العمل عن بُعد.. هل يسبب الاحتراق النفسي أكثر من العمل المكتبي؟
صار كثيرٌ من الموظّفين أسعد مع العمل عن بُعد، خاصةً مع ما يوفّره من مرونة، ومع ذلك فقد ارتفعت نسبة الإصابة بالاحتراق النفسي مع العمل من المنزل، الذي قد يتمثّل في انخفاض الإنتاجية والكفاءة، دون أن يكون هناك سبب منطقي لذلك.
فهل يُسبِّب العمل عن بُعد احتراقًا نفسيًا أكثر من العمل المكتبي؟ وكيف يمكن للموظّفين وكذلك صُنّاع القرار في الشركات أن يتجنّبوا خطر الاحتراق النفسي في بيئة العمل عن بُعد؟ وقبل كل ذلك ماذا عن الاحتراق النفسي؟
الاحتراق النفسي
"الاحتراق النفسي" حالة من الإرهاق المزمن، سواء نفسيًّا أو جسديًّا، مع ضعف الإنتاجية في العمل، وقد ارتفعت نسبة الإصابة بالاحتراق النفسي مع العمل عن بُعد، الذي تزايد في أعقاب وباء "كوفيد-19".
الاحتراق النفسي في العمل المكتبي
الاحتراق النفسي خطر يُهدِّد أي عامل، سواء في المكتب أو مقر العمل، أو من يعملون عن بُعد من منازلهم، وفيما يلي أبرز البيانات التي نقلتها الإحصائيات حول العالم بشأن الاحتراق النفسي والتوتر في العمل المكتبي:
- في عام 2022، أفاد 44% من العُمّال على مستوى العالم بأنّهم عانوا الكثير من التوتر في مكان العمل خلال يوم عملهم.
- توقّع 80% من كبار المُتخصصين في مجال المخاطر أنّ يكون للاحتراق النفسي أثر بالغ على الموظفين في 2024، ويشعر 41% منهم فقط أنّ منظّماتهم جاهزة للتعامل مع ذلك.
- أفاد 36% من العمّال أنّ منظّماتهم ليس لديها أي شيء للمساعدة في درء الاحتراق النفسي عنهم.
- النساء أكثر عُرضةً للاحتراق النفسي، فقد أفاد 46% من النساء بمعاناتهن من الاحتراق النفسي، مقارنةً بـ37% من الرجال.
الاحتراق النفسي في العمل عن بُعد
ليس الأمر سارًا جدًا مع العمل عن بُعد، خاصةً أنّ الوظائف عن بُعد قد زادت بمُعدّل 3 أضعاف، مقارنةً بعام 2020، ومن أبرز الإحصائيات بشأنه:
- أفاد 69% من العاملين عن بُعد زيادة معاناتهم من الاحتراق النفسي من استخدام أدوات التواصل الرقمية.
- يعمل 53% من العاملين من المنزل عدد ساعات أكبر مقارنةً بالعمل المكتبي.
- قال ما يقرب من 31% من العاملين من المنزل أنّهم يعملون أكثر بكثير مما كانوا عليه قبل وباء "كوفيد-19".
- أفاد 48% من العاملين عن بُعد أنهم يفتقرون إلى الدعم العاطفي.
- العمل عن بُعد (48%) والعمل الهجين (38%) مرتبطَان بزيادة احتمالية الإصابة بالقلق وأعراض الاكتئاب، مقارنةً بالعمل المكتبي (35%).
- يُعانِي 38% من الموظفين احتراقًا نفسيًا مع العمل عن بُعد، بسبب شعورهم بالضغط من قِبل إدارتهم للعمل عدد أكبر من الساعات.
- يجد 61% من العاملين عن بُعد صعوبة في الانفصال عن العمل خارج ساعات العمل.
- يزيد الانتقال من العمل بدوامٍ كاملٍ من المكتب إلى العمل عن بُعد بدوامٍ كامل الشعور بالوحدة بـ67 نقطة.
اقرأ أيضًا:كيف تتعامل مع الموظف الذي لا يحترم القواعد ويتذمر عليها؟
لماذا ازداد الاحتراق النفسي مع العمل عن بُعد؟
تشمل أبرز أسباب زيادة الاحتراق النفسي، خاصةً مع العمل عن بُعد أو من المنزل:
1. الاتصال الدائم بالعمل:
قد يجد كثير من العاملين من المنزل صعوبة بالغة في الانفصال عن العمل، وربّما يكون ذلك بسبب تداخل الحياة الشخصية مع العمل في كثيرٍ من الأحيان، مع عدم وجود حدودٍ واضحة، ما يُنذِر بالاحتراق النفسي، خاصةً مع العمل عن بُعد، فالعمل المكتبي في مقر مُحدّد للعمل، قد يكون أسهل في وضع حدود بين الحياة الشخصية والعمل، خاصة بعد انتهاء ساعات العمل والعودة إلى المنزل.
