، ووضع ولاء كهذا في بيئة العمل يسهل عملية سوء تفسيره، سواء لناحية ما هو متوقع، ولناحية ما يجب القيام به من أجل المهام.
الصورة مجدداً للوهلة الأولى تبدو مثالية، وحسب "روب وفي جاريث جونز" في كتاب "شخصية الشركة"، غالباً ما يتم رسم صورة إيجابية للموظفين في شركات تعتمد ثقافة العائلة، حيث الغالبية مستعدة للتطوع للمساعدة، حتى قبل الطلب منها، كما أنها مستعدة للتدخل عندما تشعر بأن الآخر يحتاج إلى المساعدة.
وهي صورة مثالية يحلم أي مدير أن تكون جزءاً من شركته، ولكن الكتاب يشير أيضاً إلى أن الدراسات أثبتت، بأن الذين يملكون هذا النوع من الولاء هم الأكثر استعداداً وعرضة للمشاركة في أعمال غير أخلاقية للمحافظة على وظائفهم، أو لضمان استمرارية الشركة!
- التعرض للاستغلال:
التعرض للاستغلال ينبع من الفكرة أعلاه، وهي الولاء المبالغ به للشركة، فحين يشعر الموظف بالولاء المطلق للشركة، فإنه سيكون عرضة للاستغلال من قبل صاحب العمل!
ويتجلى هذا الاستغلال بساعات العمل أو المهام الإضافية التي لا علاقة لها بأدوارهم أو مناصبهم، أو الحفاظ على سرية بعض الأمور، فثقافة العائلة التي تتجلى بمبدأ "نحن جميعاً في المركب نفسه وعليك القيام بدورك"، ستجعل الموظف يوافق على كل ما يطلب منه، والعمل وفق هذه العقلية وبهذا المعدل يعني إنهاكًا وشيكًا وانخفاضًا في الإنتاجية.
- انعدام الاحترافية:
مفهوم العمل كعائلة سيؤدي حتماً إلى تشويش الكثير من الحدود، ومن ضمنها حدود ساعات العمل والوقت الشخصي، فقد يشعر الموظف بأنه ملزم لجعل عمله "أولوية"، ما يؤدي إلى الشعور بالإرهاق والاستنزاف وخلق مشاعر سلبية، ترتبط بتضحية الوقت الخاص من أجل العمل.
وعندما نضيف إلى المعادلة الأعباء العاطفية المرتبطة بمفهوم العائلة، ومن ثم ضرورة بذل جهود إضافية لدعم الزملاء، ستؤدي إلى خلق بيئات غير صحية، تؤدي بالتبعية إلى ممارسات مشكوك في احترافيتها وأخلاقياتها، كما سبق وذكرنا.
التسويق لمفهوم "العائلة" داخل المؤسسة سيجعل العلاقة المهنية أكثر شخصية، وهذا سيؤثر على الأدوار المهنية، وقد يؤدي ذلك إلى: المحاباة، وتضارب المصالح، وخلق تحديات عديدة في معالجة قضايا تتطلب مقاربات موضوعية.
فعلى سبيل المثال، عملية فصل موظف ستصبح مهمة معقدة جداً، لأن التداعيات ستكون كبيرة، لأن "أفراد العائلة" المتبقين سيشعرون بالاستياء، أما إجراء التقييمات فسيتحول إلى معضلة كبرى، لكونها ستصبح أقرب إلى مواجهات تترجم على أنها خيانة وطعن بالظهر، عوضًا عن كونها إجراءات ضرورية لمصلحة المؤسسة، ففي ثقافة العائلة أي مقاربة موضوعية أو مهنية ستتحول دائماً لتصبح مواجهة شخصية!
- عدم توازن القوى:
ثقافة العائلة تعني أن الموظفين هم الإخوة والأخوات، ومن ثم المديرون هم الآباء والأمهات، وهذا ما يؤدي إلى خلق ديناميات غير متوازنة لناحية القوى.
