العربي "الكائن الاجتماعي"
عندما تبحّر ابن خلدون العصر الحديث، البروفيسور هوفستد في أبحاثه عن اختلافات الشعوب، وجد أن العرب لديهم نزعة فطرية كبيرة نحو الانتماء إلى الجماعة، مقارنة بالشعوب الغربية. ولما قاس ذلك عبر أبحاثه التي جُمعت في كتاب واحد، فناهزت ألف صفحة، وجد أن العرب يُقدّر مستوى اعتمادهم الفردي على ذواتهم individualism بمعدل متدنٍّ 25 ، في حين يبلغ الغرب (أمريكا، وبريطانيا) نحو 90، وهو فارق ملحوظ يظهر ميلهم إلى الجماعة أكثر من الفردية.
هذا يعني أن العربي ترتبط صورته عن نفسه بصفة "الجمع" (نحن)، أكثر من صفته الفردية (أنا). لأنه ينتمي عادة إلى جماعة تدافع عنه بشكل أو بآخر، في مقابل ولائه إلى هذه المجموعة. وهو بالفعل ما يعكس واقع الحال، من انتشار الطوائف والقبائل والفئات المختلفة. الأمر الذي قلما تجده في العالم الغربي؛ فالفرد هو كيان قائم بذاته، فإذا ما أخفق أو أخطأ، فعليه مواجهة ذلك التحدي بمفرده، لأسباب مرتبطة بأمور اجتماعية، وسيادة القانون، وانتشار بعض مظاهر العدالة الاجتماعية التي لا تجعله مضطراً إلى الاحتماء خلف فئته.
ليس هذا فحسب، فقد وجد هوفستد، أن العربي مستعد أن يقوده من هو أقل كفاءة منه، عبر مفهوم يطلق عليه "مسافة السلطة " power distance، وهو مؤشر يقيس إلى أي مدى يقبل الناس في منطقتنا العربية، أن يقودهم أو يتبوّأ أحد في مجتمعهم منصباً رفيعاً لا يستحقه. واللافت أن الأفراد الأقل سلطة في مجتمعاتنا "يتقبّلون" أي سلطة فوقهم، وإن كان فيها نزعة استبدادية أو أبوية، بل يعترفون أن هؤلاء الذين يقودونهم، يستمدون قوتهم بحكم موقعهم في الهيكل الهرمي بالمؤسسة التي يعملون فيها.
وربما هذا ما يبرر تبوّؤ شخص رئاسة فئة من فئات المجتمع، وهو لا يملك أدنى مقومات القيادة ولا القيم أحياناً. والعجيب أن يكون بعضهم مستعداً لأن يضحّي بما يملك، لكي يبقى ذلك الفرد الضعيف قائداً لفئته.
الأمر الذي لا نجده في بلدان إسكندنافيا على سبيل المثال، فهم أكثر نفوراً وعدم قبول أو توقع، بأن يقودهم أشخاص غير أكفاء. وتبيّن أن علاقاتهم تقوم على توقعهم وقبولهم بأن تبنى علاقات القوة في مجتمعهم، على الاستشارة أو الديمقراطية. فكان مؤشر العرب نحو 95 ، في حين لم تتجاوز دول مثل النرويج والسويد 31 نقطة.
خلاصة القول، إن ما كنا نعتقده بأن العربي يستند إلى فئته، أكدته دراسات رصينة في هذا الميدان، فنحن نركن إلى جماعتنا أو فئتنا في سبيل مواجهة التحديات المحيطة بنا. وتتفاقم هذه الأمور أو تتطرف، إلى الحد الذي نقبل أن يقود جماعتنا من هو أقل كفاءة، ما دام يحقق مصالحنا.