2. ساعات العمل الطويلة:
أظهر بحث نُشِر في "Bloomberg"، أنّ العاملين عن بُعد يميلون إلى العمل 3 ساعات أكثر (11 ساعة يوميًا)، مقارنةً بالعمل المكتبي، ويبدو أنّ السبب الرئيس في ذلك يتمثل في عدم قدرة العاملين على الفصل بين العمل وحياتهم الشخصية.
بالإضافة إلى العمل مع زملاء من مناطق زمنية مختلفة، لذا فإنّ ساعات العمل الطويلة قد تُسبِّب عدم توازن بين العمل والحياة الشخصية، بما قد يزيد التوتر والإرهاق المزمن، ومِنْ ثَمّ الاحتراق النفسي.
3. مشكلات التواصل:
قد تؤدي ضعف التوجيهات أو التعليقات من المدير إلى توتر من يعملون عن بُعد، فقد أظهر تقرير صدر عام 2022 عن مزود خدمة بناء العلامة التجارية "Buffer"، أنّ 17% من 2,000 عامل عن بُعد قابلوهم، يواجهون صعوبات في التعاون والتواصل مع بيئة العمل عن بُعد.
ويمكن أن يؤدي ضعف التواصل بين الفرق والموظّفين عن بُعد ومديريهم، إلى حالة من عدم الثقة والتوتر، ما يزيد خطر الإصابة بالاحتراق النفسي.
4. العزلة والوحدة:
قد يُفاقِم العمل عن بُعد الاحتراق النفسي؛ إذ يُعزِّز الشعور بالوحدة والعزلة، وقد أظهرت بعض الدراسات أنّ شعور الوحدة والعزلة أعلى حدوثًا لدى من يعملون عن بُعد، مقارنةً بمن يعملون من المكتب.
ويتفاقم ذلك الشعور مع ضعف التواصل مع البشر، أو العزلة الاجتماعية بسبب طول ساعات العمل، ما قد يُسبِّب احتراقًا نفسيًا.
اقرأ أيضًا:كيف يقود المدير الناجح فريقه عن بُعد؟.. التحديات والحلول الممكنة
5. غياب الروتين:
صحيح أنّ العمل عن بُعد يُوفِّر مرونة فيما يتعلّق بأوقات العمل، لكن هذا ليس جيدًا في المطلق، لأنّ بعض العاملين عن بُعد يفتقرون جدًا إلى الانضباط الذاتي، ووجود هيكل عملٍ واضح وروتين مُحدّد.
ففي بيئة العمل المكتبي، لا يتعيّن على الموظّفين التفكير في إنشاء روتين عمل بأنفسهم، فعادةً لديهم أوقات عمل ثابتة كل يوم، بينما يكون الأمر فوضويًا بعض الشيء في حالة العمل عن بُعد، ما قد يزيد التوتر وربّما يُفضِي إلى الاحتراق النفسي، خاصةً إذا لم يتمكّن العامل عن بُعد من وضع روتين عمل واضح لنفسه.
علامات الاحتراق النفسي
قد تظنُّ أنّ الاحتراق النفسي إرهاقًا وحسب، أو ربّما تراجُع إنتاجيتك في العمل وكفاءتك مقارنةً بما كُنت عليه سابقًا، لكن للاحتراق النفسي علامات جسدية ونفسية وحتى سلوكية:
- العلامات الجسدية:
تضمّ أبرز العلامات الجسدية للاحتراق النفسي:
- تكرار الإصابة بالصداع.
- عُسر الهضم وألم المعدة.
- الخفقان.
- الشعور بإرهاقٍ مزمن أو استنزاف.
- الأرق أو عدم انتظام النوم.
- فقدان أو زيادة الشهية.
- ضعف الرغبة الجنسية.
- ضعف المناعة، ما قد يزيد خطر الإصابة بالأمراض.
- العلامات النفسية:
أمّا ما يُحدِثه الاحتراق النفسي على الصعيد النفسي والعاطفي للإنسان، فيضمّ:
- الشعور بفقدان الحافز وانخفاض طاقتك.
- زيادة الانفعال والإحباط.
- الشعور بالوحدة والانفصال عن الآخرين.
- الشعور بقلة الحيلة.
- عدم القدرة على الشعور بالرضا، أو ضعف ذلك الشعور على الأقل.
- المشاعر المرتبطة بالقلق، مثل الحزن أو الشعور باليأس.
- التشاؤم.
- العلامات السلوكية:
وقد يُسبِّب الاحتراق النفسي أيضًا، علامات تظهر واضحة على أدائك وسلوكك في العمل، منها:
- تراجُع الإنتاجية والكفاءة فيما يتعلّق بمهمات العمل.