في العائلات المتوقع هو أن يقوم الأولاد بإطاعة أوامر الآباء، وهذا ما يترك لدى الموظفين شعورًا بعدم القدرة على الدفاع عن أنفسهم، بالإضافة إلى كونهم ملزمين للقيام بما يُطلب منهم من دون اعتراض، وهذا يؤدي إلى ثقافة عمل غير صحية، يشعر فيها الموظف بأنه لا يمكنه التعبير عن مخاوفه، كما أنه لا يجرؤ على معارضة ما يحدث.
اقرأ أيضًا: مثالية نظرياً ولكن.. هل تناسب "القيادة المشتركة" كل الشركات؟
الآثار على قاعدة العملاء
التأثير لا يطال العلاقات الداخلية للمؤسسة فحسب، بل يمتد ليطال قاعدة العملاء أيضًا، وبطبيعة الحال فإن التسويق وفق هذه الصفة "العائلية" من شأنه أن يعزز العلاقة والصلة العاطفية مع المستهلكين، الذين سيشعرون بولاء أكبر للشركة.
وبما أن الشركات التي تروج للزبائن بأنهم "جزء من العائلة"، قد توفر خدمات مخصصة لهم، ما يعزز الولاء والارتباط وحس الانتماء، فعلى سبيل المثال، غالباً ما يخصص الموظفون في هذه الشركات، التي تعمل وفق فلسفة العائلة، الوقت للتواصل مع الزبائن في المناسبات الخاصة أو في أعياد ميلادهم، وكما هو الحال فيما هو إيجابي، هناك الجانب السلبي الذي يطال المؤسسة، خصوصاً لناحية مرونتها.
- خطر تمييع العلامة التجارية:
من العيوب الأساسية لتسويق للعلامة التجارية كعائلة هو تمييع العلامة التجارية، ففي حال فشل منتج واحد تحت العلامة التجارية أو تلقي منتج ما تقييمات سلبية، فقد يؤثر ذلك سلباً على تصور العملاء لجميع المنتجات المرتبطة بتلك العلامة التجارية، وقد يعمم العملاء تجاربهم السلبية، ما قد يؤدي إلى فقدنا الثقة بخط الإنتاج كاملاً، وربط المؤسسة ككل بهذه الطريقة يعني أن خطوة واحدة سيئة ستؤدي إلى تعريض سمعة العلامة كلها للخطر.
- إبعاد بعض العملاء:
بينما تهدف العلامة التجارية العائلية إلي خلق الشمولية، إلا أنها قد تُبعد -عن غير قصد- بعض العملاء، خصوصاً الذين لا يشعرون بالتماهي مع السرد العائلي، وفي المقابل هناك فئة تصنف الشركات التي تروج لنفسها وفق هذه الفلسفة، بأنها أقل احترافية من غيرها، ما يقلل من جاذبيتها للعملاء.
- انعدام المرونة:
"المرونة" هي العامل الفاصل بين النجاح المطلق وبين الاستمرارية لمجرد الاستمرارية، إذ تمكن الشركات من المناورة والاستجابة والتأقلم، وهذا ضروري في أي سوق كان.
ومن ثم فإن تقييد الذات بفلسفة العائلة سيجعلها أقل مرونة، وأقل قدرة على الاستجابة لمتطلبات السوق، فعلى سبيل المثال قد تتردد شركة في إطلاق منتج معين، رغم إدراكها بأن الطلب عليه مرتفع جداً، وذلك لأنه لا يتماشى مع صورتها، وهذا لا يفوت عليها فرصًا عديدة فحسب، ولكنه يمنعها من التمدد وجذب زبائن جدد.
صحيح أن ثقافة العائلة إيجابية جداً، وتعزز فلسفة صحية وداعمة، ولكن سلبياتها تجعلها محفوفة بالمخاطر أيضًا، لذلك إن أرادت الشركات العمل وفق فلسفة تخلق الروابط والدعم والولاء، فالأفضل أن تفكر في المؤسسة "كفريق رياضي" يعمل من أجل هدف واحد، وبهذه الطريقة يمكن الاحتفاظ بالعاطفة الجماعية والانتماء والقيم والأهداف المشتركة، والتخلص من الآثار السلبية لثقافة "العائلة".