- العزلة عن الناس عمومًا، بما في ذلك زملاء العمل.
- التسويف المطوّل والمُتكرِّر.
- نوبات انفعالية، مثل بدء الجدالات أو إثارة أو توبيخ زملاء العمل أو الناس عمومًا.
- فقدان الاهتمام بالهوايات والأنشطة الأخرى التي كُنت تستمتع بها سابقًا (من علامات الاكتئاب أيضًا)، قبل أن يُصِيبك الاحتراق النفسي.
كيفية التغلب على الاحتراق النفسي رغم العمل عن بُعد
قد تساعدك النصائح الآتية على تجاوز الاحتراق النفسي، واستعادة الإنتاجية في العمل، والابتعاد عن شبح الإرهاق الذي يطاردك باستمرار:
1. النشاط البدني وأخذ فترات استراحة:
قد يكون الحل أسهل مما تتخيّل للتغلب على الاحتراق النفسي، فمثلًا قد يساعدك المشي لمدة عشر دقائق في تحسين مزاجك وتخفيف توترك، ما قد يُخفِّف الآثار السلبية للاحتراق النفسي أو يمنعها تمامًا.
فمن السهل ألّا تهتم بنفسك وحالتك النفسية مع العمل عن بُعد، فليس هناك زملاء يُذكِّرونك بأوقات الاستراحة، لذا خُذ أوقاتًا للاستراحة بين الحين والآخر، لإعادة شحن الدماغ، وزيادة التركيز والحفاظ على إنتاجيتك.
2. تعزيز مهاراتك في تنظيم الوقت:
أظهرت دراسةٌ نُشرت عام 2021 في "مجلة التعليم الطبي Journal of Medical Education" ارتباط ضعف تنظيم الوقت بزيادة فرص الإصابة بالاحتراق النفسي، لذا تُعدّ مهارات تنظيم الوقت أحد أهم سبل مكافحة الاحتراق النفسي، خاصةً مع العمل عن بُعد وغياب روتين أو هيكل واضح للعمل.
ويمكنك الاعتماد على تطبيقات تنظيم الوقت أو تطبيقات قائمة المهام على الهاتف الجوّال، أو أي طريقة أخرى، فبالنهاية تختلف طريقة تنظيم الوقت من إنسانٍ لآخر، حسب مهماته ومشاغله وغير ذلك.
3. مكافأة نفسك:
لا بأس بأن تُكافِئ نفسك من وقتٍ لآخر على إنجازك العمل، فهذا يساعد على تحسين مزاجك، وتشجيعك أيضًا على إتقان العمل، ما يعزز إنتاجيتك وتركيزك، وأنت أدرى بما تُكافِئ به نفسك بالتأكيد.
4. إنشاء روتين أو وضع حدود فاصلة بين العمل والحياة الشخصية:
لا شكّ أنّ عدم وجود حد فاصل بين العمل والحياة الشخصية، من أهم أسباب الاحتراق النفسي، لذا حاول أن تضع عدد ساعات عملٍ ثابتٍ لا تتجاوزه، وأن تنقطع عن العمل بالكلّية عندما تكون خارج ساعات العمل، فقد يساعد ذلك على استعادة التوازن بين الحياة الشخصية والعمل، والأهم أنّه يُبعِد عنك الاحتراق النفسي قدر ما أمكن.
اقرأ أيضًا:كيف يُحافظ رواد الأعمال على صحتهم في عالم الخُطى السريعة؟
كيف يمكن للشركات تقليل الاحتراق النفسي لفريقها مع العمل عن بُعد؟
لا يضر الاحتراق النفسي الموظّفين فقط، بل قد ينعكس أيضًا على الشركات في صورة تكاليف توظيف وتدريب موظّفين جُدد أو خسارة الأرباح أو غير ذلك، لذا ثمّة بعض الأمور التي يمكن للمديرين أو صانعي القرار في الشركات فعلها لتخفيف الآثار السلبية للاحتراق النفسي، ومنها:
- توفير جداول زمنية مرنة للموظفين، بدلاً من وردية ثابتة من التاسعة صباحًا إلى الخامسة مساءً، إذا كانت طبيعة عمل الشركة تسمح بذلك.
- تحسين التواصل بين فرق العمل وتسهيله، لأنّ ضعف التواصل من أبرز أسباب الاحتراق النفسي.
- الاستثمار في أدوات تتبّع الوقت لمساعدة الشركة وموظفيها على مراقبة الإنتاج عن قُرب، ورصد أي انخفاض في الإنتاجية، ومعالجة الاحتراق النفسي سريعًا إن كان سبب ذلك.
- أن يكون المديرون قدوة للموظفين، بأن يُعطوا الأولوية للتوازن بين العمل والحياة الشخصية، فهذا يُنشِئ بيئة عمل صحية.